الأربعاء ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم ليندة كامل

المجهول الاتي

بدا رجلا كغيره من الرجال لا يختلف عنهم إلا في ملامح الوجه، وتمدد الجسم، فكان عريض المنكبين طويل القامة أشقر اللون دو ملامح وجه جذابة يعطي لناظر إليه صورة تدل على الوقار والهيبة ،كما تلمس في حديثه الجدية والصرامة والانضباط.

مرح بعض الشيء شأنه شأن شباب هذا الجيل. الذي ابتعد عن التكليف و سعي جاهدا إلى الترفيه وراحة النفس والبدن، فكم هي الراحة ممتعة والابتعاد عن المسؤولية و ضغط المدير، وجبروته والقوانين وقيودها، وما أروع أن يكون الفرد حرا طليقا لا تربطه اوثقة و قيود. ليمرح ويسرح ويجول في كل الاتجاهات وفي كل الأوقات دون رقيب.

ذاك هو المعبر الذي يدخل ويخرج منه الوسواس الخناس، فتندفع النفس إليه في ولع وعشق فلا تحس بذنب إذا أقترفته، أو خطأ إذا ارتكبته.

استهوهته نفسه وأحس بالفراغ والوحدة ووخزهما، لم يعد قادر على الصبر فراحت تطوقه بوابل من الأمنيات والأحلام السعيدة و استدرجته قائلة:

 كم هي الوحدة قاسية.

رد عليها ندا بند:

 العزلة أيضا موحشة

 فما رأيك ببعض الأنس

 من يأبى دلك معي؟

 لديك صفات الأنس جامعة، فتى جذاب مليح الوجه ليديه جسم يوقع الغافلات في بشابكه؟

 مهلا ..مهلا ..الغافلات..وجسم جذاب؟ مدا تعنين بقولك؟

 ألم تحس بنظراتهن ؟

 نظرات؟ لا لم أرى واحدة تنظرني كما تعتقدين. فنظراتهن تدعي الاستفهام والإبهام ولم أقرأ بعد كتاب تفسير النظرات؟

 ليس بالضرورة أن تقرأ بل أن تشعر ؟

 اشعر بماذا؟

 بلهيبهن ولهفتهن و...و..

 وهل لنضرات لهيب؟

 وأي.. يا صاحبي

 إستهتار

 الم تشتكي الوحدة والفراغ؟

 بلا

 جوفك لا يملا بغيرهن؟

 من هن .. النظرات؟

 الفتيات الجميلات المتأنقات.......

 لم يسبق لي أن شعرت بتلهف فتاة

 جرب فقط.

 وكيف؟

 أن ترد النظر بمثلها ... والبسمة بمثلها .و....

 آه كما يقولون النظرة فابتسامة فكلمة فموعد فلقاء فزواج ...إنها فكرة ... بالك ...من إبليس

 لما ألقب بسمي إدا؟ ستحس بالفراغ انقشع عنك وتدنو السعادة منك والفرحة تؤنسك

 الفرحة والسعادة آه من هما مصطلحان لم أحس بهما مند زمن ،مشاكل الحياة، وصعابها كانت كجدران عازل لنورهما عني

 دع الهموم وغص بروحك في بحورهن. وحدهن من ينزعن عنك الكدر.

 أنت تبالغ أصدقائي حذو الطريق نفسه فجلبت لهم المصائب. كيدهن عظيم.

 وعشقهن بلاء كريم وهواء عليل ؟ فقط جرب؟ الحياة ذاتها حقل تجارب إما توحي لك بالفشل أو بالنجاح ،ودلك هو الممنون وبين الكيلين لن ينقص منك شيء بل ستستفيد تجربة وخبرة تدونها في أفكارك الابلسية ستكون لك مخرجا وحلا لمصيبة تترصدك.

 شوقتني بإلحاحك.

 أنضر إنها تشير إليك هيا ارفع الحواجز من أمامك ومضي قدما فما أروع النساء؟

ودخل عالمهن تحت ضغط النفس وإلحاح الأبالسة ووحي من الفراغ والملل فبدا كغيره من الرجال. لا تربطه بالمرأة سوى تلك اللحظات الحميمة المليئة بالأشواق والأمنيات محفوفة بالعصيان والتمرد هاربا من جلاد الضمير ونقد الألسنة اللامتناهية، بالرغم من إظهار ملامح الوقار والهيبة والكمال المنشود.

فيظهر بصورة رجل حكيم يجيد التحكم في مشاعره وسوقها إلى الصراط المستقيم متداركا الأخطاء الروتينية. كسائق سيارة متدرب على الطريق بغموضه، ومعابره السهلة مرة والمبهمة مرة أخرى فالرجل الفطن وحده من يقلل الأخطاء وبسرعة البرق يهرب من الخطر المحدق به.

لكن هده الصورة سرعان ما غسلتها أمطار الصيف الرعدية المتناثرة كزخات على وجه تباينت ألوانه ليتحول إلى رسم تدخلت فيه أيادي الهوى والعشق فإتختلطت معالمه وأبهمت أهدافه ومبتغياته، قوة كانت تندفع منه وكرد فعل شرطي غلبت المشاعر واستجابت لأوامر الهوى فكانت اقوي من أي قانون وضعه الضمير و اشد من قوة الأنا ومبادئها

فاندفع إلى عالمها بلا رقيب ليستمتع بتلك اللحظات التي تصل درجة لذتها سعادة العالم. شعر حقا بالسعادة والفرحة لكنها لم تدم سوى دقائق محسوبة ومحدودة.

فبدت كأكلة اشتهها، فأحترق لهيبا لتذوقها والتهامها و ستلد بطيبة طعمها وتحرك العاب سائلا تحت تأثير رائحتها الزكية. لكن الفرحة والدة لم تستمر طويلا بل إنطفأة كما تنطفئ أنوار الشموع بقطع أنفاسها

وكان حبل تأنيب الضمير يلف عنقه، ويطوى انبساطه كطي السجيل، فلا يحس بالراحة والاسترخاء، كانت يد خفية تدسه للقلق والحصرة والندم وأخرى تصور له قصورا من الغبطة والسرور بلا حدود ولا حواجز.

ومرت الأيام ومضى الشاب في نفقه المحفوف بلائحة افعل ما تشاء ما دمت قادرا؟ وكل ما أراد التهرب أو الانسحاب من عالمه قوة سحرية، وضغط يلوح به دون سابق إنذار رغم ساعات المرح التي كان يستشعرها، صوت في ذاته ينذره بالضياع والوحدة والخوف من مجهول آت فكان مثل قطعة صوف رمت بها النسائم فوق الأشواك فلا هو قادر على التملص منها، ولا هو قادر على تحمل وخزها.

في أعماق روحه الشفافة كان يحس بنور في قلبه لم يولى له اعتبار، كان يستشعره بحق عندما يبتعد عن طريق الهاوية التي سارت إليها أهوائه.

يحس بخفة في روحه ورخوة في دهنه لا يضطر للكذب ،وإعطاء مبررات مزيفة إلى زوجته التي حضيا بها وبدفء أسرة مباركة لقد كانت الشكوك والضنون تعصر قلبها الحنون، اصطبرت على ظلمه لنفسه ولها، لقد حاولت جاهدة إبعاده عن دلك النفق المخيف لكن الهلوسات الشيطانية حدقت به بعيدا حيث الملذات والشهوات.

مرض بالسكري وهو في الخمسينيات إلا أن الطريق الذي حفته نفسه صار كخندق لم يستطع أن ينفلت منه فكان مرضه بمثابة الممحاة التي تمحي أوساخا تكدست عبر السنين لم تكن كافية لتنزع من سجل حياته كل المخالفات التي أحدثها بحق ذاته ،لم يعي أن للنفس وللجسد حق عليه ينبغي الحفاظ عليهما كما سطره من له علم أقوى منه، لم يدرك الأمر في البداية فكان يشتكي ظلم الأيادي الربانية. وحين خارت قواه ولم يعد شيء منه يقوى على الصبر وتحمل الآهات . كل ركن من جسده أثار زوبعة تندد عن فشل القيادة في جعله أكثر مقاومة واشد صلابة.

لقد إبتعد ببساطة عن الغداء الروحي وركز بكل إمعان في الشرهة والشراسة و الشهوات . فكان سجينا لها حبيسا لأوامرها منفذا لطلباتها دون تردد.فشاخت أعضاءه قبل الأوان وسارت في كر وفر بين الأوجاع والمرض لقد تحملت ذنب لم تقدم عليه، وكانت هي الأخرى ضحية لسوء الفهم والتقدير ،وسؤ الاتزان والتوازن والإفراط والتفريط غابت عن ناضره أمور كثيرة لم يعي لها وجود ،وزاغت عن بصره فلم تظهر بريقها سوى لنفس موحشة لا تأبى بغير الهلاك له ولم تتركه يرى نورا غيرها. لكشف الحجاب عن داك النور الداخلي.

و جاءته سكرة الموت بما تحمل من أشجان وآلام. شعر بخطأه وخوف من مجهول آت إليه وراح يتأبط ناجيا لمن حوله يتذكر غصاته وهفواته ولهفته. توارت أمامه لحظات الجنون بعينها حاول أن يطلق اللوم على نفسه التي خرت بين يديه، والدموع تنهال عليه من كل صوب «أورطتك وورطت حالي»

.يلفه إبليس اللعين بحبل طويل من الغدر والخيانة والاحتيال :«بريء منك أنا براءة الذئب من دم يوسف. نفسك رضت بحالها ورضيت».

ينضر إلى جانبيه لعله يجد شيئي يتشبث به وينجيه من هول ما يراه بأم عينيه، حتى الرفاق رحلوا لم يستطع أحدا أن يعي ما يقول أو يستشعر بما يحس به ،فلم يعد لطيب طيب وللجميل جمال ،كل الأحاسيس تخر أمام سكراتها كوخز الإبر دون انقطاع. كل ما يدركه نار متأججة بين الضلوع وفي كل ركن من أركان جسده لا حب ولا رغبة بل نزاعة لشوي وتسقط الأقنعة وتتضح أمام عينيه الحقيقة كاملة أدرك حينها سر داك النور ؟ المنبعث منه؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى