السبت ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم هـيـثـم الـبوسـعـيـدي

الـكـتـابـة العربية: مـحـلـك ســر!!!

ليس المهم تعبئة الورق وحشو الصحف وسد مساحات المنتديات بنصوص ومقالات وأبحاث وكتب قد تحمل بين عباراتها صفات التميز وملامح الإبداع، بل الأهم ما تحفره الكتابة في ذهنية الفرد وفكر المجموعة من رغبة جادة نحو توظيف الأفكار واستغلال النظريات التي يزخر بها هذا النص أو ذلك البحث، والأعمق هو اكتشاف مزيد من الرؤى وطرح مزيد من التساؤلات وطرق أبواب النقاش وتفعيل غايات الحوار.

إن ممارسة الكتابة بحد ذاتها خدمة جليلة وعملية رائعة لا تتوقف عند مرحلة النشر الورقي أو الالكتروني لإن هدف الكتابة أوسع من علاقة محدودة طرفيها الكاتب والقارئ فقط، بل تتجاوز هذه العلاقة بمراحل مختلفة لأنها تسافر عبر مساحات وخطوات واتجاهات متباينة مما يجعلها أقوى حضورا في حياة الفرد والمجتمع والوطن، عندئذا ربما تكون للكتابة ثمار طيبة ونتائج عظيمة وتأثيرات عميقة.

ولكن واقع المشهد العربي يؤكد أن الكتابة لم تتحرر بعد من أسوار العلاقة الضيقة بين القارئ والكاتب، ولم تخرج من شرنقة الروابط المحدودة ولم تنفك من أسر العلاقات المصطنعة، فهي غير قادرة على تشكيل سلوك اجتماعي فاعل وصناعة نظام ثقافي مؤثر يتشارك فيه عدة أطراف وتتعاون لأجل صياغته جملة من الجهات، هذا أضفى على مكونات الحياة الثقافية العربية سمات بارزة توصف بالانطوائية والعزلة والاغتراب والهشاشة والتصدع وفقر التواصل مع شرائح المجتمع وضعف التحاور مع دوائر السلطة، كل ذلك خلق "حالة كتابية" مبتورة تتسم ببطئ الفعل وشح القدرات وضعف التأثير وتدني الكفاءة المنتظرة وتردي الفعالية المطلوبة، وهذا ما يمكن تسميته بموت مبتغى "فعل الكتابة" الذي هو مؤشر حقيقي نحو رقي أو تخلف المجتمع.

موت" فعل الكتابة" أسفر عنه خفوت سطوة الكاتب وغربة سطوره وذهاب بريق إبداعاته وتقزيم مساحة حضوره في الحياة العامة في ظل وجود صورة غير واضحة لا تساهم جيدا في دعم وضعية الكتابة أو تحفيز حركة الإبداع أو تطوير أدوات القراءة، فأصبح الكاتب مجرد مدون أو هاوي متشرد وأعتبر القارئ نفسه مجرد متصفح أو عابر سبيل على الورق وصارت العقلية الجماعية لا تعي أن للكتابة صلة قوية بتطور أوجه الحياة ونهضة جوانب المجتمع، ومن هنا فإن الكتابة تتأرجح بين حبال واهية وتستصعب الخروج من حفر عميقة، لذلك لازلت كما يقال بالعامية محلك سر!!! لم نكتشف ما هو أبعد من السطور والعبارات، ولم نحتفي بمشاريع الكتابة على شكل أفعال جماعية وأعمال واقعية.. هذا أقرب وصف للحالة الكتابية البائسة وأنسب كلمة للوضع الكتابي المتشرذم في البلاد العربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى