الاثنين ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم عمر سعدي

كاتِب بلا هويّة مَنطقية

أن تَمشي في الأزِقَّةِ وأنتَ تَحمِلُ أفكاركَ المُضطَرِبة، تَبحث عَن مَقعَدٍ في حديقَةٍ تَبعُدُ أميالاً عَن ذاكِرتِكَ أو مَقعَدٍ في زاويةٍ غير تقليديّة تطلُبُ قَلمًا وورقة لتَشهَدَ أوَّل مَخاضٍ للّغةِ في مكانٍ لَم تتوقّع أن يثيركَ أو أن تَنفعِل، لتكتَشَفِ في آخِرِ السّطر بأنَّكَ وقَّعتَ باسمٍ لا يُشبِهك أبدًا.

بينما تَنكمشُ الجُمَلُ، تُلملِمُ ذاتَها وتتحوَّل في لَحظَةِ غَضبٍ شارِدٍ إلى قَصيدة، أو ربَّما في لَحظَةِ أمَلٍ تائهٍ إلى خاطِرة، يُصبِحُ النَّصُ دائرة مَنطقية للعبَث، تمدّ قدميكَ مِن الجدارِ إلى الجِدار وتبدأ بتأمّل السَّقفِ الذي لا يَبعُدُ أكثرَ مِن انقباضه واحِدة ولحظةِ شكٍّ واحدة.

بينما أحاول أن أصِلَ الحُلمَ فوقَ الدرجاتِ الألف هُناكَ مَن يثِقُ بالمصعَدِ الكهربائي، يختَصر مئات الدرجات بثانية واحِدة؛ ليسَ المُهم كيفَ تصعد، المُهم كيفَ تَصِل، أكثر اللقاءاتِ بهجَةً هي تِلكَ التي تلتفُ فيها حولَ نَفسِكَ وأنتَ تلهثُ مِن ثِقلِ جَسَدِكَ وطول المسافة، وأنتَ تُمدد جَسدَكَ المتعب بينَ زاويتينِ تلاقتا في لحظةِ كُسوفٍ كُليٍّ للروح.

الصُّور الخلابَة التي تَلتقِطُها عَدسة العين في لحظةٍ ما قَد تفتَح مُخيّلتك في لحظةٍ مشابهةٍ على عالمٍ أكثر عُرضة لأشعَّةِ الروح، يتحوّل منطق خيالك إلى مَنطقٍ آخر، يتشابهُ بالنّغمة والصّورة لكنّهُ يختَلِف باللحظة الزمنية والتعبير اللاإرادي، عِندها فقَط، تَجلِس بالقربِ مِن النّافذة، تُشعِلُ "سيجارةً" وتتداعى مع الأفكار وكأنَّكَ الآنَ بدأتَ تتحوّل "بالصّدفة" إلى فيلسوفٍ سيقلِبُ أشكالَ الطّبيعةِ رأسًا على عَقِب.

أكتَشِف وأنا أمدُّ يدي لألتقِطَ الجريدة الأسبوعية مِن البقّال، بأنّي أنتَشِلُ الأخبارَ بملء إرادَتي، أبدأ بمُطالعَةِ أخبارِ المُجتَمَع، الطّبيعة، العالَم وكُل ما أعلَم بأنّي أمقُتُهُ، أبدأ بشَتمِ كُلِّ شيء، أمسِكُ الجريدة ألفُّ بها "مَنقوشة الزعتر بالزّيت البلدي" وأُدخِّن سيجارة لعلَّ الصّور التي زَرَعتها الأخبارُ في تُربَةِ مُخيِّلتي يَحرِقها التَّبغُ أو يُخفيها الدّخان.

الثرثرة وسيلَة نَقل مَنطِقية، لستَ بِحاجَةٍ للحافِلة، قِف على مَقرُبَةٍ مِن شخصٍ يهوى الثرثرة ليوصِلكَ إلى العُنوانِ المطلوب، لا تُهمِل أيّ مِن التّفاصيل فقَد تُضيِّع الطَّريق؛ في المرّة القادِمة تأكّد مِن أنّك تُنصِت بِشكلٍ مَنطقيٍّ لشخصٍ منطقيّ، الثرثرة التي لا توصلك إلى مَكانٍ ما لن توصِلَ ذِهنَك إلى شيء أبدًا.

البائعونَ يَصرخونَ صَباحًا وعِندَ مُنتصَف النَّهار، عِندما تَكون بأمسِّ الحاجَة إلى الرّاحة، تَخلُد للتأمُّلّ أو ربّما لِكتابَةِ شيء ما فيوقفِكُ شكل الفاكهة أو نوع السّمك أو ربّما تَرويجٌ لأمرٍ ما، عَمّا سَلَفَ مِن أفكارٍ كادَت تَنمو لولا أنَّ المناخ لم يكن مواتيا والطّقس غير قابِلٍ لتكرارِ تَجربة التأمّل؛ تُعيد صياغة ذاتك وأنت تُمهّد لشيءٍ مِن الأمَل فيَختِصر طريقك صوت جديد- تودّ بعدها لَو أنَّ الأرض تنشقّ وتبتلِع ما تَبقى من أمنيات.

عِند آخر الليل تَفتَح أفكاركَ نَوافِذ السّماء، تَشعُر بِرغبةٍ مُستقِلة للاستلقاء الآنَ في روحِ رَغبَتِكَ للتساؤل، تَنظُر مِن النّافِذة فلا ترى شيئًا، كُلّ الأشياءِ سَواء، الطّبيعة ملبّدة بالسّواد والضوء الخافِتُ يمنحُ الأجسامَ المألوفة شَكلاً قَد يُخيفك، تَبحَث في لَيلِ غَرابَةِ الدّنيا عَن غُربَةٍ تتسكَّعُ فيها وأنتَ مَفتوح العينينِ وإذا بِكَ تختَرِقُ عالَمًا مِن الأحلامِ اللامنطقيّة.

فائِض مِن الجُمَل التي لَم تَستخدِمها في أيّامِكَ السّابقة سَوفَ يَبني القصيدة الآتية أو رُبّما سيأتي بمشروعِ روايةٍ لا تَعرف الاستقلالية أبدًا، أو قَد تَشعُر بوجودِ الأشباح التي لم تؤمن بوجودِها يَومًا، الآن هِيَ بينَ يَديكَ، فقَط استيقِظ وابدأ بالتجاوُبِ مع ردودِ أفعالها، اترُكِ العالمَ وانهض فالنّجوم بعيدة والسّماءُ أقرَب مِن بَصرك. افتح شرايين قَلبك وحاوِل أن تُمدّدَ حُروفك فوقَ صَدرِكَ الخالي مِن التضاريس، هُناكَ فقَط، للنومِ طعم القصيدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى