الثلاثاء ١١ أيار (مايو) ٢٠١٠

حلقة الراقصين

رضا الحربي 

جلس السيد أمام المرأة متحسساً بيده المرتَجفة شعر رأسه المشتعل شيباً نازلاً بتلك اليد على عينيه الشاحبتين والمتعبتين في ذلك الوجه الدقيق الملمس، كانت نافذة غرفته الزجاجية تَهتز أمام الريح ألأتيه من الخارج،كان شارد الذهن لا يعبأ لما حوله بينما أخذ يزداد صوت اهتزاز النافذة التي أحدثت صريراً طالما أزعجه أنزل يده بكل هدوءٍ ليفتح الدرج وقد سحبه حول بطنه الظامره، فالتقطَ ذلك الملقط الأسود ماراً على بعض شعيرات بدأت تكسو أعلى خده و أسفل أنفه رافعاً ذقنه الى الأعلى ملتفتاً للنافذة المستضعفةُ، فجأة فتحتْ النافذة ودخلتْ الريح للغرفةِ كوحشٍ هائج ذو أجنحهٌ رمادية وعابثه بكل ما يعترض طريقها، لمْ يواجه السيد الريح إلا بهدوئه وليقترب منها اطل على ذلك الشارع حيث تلبد الجو الغيوم أغلق النافذة وأسدل ستارتها وشرد به ذهنه لذلك اليوم بعد أن انهي عشائه رن جرس الهاتف. 

نعم:

كيف حالكْ؟:

بخير: 

الخميس أنت مدعو مع المدعوين لحفلة عيد ميلادي:

شكراً إليك يا فاتنتي 

نَلتقي 
 
أعاد ألسماعهَ إلى مكانها، و انتابته قشعريرةٌ من أعلى رأسه الى أخمص قدميه، شعر بالبرد يهز كيانه،كانت الغرفة ذات موقد وشعر أن جبينه بدأ يتصبب عرقاً،كان خائفاً من الَمجهول تزاحمت الأفكار في ذهنه وسيل من الأسئلة اللامتناهيه 

ماذا لو لبست بدلتي الزيتوني ؟ربما الرصاصية أجمل لأنها لوني المفضل،وماذا سأهديها؟ قطعه صغيرة من الماس؟ رغم أن ثمنها باهظاً لكنها تبدو غير جذابة لكثرة ما سيقدمون لها من عقد ولآلي، هل أستطيع إرضائها ؟وان أسرقها من جميع الحضور.....أهلها... أصدقائها... أو حتى ضيوفها، مد يده في درجِ منضدته الخَشبية القديمة 

ذات الصاج الفاخر، والتي أهديت له حين تخرجه يوم ذاك من الكلية، لونها يشبه لون الباذنجان ورائحةُ اليَّود لا زالتْ فيها كما لو صنعت حديثاً، فتح صندوقه القديم واخرج مجموعهٌ قصصية وشعرية معاً... أحبها جداً كما لو كانت قطعهٌ من كبدهِ، وكثيراً ما كان يردد بعض

مقاطعها حتى حفظها عن ظهر قلب همس في سرهِ

(لا بأس أن اهديها الكتاب فقد توحدا فيَّ هيَ وهو 
عدتُ إلى مضجعي، شيءٌ في صدري يَمور..!! 
 من جديدِ أسمعُ الطرقَ أقوى.. 
لا شكَ، مطمئناً خَوفي، أن شيئاً على نافذتي 
 لا شكَ، إنها الريح، مطمئناً، وتحركت لأبعدَ الفزع، 
 وأكشفُ وجهَ الحَقيقة.. )( (1 

إنها قصيدةٌ أعجبته وتعلق بها، وضع الكتاب على المنضدة بتردد كما لو كان ممسكاً بفراشه.... شم عطرها واندلق ذلك الشيء الناعم الملمس والجذاب تحت أنامله، ارتدى معطفهُ الصوفي وجزمته الجلدية السوداء وبخطوات رابطه الجأش تقدم نحو الباب خارجاً،هبط السلم وهو يفكر في هذا اليوم انه يوم الدعوة الذي لمْ يتَبق من موعدها سوى ساعتان إلا ربع،كانت قطرات المطر تتساقطُ مخلفهً رذاذاً جميلاً ومنعشاً للنفس، وكانت السماء غائمة، رأى السحب تَسير تترى بعض يتبع بعض فيما كانت المتاجر مضاءة تبدو أكثر بهاء في هذا الجو الغائم، السيارات تَسير بتمهل فيما مياه الأمطار قد انتشرت على الرصيف فقد قذفتها إطارات السيارات بعد هطول سريع لليلتان متواصلة غَدتْ في نظرهِ نوم التنين ما أن يستفيق ليعبث بالمدينة من جديد، أقترب من أحد المتاجر ونظر من خلال الزجاج الى المناديل المعروضة وقع نظرة على منديل مطرز بالذهب تذكر عينيها العسليتين وشعرها الأصفر الكثيف ككثافة نور الشمس الذهبية، بحث عن حرف N فلم يجده قال للبائع. 

أيوجد عندك حرف Nلم أره بين الحروف؟ 

سمعا وطاعة سيدي. 

أخذه بعد أن أنقد المبلغ لصاحب المتجر، وتنفس الصعداء وشعر أن رئتيه قد امتلئتا بالهواء وخرج، بدأ المطر أشَّد كثافة وأسرع بمشيته مخافة أن يبتل، تَحول المطر إلى مزنه شديدة لاعنا من يسير تَحته،أبتل شعر رأسه ومعطفه، فيما دس يده والعلبة تحت أبطه واضعها فوق نبضات قلبه، أدار المفتاح في الباب ليفتح من جديد، نظر إلى الموقد كانت نيرانه متقدة لم تطفئ بعد، خلعَ معطفه واضعاً إياه على كرسي قرب المدفأة، وليجلس عليه ماداً يديه من فوق النار التي أخذ سناها يعلو من جديد حمراء متقدة، وفجأة تحرك بسرعة مجنونه، فاتحاً الدولاب ليخرج بزته الرصاصية وربطه عنقه الزاهية مرتدياً إياها أمام المراه، نظر إلى تجاعيد وجهه التي حرص أن تكون أكثر نظاره وشباب رغم سنيَّ عمره التي شارفت على الخمسين. 

:إنها تصغرني بنصف عمري، هل أروق لها ؟ الكتاب والمنديل بالتأكيد سيعجبانها، تناول المنديل ووضعه بجيب بزته الأمامي ومسك الكتاب بيده اليسرى تخيل كيف سيقدمه لها، وخرج مزهواً وقف أمام ذلك القصر الفخم رأى المدعوين وهم يسيرون باتجاه اتجاهه حيث الحفلِ،كان هناك خدم يستقبلون االضيوف بزيهم الرسمي الموحد، وهم ينحنون أمامهم محيين وتقابل التحايا بمثلها وابتسامة زياده،استقبل ببعض انحناءات ردها مبتسماً مع استداره كاملة، والتي انب ذاته عليها، دلف الى فناءِ القصر كانت الأنوار مشعهٌ من حول الحديقة الندية وليصعد بضع درجات للسلم لتتجلى له رويداً رويداً الصالة التي بدأت تمتلىء بالحضور من شخصيات ذات أبهة ودلال، رسم على محياهِ ابتسامهٌ عَريضة وهو يدنو من المنصة التي تَقف عليها صاحبه الدعوى، استقبلته بابتسامه هي الأخرى، صافَحها واستدارتْ على ذلك الشاب الواقف إلى جانبِها قائلهً. 

أقدم لك خطيبي. 

أهلاً سررت بلقائك. 

ناولها الكتاب بكلتا يديه اللتان بدئتا تتكسران، وأحجم أن يعطيها المنديل في اللحظات الأخيرة، 

وما كان منها إلا أن وضعته بينَ كومه النفايات عفواً الهدايا ألمقدمه لها، أخَذ ذلك الشاب نجلى وهما يسيران بين الحضور،كانا يوزعان ألابتسامات ويلوحان بايديهما، رفع ربطه عنقه أحس بضيقٍ في صدره من ذلك المكان، وكأنهُ تائه بلا دليل، بدئت موسيقى الجاز تعلو، وتقرع كؤوس! الناخبين، والقهقهات مستمرة،واخَذ الرقص يشتد لدى الحاضرين نساء ورجال، فألفى السيد نفسه مع الجميع ساهماً واجماً،ومندهشاً ليختفي بين حلقةُ الراقصين*** 

الهوامش 

(1) من قصيدة الغراب للكاتب الأمريكي ادجار ألن بو الذي ولدَ عام 1809في بالتيمور ويعتبر من أساطينِ الشعر الرمزي كتب قصصاً عده، ومجموعة من القصائد أهمها الغراب. 
 
 
 

رضا الحربي 

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى