الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
بقلم تركي بني خالد

فوبيا التغيير

ها نحن نعيش في زمن بات يوصف بأنه سريع التغير، فالأشياء من حولنا باتت في حركة متسارعة، والدنيا تتغير، ولا شيء يبقى على حاله. وبالرغم من هذه الحقيقة، ما زلنا نجد أن هناك من حولنا من يخاف التغيير ويتوجس منه، بل ويحاربه.

نحن بحاجة إلى التغيير لأنه من طبيعة الحياة ومن سمات التطور، وبحاجة كذلك لأن يكون التغيير حقيقياً ، عميقاً يطال جوهر الأشياء لا أشكالها فقط. التغيير صنو التجديد ولكل جديد بهجة، لكن المهم هو احداث التغيير الإيجابي وإدامته والاستفادة منه في تحسين حياتنا ومستوى معيشتنا.

التغيير ليس موضة نتبعها ثم نتركها بعد حين دون أن نعرف لماذا. والتغيير ليس موجة نركبها أو لحناً نغنيه ثم نتخلى عنه بعد برهة. إن التغيير دليل على الإحساس بالحيوية والرغبة في الحياة، كما أنه تعبير عن الروح المتجددة التواقة للإبداع والانجاز.

لكن بالمقابل هناك معسكر الرافضين للإصلاح والتغيير. أناس يستمرئون الواقع ويستطيبون الركود فلا يعجبهم أن يحاول أحد أن يحرك ساكناً. هناك أناس يقولون لا وبالإجماع لكل شيء جديد أو مستجد. هؤلاء لا يرون أبعد من أنوفهم ومواطىء اقدامهم.

هناك ثقافة لدى مقاومي التجديد، محافظون، متحفظون، معارضون دون إبداء الأسباب. هؤلاء لا يعملون ولا يريدون لغيرهم أن يعمل، يعيشون عيشة أهل الكهف ولكنهم لا يرغبون في أن يحاول أحد أو جهة إيقاظهم من سباتهم العميق. ينامون ولكنهم لا يحلمون، ويتحركون لكنهم لا يعملون.

الرافضون للتجديد ليست لديهم أهداف محددة، ولا تهديهم رسالة أو تقودهم رؤية. يعيشون في الضباب ويزعجهم نور الشمس. الرافضون للتغيير لديهم أجندات خاصة، ومصالح ذاتية يعملون على إدامتها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

الخائفون من التغيير يغلقون على أنفسهم منافذ الضياء، ويمتهنون الرفض طالما جاء من أحد غيرهم. لا يجدون بديلاً ولا يطرحون حلولاً، ولكنهم يحافظون على الأمر الواقع، عملاً بالمثل القائل "الباب الذي يأ تيك منه الريح، أغلقه واستريح".

والخائفون من الجديد، لا يعجبهم المشي إلا حسب المثل القائل، الحيط الحيط، والطلب من الله الستر، والرافضون للتغيير لا يطيب لهم إلا ترديد مقولة "حط رأسك بين الروس". يفتقدون القدرة على المبادرة، ويتضايقون من أن يأتيهم أحد بمبادرة أو حتى مجرد سؤال أو دعوة للتأمل بواقعهم الحاضر. يرون أن كل شيء تمام التمام، ولا حاجة إلى "خربطة" الأمور.

الخائفون من التغيير تعوزهم الثقة بأنفسهم وتنقصهم الجرأة في التفكير. والخائفون من التحديث أناس يتوقعون الفشل لأي محاولة لإصلاح الواقع. يقولون لك إن شيئاً لن يتغير، وأن الموجود هو الأفضل، ربما لأنهم لا يقرؤون أو لا يفهمون ما يقرأون، وربما لأنهم عاشوا في طفولتهم وشبابهم ثقافة يسودها الخوف. يشعرون بالتهديد فيما لو سمعوا صوتاً يهتف أو لاحظوا شيئاً يتحرك، ويبادرون للتشكيك والتشويش والتهويش وربما أكثر من ذلك.

حين يصبح الخوف مرضاً وعندما تغيب إرادة التغيير لدى بعض الأفراد أو الجماعات تكون هناك الكارثة القادمة ببطء. لماذا تقاوم بعض المؤسسات محاولات إعادة هيكلتها؟ ولماذا يتشبث بعض الأفراد بالزوايا التي حشروا أنفسهم فيها؟

التغيير بلا شك عملية معقدة، ويحتاج إلى بيئة مناسبة يديرها أشخاص ذوو إرادة ودافعية وبعد نظر. التغيير يحتاج إلى مراجعة الواقع المعاش أولاً، وفتح جميع النوافذ والأبواب، ومعها القلوب والأبصار والعقول. التغيير يعني أن كل شيء مطروح للنقاش وأن الثبات هو من صفات الخالق فقط.

لا بد من تحديد الأهداف والتعبير عنها بوضوح، قبل النظر في وسائل تحقيقها. الأنبياء والمرسلين جاؤوا برسالة الاصلاح، وقاومهم الخائفون المشككون. العلماء والمصلحون والشعراء والكتاب نادوا عبر التاريخ بالإ صلاح، وطالما حاربهم أناس من صلاتهم، خوفاً على مصالحهم الضيقة أو جهلاً منهم بما هو خيرهم. فالجاهل عدو نفسه، وعدو غيره، لذلك لا يمكن أن يحمل الجهلة أدوات للتغيير أو الإصلاح.

إن التغيير يحتاج إلى جهود مخلصة من الجميع. في البداية وكالعادة يتبع مقاومو التغيير استراتيجية السخرية والتشكيك بالفوائد التي سيجلبها الاقتراح المطروح، وقد يحاولون التقليل من شأن صاحب الفكرة والغوص في سيرته الذاتية من أجل البحث عن بعض العيوب للتشهير بها عند الضرورة.

وربما يفشل التغيير ليس لأن الفكرة غير مقبولة، وإنما لأنها جاءت من طرف بعينه، فيظن البعض أنه سينال منهم وسترتفع مكانته إذا حصل التغيير المنشود. يرون بعين حاسدة ولا يدركون مرامي الحديث.

التغيير يحتاج إلى أدوات، فهو لا يحدث دون الأشخاص، ولا ينفع إن لم تتبناه الناس بعد اقتناعها بأهميته وجدواه. فالتغيير مربوط باتجاهات الأفراد وطرق تفكيرهم ونمط حياتهم، ونوع معتقداتهم وأساليبهم في أداء أعمالهم.

إن إحداث التغيير لا يتم بقرار وإنما بتعليم الناس منذ نعومة أظفارهم أسلوب التفكير وطرق حل المشكلات والتأمل فيما حولهم وتنظيم أنفسهم. وهذا يتطلب إبطال مفعول تعلم أنماط التفكير التقليدية كما يتطلب تزويد الناشئة بالاتجاهات المرنة والمنفتحة وغرسها في نمط دراستهم وأساليب حياتهم.

التغيير هو البحث عن الجديد، وهو التجريب ومحاولة الاكتشاف في كل جوانب الحياة، ولا يمكن لذوي الشخصيات الخائفة ممارسة التغيير. لأنهم ببساطة يشعرون بالتهديد. إن من ألّد أعداء التغيير الروتين والطقوس والغرق في تفاصيل الاهتمامات اليومية.

يخاف أحدهم أن يسافر إلى ما هو أبعد من حدود القرية أو الحارة، ويخاف الطفل أن يفارق حضن أمه، ويشبث في أطرف ثوبها حيثما ذهبت. ونخاف من المدرسة ومعلميها لأننا لم نر فيها غير الأوامر والنهي، فعندما يلتحق الطفل أو الطفلة في صف البستان يستقبل بالطلب منه أن يردد وراءهم بصوت مرتفع "دخلت الصف أتعلم أبدا أبدا ما أتكلم"!

ويلجأ أهلونا حين نكبر لمساعدتنا على الحصول على مقعد جامعي أقرب ما يكون إلى حارتنا، بل يذهب معنا الأب أو الأم يرافقوننا حين نقوم بالتسجيل على المساقات الجامعية في السنة الأولى على الأقل، ويعطوننا مصروف يومنا.

أما حين نصبح "رجالا"ً أو "نساء" يتوسط لنا الكبار في إيجاد الوظيفة أو العمل غير الشاق القريب من بيتنا، ثم نقبل أن تقوم الأسرة بتزويجنا من إحدى بنات عمنا أو خالاتنا، بعد أن يكون الوالدان قررا أن يفرحا بنا ويؤمنا لنا سكنا متواضعاً على الطابق العلوي أو في التسوية. فهم يصنعون لنا كل شيء، حتى القرارات الخاصة بنا، لا نملك لأنفسنا أن نوافق أو لا نوافق .. نقبل الموجود ولا نفكر بما نحتاجه نحن..

والتغيير يحتاج إلى التعاون إضافة إلى الجهد ووضوح الرؤية. وقد يصاب رواد التغيير بحرق الذات أو الإحباط ومن ثم الشعور بالانعزال حين يواجههم أعداء التغيير بالحروب المعلنة وغير المعلنة.

الإصلاح يحتاج إلى مأسسة لا أن يبقى جهداً فردياً معرضاً للإجهاض في أي وقت. والتغيير يتطلب الشمولية في التفكير، فلا بد من معالجة العيوب في أي جهاز من خلال النظرة الكلية بعيدة المدى والداعية لجميع جوانب المشكلة وعناصرها. التغيير والتطوير والإصلاح والتحديث بحاجة إلى قيادة وبصيرة؛ فالتغيير عملية منتظمة تتطلب المعرفة الدقيقة بما يجري عندنا ومن حولنا في هذا العالم.

فلكي يحدث التغيير لا بد من التعلم للمفاهيم والأشياء. وكما أن التعلم هو نفسه عملية. فالتغيير أيضاً عملية. ولكي يفهم المعارضون الحاجة إلى التغيير ، لا بد من الشرح والتفسير والتبسيط. لأن الخائفين من الجديد لا يدركون غير أنماط حياتهم ولا يستوعبون أهداف ومنافع التجديد، تجدهم يسدون آذانهم وأنوفهم لحماية ما هم عليه.

والتغيير يحمل في طياته الشعور بعدم الطمأنينه وعدم الوثوق بالجديد لأنه غير مجرب، فيقولون لك: "الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه"، حتى لو كان الجيد غير المعروف أفضل من الواقع المجرب. هناك شعور من القلق يراود مقاومي التغيير، يخافون على مكتسباتهم ولا يريدون تعريض حقوقهم المكتبسة للخطر.

إن إحداث التغيير هو نوع من المجازفة لدى البعض، وخلط للأوراق، وإزعاج لا مبرر له. ولأن الجيد يتطلب جهداً في التعلم والتأقلم يلجأ البعض إلى محاربته، فلماذا وجع الرأس؟ إن التغيير بحاجة إلى إحداث ثقافة جديدة، من أهم صفاتها الرغبة في التعلم والتمتع بالاكتشاف والإحساس بطعم الحياة.

نعم، المشكلات من حولنا كثيرة وهذه سنة الحياة، ولذلك لا يمكن حل المشكلات بواسطة التعايش معها وكأنها قدر لا يمكن التعامل معه. معظم المشكلات من صنع البشر أنفسهم، وعليه يمكنهم حلها أو تفادي حدوثها. ولكي نحل مشاكلنا لا بد لنا من التعرف عليها وتحليلها وفهم عناصرها من أجل الوصول إلى حلول إبداعية. إن أول الخطوات لحل المشكلة هي الاعتراف بوجودها، وليس إنكارها والتظاهر بعدم حدوثها.

ولكي يحصل التغيير نحتاج الى الوقت لتعلم مهارات جديدة، وللموارد البشرية المؤهلة التي تؤمن بامكانية الوصول الى اهدافها المحددة. لكن الأهم من ذلك كله هو الجرأة والايمان بالفكرة المراد تحقيقها.


مشاركة منتدى

  • شكرا استاذ على هاته نصاؤح طيبة فهي قد حفزتني لتغلب على مخاوفي ولكن سؤالي هو مادا تقصد أن تغيير يحتاج الى تعاون ؟ يعني ادا اردت تغيير احتاج الى يد عون ! ثم أن اصلاح يحتاج الى مؤسسة لايكون فردي الخ كيف دلك شكرا☺🌞

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى