الجمعة ٩ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم فؤاد وجاني

اللهم قصِّر في عمر النفط!

"كل شيء روحي، لكل شيء روح، كل شيء جُلب من قبل الخالق، خالق واحد، بعض الناس يطلقون عليه اسم الإله، وآخرون يلقبونه بوذا، بعضهم يسمونه الله، وآخرون يطلقون عليه أسماء أخرى، ونحن ندعوه كونكاشيلا بمعنى الجد... سنعيش على هذي الأرض فصولا قليلة نذهب بعدها إلى عالم الروح، عالم الروح أكثر واقعية مما يحسبه معظمنا... عالم الروح هو كل شيء... أكثر من 95 ٪ من جسمنا يتكون من الماء، ولكي تضمن البقاء بصحة جيدة عليك شرب مياه جيدة.... الماء مقدس...الهواء مقدس... حمضنا النووي مكون من نفس الحمض النووي للأشجار... الشجرة تتنفس ما نزفر، وحين تزفر الشجرة، نستنشق ما تزفره، لذلك فمصيرنا مشترك مع الشجر... نحن جميعا من الأرض، وحين تتلوث الأرض ويفسد الماء والغلاف الجوي فإن الطبيعة الأم ستخلق رد فعل خاص بها... سيزيد عدد العواصف والفيضانات... لا أعتبر حدوث تغيرات سيئة على الأرض أمرا سلبيا... انه ليس أمرا سلبيا... إنه التطور... حين تنظر إليه كتطور في الزمن... فإن دوام الحال من المحال...".

تلكم ليست كلمات مسلم يتدارس الحديث النبوي في الإصباح وعند الإدبار أويقرأ القرآن في هجعة الليل، بل همسات أحد شيوخ قبائل الهنود الحمر الموسومة بالحكمة. بعد رحيل الهندي الأحمر "فلويد ريد كرو ويسترمان" الذي عاش حياته يصرخ في آذان مثقوبة ويحذر بشرية مستهلكة مبذرة، يكاد ينقرض إرث الهندي الأحمر الزاخر بالنفائس الروحية والحافل بالدرر البيئية . كلماته الواثقة من حروفها تبدو وكأنها تستمد وحيها من القرآن الكريم: "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني اعلم مالاتعلمون" 

كان ذلكم حوارا حزينا قبل موته قبل سنتين تخللته من جملة لأخرى حسرات على مصير حياة الإنسان الملوث المفسد الظلوم الجهول في ظل عصر الثورة الصناعية والمالية والنفوذ النفطي.

نفط جلب بأسا أكثر من نفعه، وجعل الأعراب ينامون نومة عميقة فاقت سبات أهل الكهف، وتركتهم كسالى يتذوقون حلاوة العسل ويطعمون بياض الحليب دون نهضة، ويفسدون دون علم، ويحكمون دون عدالة، ويستمرئون النعمة دون شكر الله، ويبطنون دون فطنة، ويملكون دون منفعة، ولائحة الأفعال المضارعة الخاوية من الحركة والبركة طويلة مسترسلة على حد تخوم العجز والخمول.

البارحة سمعت خبرا سعيدا من الحاكم السعودي يدعو فيه ملك الأرض والسماء: "الله يطول عمر النفط!".

وإذا كان خادم الحرمين الشريفين بالأمس قد دعا الحافظ الستار بأن يمد في عمر النفط، فإن خادم الثورة البيئية السيد ألغور المحترم بيئيا نائب الرئيس السابق كلينتون يدعو العزيز ذي انتقام كل حين: "اللهم قصر في عمر النفط !".

السيد ألغور لايكتفي بالدعاء بل إن الرجل يسكن الهواء ويلتحف الكتب. مسكنه طائرة تجوب به أمصار الدنيا زارعا بذرات الثورة البيئية، ناشرا تعاليم الطاقة المتجددة في أرجاء المعمور، سريره مكتبة تعج بسائر الكتب البيئية التي تدثر فكره، وحاسبه الآلي الذي يوصله إلى قلوب صناع القرار هو المرأة الأخيرة في حياته. لقد خسر الرجل حياة زوجية دامت أربعين حولا من السعادة حتى موعد تحوله إلى ناشط بيئي، فقد أصبح تشبثه بتعاليم الثورة البيئية الجديدة أكبر من تشبثه برفيقة دربه وعائلته. إنه حقا يستحق لقب خادم الثورة البيئية التي ستنقذ الغرب من وعكته الاقتصادية.

وسواء كانت كارثة خليج المكسيك النفطية مفتعلة أو طبيعية، فإن شركة "بريتيش بتروليوم" ستخصص بقرار حكومي أمريكي أربعين بليون دولار (مبلغ يفوق ميزانية دول إفريقيا مجتمعة) لتعويض ضحايا الكارثة المتضررين من صيادين وصناع ومستثمرين في قطاع السياحة، وسيعتمد جزء كبير من المبلغ لتمويل أبحاث الطاقة المتجددة وسبل حماية البيئة. ورب كارثة بيئية خليجية نافعة اقتصاديا !

بوادر الثورة البيئية لاتقف عند هذا الحد، فقد خصص أوباما اليوم بليوني دولار للطاقة الشمسية وسيخصص البلايين في الشهور القادمة، وقبل سنوات بدأت ألمانيا فعليا في تخزين الطاقة الشمسية واستيرادها من دول الجنوب والوسط الإفريقيين، وشركات الطاقات المتجددة ومعاهد الأبحاث البيئية تعرف نموا سريعا وتشجيعا حكوميا وآخر شعبيا مكثفا لم يشهد التاريخ لهما مثيلا.

المعامل التصنيعية وشركات إنتاج الطاقة قد تخلت عن استعمال الفحم والنفط وعوضتهما بالعنفات الهوائية والألواح الضوئية الجهدية . لقد أنشئت مدن خضراء شوارعها ومنازلها تضاء وتدفأ وتبرد بالطاقة المتجددة، وشيدت قرى خضراء يعتمد ريها وحرثها وزرعها وحصادها على الريح والشمس. أنواع كثيرة من السيارات تشحن من نفس المنفذ الكهربائي الذي يشحن منه الهاتف المحمول ولها نفس قوة محرك السيارات النفطية. لم يعد الأمر حلما طوبويا مثاليا بل حقيقة مرئية ذات نتائج حميدة ملموسة.

كثيرا ماأخجل من نفسي -باعتباري مسلم - حين أجد القرآن يزخر بالآيات العلمية السباقة الداعية إلى حفظ البيئة وتسخير طاقات الماء والريح والشمس فيما ينفع الأرض والجو والناس منذ أزمان نوح وموسى وأصحاب الكهف وكلبهم، وأرى السنة النبوية تحفل بالأحاديث النابذة للاستهلاك المسرف والموجهة نحو نظافة البيئة وزيادة غرس الأشجار وفضل الحد من التلوث، بينما لازال إمام يفتي بأن رضاعة الكبير لاتجوز إلا عبر قنينة، و آخر يحشد كل همته الدينية ليؤكد أنها لاتصح إلا بالتقام الثدي مباشرة.

كما جرت عليه العادة في بلاد الريمة القديمة، سيقود الغرب العالم العربي الإسلامي (بين قوسين) مرة أخرى عبر إقامة ثورة بيئية توقظه من وعكته الاقتصادية، وسيكون العربان أول من ينقاد وآخر من يعلم. هذه المرة لن يحتاجكم الغرب أبدا، ولست أدري ماستفعلونه بآبار نفطكم حين تستغني عنها أمريكا وتهجرها ناقلات الهند والسند وأوروبا واليابان. لن يطيل الله في عمر النفط، لقد حان الوقت ليبيعوكم الشمس والريح والماء والهواء.
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى