السبت ٣١ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم بلقاسم بن عبد الله

الكتابة بحبر البحر

.. وهل جربتم (تن) الكتابة ولو مرة واحدة جنب البحر على أنغام الأمواج المتلاطمة؟.. قبل أن تبادروا بمثل هذه التجربة المتميزة، تعالوا معي لمصافحة صاحبنا العزيز المعزز ومؤانسته للإطلاع على ما كتبه ذات مساء...

.. انتابتني موجة من الدهشة، يا لروعة ما أرى بأم عيني... إنه هو بالذات والصفات، متمدد على الرمال الذهبية، يستمتع بعذوبة البحر وبسمفونية أمواجه، وهي تتدافع لتتحطم على أقدام اليابسة، وعلى القرب نشطت حركة العائدين والعائدات، وعلى البعد، كانت الشمس تتحول رويدا رويدا إلى قرص ليموني، لتشكل لوحة الأصيل البديعة، قبل أن تغطس هي الأخرى في لجين البحر المترامي الأطراف. إنه منظر رائع ما في ذلك شك، لكن ما وجه الغرابة هنا، ولماذا كل هذا الانبهار؟. دعوني أحدثكم قليلا عن صاحبي هذا، لتدركوا موطن دهشتي..

لا يزال شابا يافعا، يحرص دوما على أناقته ولياقته، هادئ الطبع، رزين متواضع، يقضي معظم أوقات عطلته الصيفية في مصارعة المشاكل المتراكمة على مدار السنة، لم نسمع منه من قبل أنه زار البحر وأخذ نصيبه من بركته. لكن ما الذي حدث؟.. أي انقلاب وقع في حياته؟.. هاهي ذي الشمس تغرب، وهو لا يزال متشبثا بموقعه يناجي ويداعب نسيم البحر. كأنه لاحظ دهشتي، أمسك بخيط الكلام، وانطلق في حديثه الممتع.

إنها الحياة يا صاحبي، رغم مصاعبها ومصائبها، تظل جميلة بالفعل، و تستحق أن تعاش، مفتاحنا السحري، للوصول إلى كنوزها الأمينة النفيسة.. هو الحب وحده.. الحب سلطان عادل لا حدود لمملكته أو إمبراطوريته، والكره شيطان رجيم تظل رقعته ضيقة وإن اتسعت، الحب نعمة، والكره نقمة.. الحب خير، والكره شر.. الحب عدل، والكره ظلم.. من منا لا يحب الحب كله؟.

أشعل سيجارته، قبل أن يواصل كلامه:

عندما نحب بصدق وعمق، نكتشف المعادن الغالية في داخلنا، نتحدى العراقيل، نملك القدرة الفائقة على التضحية من أجل الآخرين، تنشط في ذواتنا حوافز الإخلاص والأمانة والنزاهة.. من حب الحبيب، نعمق حبنا للوطن، وللمثل السامية والنبيلة. من منا إذن لا يحب الحب كله؟..

عندئذ فقط، أدركت أن صاحبي يزور البحر، ليتطهر ويتبرك، لقد ضاق ذرعا بمراوغة الأصحاب، وبإفشاء الأسرار، ولعبة الدجل والنفاق، وها هو ذا يناجي البحر عن قرب، وجها لوجه، ليعلن له جهرا عن عشقه المكنون، عن حبه العظيم..

قلت لصاحبي:

مبروك عليك هذه النعمة الجديدة، لكن، لماذا لا تفيد الغير بهذا الإكتشاف الثمين الذي توصلت إليه بعد رحلة مضنية؟.. لماذا لا تكتب في نشوة حب، ولحظة وعي؟..

انتفض من مكانه، كمن مس الجمر..

للآخرين نعمة و متعة الكتابة، في غياب الرقابة، أو بدون تأشيرة، أما أنا، فيكفيني أنني أعيش القصيدة، وأتركها لتكتبني، أنا نفسي قصة ورواية، نهايتها بداية، عبر حلقات متصلة ومنفصلة.. يكفيك أنك شاهدت الآن فصلا مجسدا من حكايتي الطويلة، ولك أن تعلن للآخرين: أن صاحبهم قد تاب، وعاد إلى رشده، وقرر أن يسكن مملكة الحب أو جمهوريته أو جنته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى