السبت ١٤ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم حلمي الزواتي

انتصار الحقد العرقي وهزيمة الإرادة السياسية الدولية

كتاب جديد للبروفسور حلمي الزواتي

الهجرة، مونتريال:

بالتزامن مع الذكرى الخامسة عشرة لمذبحة «سربرنيتسا»، أكبر مذابح أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي راح ضحيتها ما يزيد على 8000 من مسلمي البوسنة وجلهم من الرجال والشباب على يد المجموعات الصربية المسلحة، صدر عن دار إدوين ميلين للطباعة والنشر في نيويورك باللغة الانكليزية كتاب: "انتصار الحقد العرقي وهزيمة الإرادة السياسية الدولية: العنف الجنسي والإبادة الجماعية في يوغسلافيا السابقة ورواندا" للبروفسور حلمي الزواتي، أستاذ القانون الدولي ورئيس اللجنة الدولية للدفاع عن ضحايا العنف الجنسي خلال الحرب ومقرها مدينة مونتريال، كندا.

البروفيسور: حلمي الزواتي

يقع هذا المجلد الحائز على جائزة «أديل ميلي»ن، لمساهمته العلمية المتميزة في حقلي القانون والسياسة الدوليين، في 492 صفحة من القطع الكبير تضم ستة فصول موزعة بالتساوي على ثلاثة أبواب، ومقدمة وخاتمة، وقائمة مراجع مختارة ومتنوعة، وخمسة فهارس أعدتها ابتسام محمود، أمينة مكتبة معهد الأمراض الصّدرية، جامعة مجيل، وتصديرا بقلم الفيلسوف الكندي هاورد أدلمان الأستاذ في جامعة يورك في مدينة تورونتو الكندية. كما حمل غلاف الكتاب الأمامي مقطعا من جدارية الفنان الفلسطيني الراحل اسماعيل شموط «الى المجهول، 1997»، وذلك بإذن خاص من زوجته الفنانة التشكيلية تمام الأكحل.

يهدف هذا الكتاب بشكل رئيس الى كشف دور التطرف القومي والحقد الديني في بلورة روح الكراهية في المجتمعين اليوغسلافي والرواندي خلال العقود الماضية لتحقيق مكاسب سياسية، مما أدى الى مذابح جماعية وحملات اغتصاب ممنهجة، في غياب كامل للمجتمع الدولي، أفضت الى تمزيق يوغسلافيا وتدمير رواندا في تسعينات القرن المنصرم. ويعالج الباب الأول في فصلين متتاليين "جذور الحقد العرقي: آلياته ودوافعه" و"التعصب القومي والديني" في المجتمعيين اليوغسلافي والرواندي، وكيف ساهمت الخرافات والحقد الديني والعرقي الموروث في ايقاظ العداء التأريخي بين القوميات والجماعات العرقية في كلا البلدين مما أدى الى إشعال حروب أهلية مدمرة استمرت في يوغسلافيا قرابة أربع سنوات، نجم عنها ثلاثمائة ألف قتيل تقريبا، وأضعاف هذا العدد من الجرحى، وما يربو على مليوني مهاجر ونازح في إبادة عرقية ممنهجة لم يشهد التأريخ الحديث مثيلا لها، وكذلك اغتصاب ما يربو على خمسين ألف امرأة ما بين سن ست سنوات الى 80 سنة، معظمهن من النساء المسلمات في البوسنة وفي إقليم كوسوفو. ونجم عن هذه الحروب أيضا إبادة قرابة مليون مواطن رواندي غالبيتهم العظمى من قبيلة التوتسي في أبشع حرب دامت ثلاثة شهور، من نيسان/ابريل الى تموز/يوليو عام 1994، في أعقاب سقوط طائرة الرئيس الرواندي جوفينال هبياريمانا و هي تستعد للهبوط في مطار العاصمة الرواندية كيجالي مساء 6 نيسان/ابريل 1994 ، قادمة من العاصمة التنزانية أروشا بعد فشل التوقيع على اتفاقات أروشا للسلام بين القبيلتين الرئيستين في رواندا: الهوتو والتوتسي. صاحب هذه الحرب الشرسة، في غياب كامل للمجتمع الدولي، اغتصاب ما يقرب من ربع مليون امرأة جلهن من أقلية التوتسي. كما كشف هذا الباب في فصليه الأول والثاني عن دور الكنيسة الأرثودوكسية الصربية والكنيسة الكاثوليكية الرواندية في إذكاء روح الفتنة وبث مشاعر العداء والكراهية العرقية ضد مسلمي البوسنة وقبيلة التوتسي، مما أشعل حربا ضروسا في كلا البلدين مزقت يوغسلافيا الى عدة كيانات سياسية، ودمرت رواندا بصورة فادحة على كافة المستويات الانسانية والاقتصادية والسياسية.
وقد خصص المؤلف الدكتور حلمي الزواتي الباب الثاني بفصليه الثالث والرابع لدراسة استخدام الاغتصاب في مجتمعات البوسنة ورواندا المحافظة "كسلاح دمار شامل" عمل بنجاح على تفكيك وتدمير النسيج الاجتماعي لمسلمي البوسنة وقبيلة التوتسي الرواندية، مخلفا آلاف النساء الحوامل أو المصابات بأمراض جنسية سارية مثل الإيدز، التي فتكت بالكثير من الضحايا، خاصة في رواندا. وبتحليله عددا من القضايا الرئيسة المنظورة أمام المحاكم الجنائية الخاصة بيوغسلافيا ورواندا، رسم المؤلف إطارا نموذجيا للدراسات القادمة التي تعنى بقضايا الجرائم الجنسية خلال الحروب، موضحا فشل هذه المحاكم في معالجة هذه القضايا بما تستحقه من اهتمام وبما يتناسب مع مدى خطورتها على السلام الاجتماعي الاقليمي والدولي. وانتقد البرفسور الزواتي فشل القانون الانساني الدولي في اعتبار الاغتصاب كجريمة قائمة بذاتها أو حتى كجريمة ضد الإنسانية أو كجريمة حرب قبل إنشاء المحاكم الجنائية ليوغسلافيا السابقة ورواندا من قبل مجلس الأمن في عامي 1993 و 1994 على التوالي. كما اشار أيضا الى المادة السابعة والعشرين من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي رأت الاغتصاب اعتداء على شرف النساء وأهملت الآلام النفسية والجسدية للضحية. كما نوه أيضا بفشل محكمتي نورمبرغ والشرق الأقصى في إدانة الاغتصاب كجريمة حرب مورست خلال الحرب العالمية الثانية، في إشارة إلى اغتصاب آلاف النساء الألمانيات والروسيات والبلجيكيات والدانمركيات من قبل الجنود النازيين والجيش الأحمر الروسي، وكذلك اغتصاب ما يربو على 000 200 من النساء الصينيات والكوريات اللواتي تعرضن للعبودية الجنسية على يد الجيش الياباني.

وفي الباب الثالث من هذا المجلد عرّى الدكتور الزواتي مؤامرة الصمت العالمية تجاه الجرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا ورواندا والدور المشبوه الذي لعبه المجتمع الدولي في السماح لهذه الجرائم أن ترتكب، كاشفا الدور الذي لعبته الدول الكبرى سواء من خلال المشاركة في الجرائم و تسليح الجماعات المسلحة، كما هي الحال في الدور الفرنسي و البلجيكي في رواندا، أو العزوف عن التدخل، بل تعطيل أي دور فاعل لقوات حفظ السلام الدولية ممثلا بالدور الأمريكي في أروقة مجلس الأمن. لقد كان بإمكان المجتمع الدولي منع نشوب كلا الحربين أو إيقافهما بعيد اندلاع أعمال العنف، و لكن الولايات المتحدة التي ترى في قتل ما يقرب من مليون رواندي لا يساوي تعريض حياة عشرة جنود أمريكيين للخطر، كما أفاد الجنرال الكندي روميو دالير رئيس قوات حفظ السلام الدولية في رواندا، حال دون ذلك. لقد تعدى الموقف الدولي حدود التخاذل في منع الحرب أو ايقافها الى المشاركة الفعالة في تجريد الضحية من السلاح و تسليم المدنيين للجماعات المسلحة المناوئة، كما هي الحال في مدينة سربرنيتسا البوسنية، حيث قامت قوات حفظ السلام الكندية والهولندية بتجريد المسلمين البوسنيين من السلاح وتسليم المدينة للقوات الصربية التي ذبحت ما يزيد على 8000 مسلم في أبشع مذبحة ارتكبت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. لقد تعدى الأمر هذا الى المشاركة الفعلية في اغتصاب النساء المسلمات البوسنيات اللواتي تم أسرهن من القرى والمدن البوسنية من قبل الجماعات الصربية المسلحة، حيث قدم الصرب هذه النسوة هدايا للقوات الدولية مكافأة لهم على عدم تدخلهم لحماية المدنيين المسلمين خلال الحرب.

في الختام، لا بد من الإشارة الى ان هذه الدراسة المثيرة للجدل قد ساهمت فعليا في إثراء القانون الدولي الانساني من عدة جوانب، حيث كشفت مدى الترابط العضوي بين التعصب القومي والحقد الديني في إذكاء الحروب و جلب الويلات، و كذلك دور السياسة الممنهجة في استخدام الاغتصاب والحمل القسري كسلاح للحصول على مكاسب سياسية من خلال تدمير البنية الاجتماعية للضحايا ومجتمعاتهم. كما وضحت الدراسة ضرورة نهوض المجتمع الدولي لإصلاح منظومة الأمم المتحدة التي أسستها الدول التي كسبت الحرب العالمية الثانية، وحكمت العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا من خلالها عبر العقود السبعة الماضية. وعليه فإن هذا المجلد ضروري، بل لا غنى عنه ، لطلاب الجامعات وأساتذة القانون الدولي، وصانعي القرارات، ومحامي حقوق الانسان، وممثلي نظام العدالة الجنائية الدولية في الوقت الحاضر ولسنوات طويلة قادمة.

كتاب جديد للبروفسور حلمي الزواتي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى