السبت ٢١ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم عبد الكريم الكيلاني

وجعي كيلانيات

منذ انكفاء الوجد في طلوع الخريف وأنا أحتفل بالفراغ الموغل إلى مديات الخديعة المحتقنة بداخلي، كصياد عجوز يحاول باستماتة اعتلاء مصطبة الصيد الوحيدة الغافية منذ عقود على شفير دجلة, أرمق مدامع الأسماك بنظرات شزرة بائسة وهي تحوم حول سنارتي الماكرة، محتفلة مثلي بلحظاتها الأخيرة، ربما لا تعلم بأنها تلتهم أنفاسها المائية الأخيرة لكنها واثقة من قدرتها على التهام الموت ببسالة وإتقان، تتحرك الصور الملقاة منذ زمن بعيد في ذاكرتي بتؤدة، كأنها تخشى اعتلاء عتبة التكرار بعد أن ذاقت مرارته كثيرا، فهي ممتلكات خاصة بإنسان انطوائي عانى الأمرّين طوال حياته المعصوبة بوشاح الخيال الجامح، الطنين الصاخب يحفر بمخالبه جدار عقلي، زعماء الأرق يجتمعون في حواسي على طاولتهم المعهودة دون أن يخرجوا بنتائج خارقة تخرجني من هوة العيوب الماسكة بتلابيب أحلامي لأجدني كيوبيدا آخر أرشق بسهامي قلوباً حائرة لترتّد ثانية إلى قلبي الموجوع كل مرة، أفاعي اللذة المفتعلة تلتفّ حول مائدة رغباتي الهلامية، الجمال المرسوم على جدران الأزمنة، تدفعني إلى المضي نحو مفازات قصيّة، مجاهيل مليئة بمتاهات لا يخرج منها سوى الفطاحل من العقول التقدمية والفلاسفة العابرين سدم العصور البربرية، عشرات المدن التي زرتها خلال حياتي القرائيّة، تنبئني أنني لازلت أرقب سفرتي الأخيرة إلى حيث اللا مكان الوحيد الساكن مخيلّتي، يعتريني الخوف كل ليلة من ذاك المتربّص بي عبر ثقب المدى الماثل أمامي كشبح الغابة، أشعر به وهو ينسرب كالرذاذ في مساماتي، فأغدو جسدا بلا روح، يابساً، هشّا، كأوراق الخريف المتساقط على وجه اليباب، الخوفّّ؟؟!! هو الشعور الوحيد الذي أنفر منه حين يحاول امتلاكي، ربما لأنني أمقته، رغم هدوئه المعتاد، وصمته الكئيب، ربما لأنني والخوف متشابهان!! كثيرا ما عانيت من خوفي المغمّس بالاشمئزاز والحزن حين كنت أمر بالقرب من المسكونين بالجوع والبردْ وهم كُثْر حولي، كالجراد حين تغزو جيوشه مزارع القمح، رفيف الوجع الساهد في مخيّلتي يمدّني بامتدادات صوفيّة، لطالما حبستْ انفاسي وأنا أمرق أمام ذاكرتي المشحونة بالهم والوحدة والعزلة، صديقة افكاري تربت على روحي كلما شعرتْ بانكفائي وجحوظ شغفي بالحياة، كلماتي لا تسعفني في محاولاتي المستميتة للخروج من شرنقة الاغتراب،


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى