الأحد ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم حسين أحمد

حوار مع النحاتة السورية جيهان عبدالرحمن

عندما أبدأ بإنجاز عمل ما، لا أضع خططاً مسبقة، ولاصياغات محددة.

تعتبر النحاتة السورية جيهان عبد الرحمن سعيد، صورة طبق الأصل عن سيرتها الحياتية التي انطلقت من بلدتها «ديرك» بسياق منحوتاتها ونسقها، فلكل منحوتة من منحوتاتها لها حكاية موغلة في ذاكرتها البصرية والذهنية، والروحية والإنسانية والفنية فهي بخبرتها التكنيكية، وبإحساسها اللمسية الفذة، ادركت كيف تحول الكتلة «الخامية» من شكلها العفوي إلى مشاهد بصرية خلابة، ربما الى حالات متوهجة تنطق بالموجود.... لفهم رؤية النحاتة السورية جيهان عبد الرحمن بشكل اعمق أجرينا معها هذا الحوار ...

  بداية أريد منك نبذة مختصرة عن حياتك الشخصية .. فمن هي إذا جيهان عبدالرحمن سعيد ...؟ وكيف بدأت وهل بدأت فعلاً ..
 جيهان عبد الرحمن نحاتة كردية سورية تنتمي إلى عائلة عُرفت بالثقافة والفن من بلدة ديريك التي تقع في أقصى شمال سوريا مسقط رأسها، هذه البلدة بالذات تدفعك نحو الإبداع بكل ما تملك، وتشدك إلى معالمها التاريخية وطبيعتها الخلابة، وكأنها لوحة فنية رسمتها ريشة فنانٍ عظيم.

مارست النحت بعد تخرجها من المعهد المتوسط للفنون التطبيقية، من دمشق العاصمة، وكان توجهها غير عفوي لهذا التخصص، إذ أنها كانت تمارس الرسم منذ أن كانت طفلة في المرحلة الإبتدائية، حيث كانت رائدة طليعية في هذا المجال لعدة سنوات، وصقَّلت هذه الموهبة بالاطلاع على سيرة حياة الفنانين وتجاربهم الشخصية ومن هناك كرَّست نفسها لتخصصها الذي تجد نفسها من خلاله وتحاول أن تكون ذات تجربة متفردة في ذلك.

ربما أكون قد بدأت، إذ أنَّ لأيِّ شيء بداية.

  كيف تستوحين مواضيع أعمالك...؟ لحظة التأمل لحظة العمل ..
 الأفكار هي التي تنتج الأشكال، فعندما تتشكل وتصبح موجودة فإنها لا تخدم الفكرة فقط بل تشكِّل معها وحدة لا تتجزأ، ولحظة الإبداع تبدأ بتوهج الأفكار الجديدة في الدماغ حيث يعمل القلق عمله بإنتاج الفكرة وتحويلها إلى موجود، ربما يتشارك الحلم والذاكرة والشعور مع الشريك المادي وهو المادة والأداة ويداي.

  لا شك أن المتلقي هو المرآة الحقيقية لجدارة ونجاح أي فنان ، فما هو ردة فعل المتابعين لإعمالك ،وهل من موقف شدّ انتباهك أكثر ...
 لا يكفي أن يقف المتلقي أمام العمل، فإذا ما تفاعل معه وأثار انتباهه، هذا يعني أن روح العمل قد دخل إلى أعماقه، وبإمكاني أن أقول أيضا أن لكل متلقي قراءة خاصة للعمل ووجهة نظر ،وفي كل الأحوال فالعمل أولاً وأخيرا مقدَّم له.

  لقد شاركتِ في احتفال السنوي للشاعر "جكرخوين " في مدينة القامشلي 17 / 7 / 2008 بعمل يتضمن بورتريه نصفي للشاعر جكرخوين وحصلت على درع جائزة جكرخوين للإبداع من اللجنة المنظمة ، نريد منك التحدث عن هذا العمل وعن هذه التجربة تحديداً..؟..
 جكرخوين شخصية تاريخية كردية فذَّة، لا تحتاج إلى التفكير مطولاً لتخليدها، لذا وانطلاقاً من مواقفه الكثيرة التي قرأتها من خلال شعره في دواوينه، استطعت أن أكوِّن فكرة أكثر عمقاً مما هو متعارف عليه عند الشاعر جكرخوين، ثم من خلال قراءتي لشعره شعرت بأن هناك الكثير من التقاطع بيني وبينه من حيث النظر إلى المرأة وقضاياها والشكل الذي يجب التعامل به معها.

  هل للنحت ارتباط مباشر مع فنون أخرى ،كالموسيقى أو الفن التشكيلي أو حتى القصة وهل هذه العلاقة ترينها في وئام أم في خصام ، أم ماذا ..؟
 إذا كان الشعر هو لغة الروح وإسباغ هذه الروح على الموجودات بالتحاكي معها ويعتمد على الموسيقى، يمكننا تطبيق ذلك على النحت أيضا باعتباره فنا يعتمد على الإبداع، وتلك الجمرة التي تتقد في نفس النحات، لتتحول فيما بعد إلى عمل متكامل ، لذا فإن سلسلة الإبداع غير منفصلة حلقاتها عن بعضها، فالشعر مثل النحت والنحت مثله مثل الموسيقى وما إلى ذلك من الفنون الإبداعية، فكما أن الموسيقي بإمكانه تأليف نوته موسيقية نابعة من إحساسه بالكلمة، فإن العمل النحتي هو تآلف روحي ما بين الكتلة والفراغ وروح النحات.

  وأيضا في ذات السياق هل لأعمالك تداخل مباشر مع بيئتك ..مع محيطك الاجتماعي – على سبيل المثال :( الوجوه – المكان – الطبيعة- الطفولة – الحراك المباشر مع المجتمع ..أم هي دراسة و خبرة نلتها من المعهد لا أكثر ولا اقل ..؟
 حلمي في دراسة النحت كان دائم البحث عن مناخ يتقبله وأرض تحتويه أو حتى فراغ يرعاه، تجسد ذلك في دراستي الأكاديمية للنحت في معهد الفنون التطبيقية في دمشق، ولا شك إنَّ للبيئة تأثير كبير على روح المبدع، فعند التكوين أو التأليف يمكن أن تحمل شتات الأشياء التي تخلو من الحياة وتؤلف بينها من وجوه وأمكنة وموجودات الطبيعة، طبيعة (ديرك )بلدتي الصغيرة التي احتوت بكل موجوداتها على أروع أشكال الحياة الحقيقية من وجوه ما زلت أذكرها بتفاصيلها وانفعالاتها منذ سني الطفولة وحتى الآن، ببراءة وعفوية تلك الوجوه واستمد منها قوة الحياة وأُسبغها على المادة التي أعمل عليها.

  هل لنا أن نعرف ابرز المعارض التي شاركت فيها على المستوى الفردي والجماعي في سوريا ، وهل لك مشاركات على مستوى البلدان العربية ..؟
 بعد تخرجي من الأكاديمية، شاركت في معارض لثلاث دورات متوالية في مدينة القامشلي (1997-1998-1999) من خلال معرض الفنانين الكرد فيها، هذه المعارض نظمها الكاتب والشاعر المرحوم فرهاد جلبي.

  • معرض ثنائي مع الأستاذ جاك إيليا في المركز الثقافي في ديريك 2000
  • المعرض السنوي للفنانين السوريين ومعرض الشباب السوري كلاهما كانا عام 2004.
  • معرض مشترك مع الفنانين( لقمان أحمد وخضر عبد الكريم وسارة شيخي) في مركزي مصياف وبشنين التابعتين لمحافظة حماه.
  • معرض الجبل بعفرين 2005
  • معرض فناني الحسكة في صالة إيبلا بحلب 2006.
  • ومشاركة مع فناني الحسكة في الحسكة 2007.

ولي عمل مقتنى في متحف طه الطه بمحافظة الرقة.

لم تسنح لي الفرصة بعد للمشاركة خارج حدود بلدي، وأتمنى أن أشارك في معارض خارج سوريا، أنا أنتظر الفرصة، وأتمنى أن يشاهد أعمالي من هم خارج بلدي وأن تكون لي مشاركات من خلال ملتقيات خارجية.

  اللحظة التي تبدأ جيهان بنحت عمل ما ألا تأخذها الخيال صوب تجربة نحات آخر أن كان محليا أو عالميا، بعبارة أخرى الا يهزك عمل سواك بحيث تصورينه بطريقة فوتوكوبية ..؟
 النحت منذ الأزل فنٌّ مرَّ بمراحل عدة، من خلال مدارس فنية، تطورت عبر الزمن وكل نحات تأثر بغيره واقتبس من غيره، حتى وصل النحت إلى ما هو عليه الآن، لاشك أنني كغيري من النحاتين تأثرت بتجارب غيري، وقد وقفت مطولا أمام أعمال كبار النحاتين محلياً وعالمياً ليس بغرض الاقتباس ولكن بغاية التعرف على تجاربهم في هذا المجال، واستنتجت من ذلك بأن أعمالي تقاطعت بأفكارها أوربما بروحها مع أعمال الكثير الذين عملوا كنحاتين، ولا أخفيك فقد تأثرت بأعمال الفنان العالمي (رودان وجياكوميتي) وغيرهم ممن برزوا عالمياً.

 من خلال استعراض العديد من أعمالك النحتية (الخشبية )في المعارض لقد وجدت حضور كثيف لمجسمات المرأة التي تحمل رمزية واندهاش كأنها تترجم كوامنك كأنثى شرقية ما سر هذا الحضور إذا..؟
 المرأة تستحق أن تستخدم كمادة إبداعية في كافة مجالات الإبداع، هذا الكائن الخلاَّق الذي يستطيع بكل التفاتة منه تقديم شيء ما للحياة وإحداث فرق في هذا العالم الفسيح.

أنا لا أعبر عن كوامني الشرقية بصورة خاصة من خلال استخدامي للمرأة كمادة أو موضوع، وإنما أحاول تحريك كوامن المرأة نفسها هذا الكائن الجميل بكل ما لديه وما فيه، ليشعر بذاته وبقدراته وإمكاناته ، ليتعرف على نفسه، أنا حتما تخطيت التابو الاجتماعي إلى حد ما ولكن تناولي للمرأة هو بمثابة دعوة للمرأة للبحث عن ذاتها وترجمة قدراتها لتحتل مكانها الطبيعي في هذه الحياة.

  تقول النحاتة العالمية منى السعودي: النقد عبارة عن إضاءة للعمل الفني . إلى أي درجة تتفهمين النقد وهل يزعجك أم لا ..؟
 لقد تجاوزت مرحلة الإطراء، النقد البناء من خلال أدوات نقدية متعارف عليها يدفعني إلى الأمام، وهو حافز لتطوير إمكانياتي كنحاتة، أحب أن أسمع الملاحظات على عملي قبل المديح علماً بأني أؤمن تماماً بما أقدمه.

  تقول الآية الكريمة (لقد خلق الله الإنسان من صلصال كالفخار) يراودوني معرفة أيهما أسهل وأحب إلى روحك العمل مع الصلصال أم مع الفخار أم نقش على حجر أو حتى الخشب ..؟
 كل عمل نحتي يحتاج إلى حلول تشكيلية تتناسب مع فكرته ومادته أو بين شكله ومضمونه، ولأن الفنان يعيش حالات متباينة وعجيبة من الأحاسيس لابد للتعبير له التعبير عنها بصيغ ومواد تعبيرية مختلفة.

فقد جربت وعملت بخامات مختلفة إلا أنني تعاملت مع الخشب منذ البداية ووجدت فيها ما يلبي طاقتي التعبيرية، إلا أن نحتي بالصلصال لابد منه لأنه مادة التشكيل النحتي الأكثر طواعية ووسيلة للوصول إلى تقنيات النحت الأخرى(الجبس- البرونز- البوليستر- الحجر الصناعي .

  ما الأعمال التي قدمتها جيهان عبدالرحمن في معرض تأبين عازف الناي المرحوم «عبد الرحمن دريعي» في مدينة حلب 2001 وكيف كان صدى أعمالك في أذواق الحضور...؟
 كان العمل(رولييفا خشبياً) تجسيدا للحالة التكاملية بين الرجل والمرأة، ربما لم يكن مناسبا للمناسبة، لكنه ومن المؤكد قريب من روح الفنان عبد الرحمن دريعي وأؤكد لو كان حاضرا لأعجب بما قدمته.

 ما الذي دفعك لان تنجزي «بورتريه» لرموز كوردية بارزة كالشاعر الكبير جكرخوين ،والسياسي الكوردي الدكتور نور الدين زازا .. وسواهم ..؟
 هي شخصيات تستحق أن تخلد بطريقة أو بأخرى لأن ما قدمته اكبر من أن يجسد في بورتريه أو نص أدبي، ثم أن إيماني بجدوى عطائهم وفكرهم دفعني من موقعي كنحاتة أن أنجز لهم بورتريه نصفي وهذا أقل ما يمكن أن أقدمه لمثل تلك الشخصيات.

  لاحظت بان اغلب أعمالك تقتصر على الأحجام الصغيرة والأعمال النصفية (بورتريه ) لماذا لم نرى لك أعمالا كبيرة الحجم مثلا ..؟
 الأعمال الصغيرة في الحجم لا تقل أهمية عن الأعمال النصبية الكبيرة، وإن كانت المعالجة هناك تختلف، بحيث أننا نعتمد تبسيطاً أشد وتجريدا أكثر والغاية من منحوتاتي هي البحث عن الحقيقة الغائب، وهذا برأيي أهم.

على الرغم من رغبتي الشديدة في إنجاز أعمال بانورامية ضخمة في بلدي وفي بلدان العالم، لكن ظروف العمل لدي من (مكان وتحديات أخرى) قد تؤخرني قليلا ولكن لن توقفني، وأريد أن أضيف أنني شاركت بملتقى النحت على الحجر(الرخام) في مدينة جبلة في مهرجان العاديات صيف 2009 وأنجزت عملا بطول2,5م وهو الآن في إحدى ساحات اللاذقية.

  صدفة عابرة ... لفت نظرك كتلة صخرية «عشوائية» في ذات اللحظة هل تظنين بان الحجر هو الذي سيخاطبك وسيجلي لك عن تجاعيده التي رسمها الزمن وقد يكون في أحضانه ملامح شخصية مسبقة داخل تلافيف دماغك، أم جيهان عبد الرحمن هي التي ستخاطب تلك الكتلة الصخرية وتقرر شخصيتها المتخيلة؟
 عندما أبدأ بإنجاز عمل ما، لا أضع خططا مسبقة ولاصياغات محددة، أحاول خلق شكلاً جمالياً في الفراغ، سواء أكان هذا الشكل واقعياً أو مجرداً، وتأتي الخطوة التالية بالتعرف على شخصية العمل وهو في مرحلة الولادة، بحيث أجعله يخرج شيئا فشيئا وبهدوء من الكتلة،أتابعه بكل مراحله حتى ينتهي.

أستخدم مجموعة أدوات باختلافها في إنجاز هذا العمل أو ذاك لأحقق فيه التوازن المطلوب ما بين الشكل والمضمون، دون الأخذ بعين الاعتبار أي صياغة أو أي أسلوب اتبعت.

 كلمتك الأخيرة أستاذة جيهان عبدالرحمن سعيد؟
 إن كل عمل يقدمه المبدع باعتقادي إنما هو لخير البشرية ودفعها خطوة إلى الأمام، لذا أتمنى أن يُفهم الإبداع على هذا الشكل، ثم أنني أشكرك جزيل الشكر على إتاحة الفرصة لي للتحدث إلى المتلقي عبر النت من خلال هذه الكلمات البسيطة والمتواضعة لخلق حالة تواصل ، كلنا نحتاج إلى بعضنا.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى