الأحد ٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم محمد بلمو

أنا وسيارتي والشهيدة سليمة

ونصاب الطريق ومدونة السير

كانت في طريقها إلى المدرسة صباح ذلك اليوم رفقة تلميذتين زميلتين، تصعدن طريقا منحدرا في الحي الصناعي بالرباط، عندما تجاوزتهن شاحنة محملة فوق طاقتها بقطع خشب كبيرة. فجأة انقلبت الشاحنة وانهار ركام الخشب على سليمة وصديقتيها في لمحة برق. في المستشفى قرر الأطباء قطع رجل سليمة اليسرى، لإنقاذ حياتها التي لم تستمر إلا لساعات قليلة، قبل أن تلفظ أنفاسها وتسلم روحها، أمام دهشة والدها محمد مساعد وأسرتها وكل سكان الحي الصناعي. هكذا، بطريقة جنونية لا ذنب لها فيها، سيتحول اتجاه الشهيدة سليمة ذلك اليوم من المدرسة إلى المقبرة، هي التي كانت دائما تجتهد وتكد في دراستها وتحصل على النقط الأولى بين زملائها.

خيم هول الفاجعة بسرعة في بيوت ومدارس الحي الصناعي، وانتقل إلى ردهات وزارة الثقافة التي يعمل بها والدها المكلوم. شعور كاسح بالأسى والأسف ودموع تتجول بين الجموع خلال جنازة جد مؤثرة، لم يحل فيها الإيمان بالقضاء والقدر دون توجيه أصابع الاتهام لحوادث السير ومرتكبيها في حصول مثل هذه المآسي. قلت لصديقي وأنا أحاول بالكاد منع دموعي: إن المتسبب في هذه المأساة يستحق أكثر مما جاء في المدونة الجديدة، لأن أي عقاب مهما كان قاسيا فإنه لن يعيد التلميذة النجيبة سليمة إلى أهلها ومدرستها.

في ذلك المساء، والكل مهووس بقرب تطبيق مدونة السير الجديدة، ذهبت عند الحبيب بائع الخضر والفواكه لأقتني حاجيات المطبخ. وجدته واجما، استفسرته عن السبب، فقال لي أنه كان شاهد عيان لواقعة غريبة. كانت سيارة واقفة يهم صاحبها بالانطلاق، حين وقف بجانبه شخص طلب منه نقودا. السائق لم تعجبه الطريقة المستفزة التي تعامل معه بها ذلك الشخص فرفض منحه التدويرة. لم يتأخر الشخص في ردة فعله، حيث ارتمى أمام السيارة التي لم تتحرك من مكانها، وبسرعة فائقة تحرك شخصان آخران كانا يتابعان الحدث من رصيف المقهى المقابل، وتوجها نحو السائق يتهمانه بضرب راجل بسيارته ويطلبان من الشخص المرتمي أمام السيارة أن يموت "موت حمار". تجمهر عدد من الناس حول السيارة والسائق المسكين لا يعرف من أين نزل عليه هذا الباطل. مرت دورية شرطة فأثارها ذلك التجمهر. رجال الشرطة سمعوا إفادة الراجل والسائق وشهادة الشخصين الغريبين. وبقدرة قادر تحول السائق من ضحية إلى متهم وتحول نصاب الطريق إلى ضحية.

قلت لبائع الخضر متأسفا: صحيح أن بلادنا في حاجة إلى مدونة السير الجديدة، لوقف عشرات المآسي وآلاف الخسائر التي تصيب البلاد والعباد جراء حوادث السير، لكن هذه المدونة جعلت من السائق جلادا بشكل مسبق وجعلت الراجلين وراكبي الدراجات على أنواعها ضحايا في كل الأحوال. وعندما نستحضر وجود نصابين خاصين بالطرق في عدد من شوارع مدننا المغربية، يرتمون أمام السيارات ويدعون تعرضهم للإصابة لحصول على تعويضات، دون أن ينتبه أصحاب المدونة الجديدة إلى مثل هذه الحالات، فإن ذلك سينعش هذا النوع من النصب ويدفع الكثير من الناس إلى امتهان هذا الأسلوب ما دامت المدونة الجديدة تحميهم وتحمل المسؤولية للسائقين في كل الأحوال.

كان يومي ثقيلا، فذهبت عند ابن عمومتي بمدينة سلا القديمة لأتناول كأس شاي تقليدي. عندما مد لي عبد الكريم كأس الشاي سألني وهو يعتذر عن فضوله، كيف سأتعامل مع المدونة الجديدة. وتابع يشرح: عندما يقترف سائق موظف مخالفة تستوجب حبسه وهو في طريقه إلى العمل، سيحرم من وظيفته، وهكذا سيفقد مئات الموظفين وظائفهم بهذه الطريقة وتتشرد أسرهم، لذلك أنصحك - يضيف عبد الكريم- أن تبيع سيارتك وتركب مثل الناس في الطاكسي. ثم ابتسم وأضاف، أو يمكنك أن تستبدل البارتنير بحمار جميل يشبه "فريكس"*، حيث لن تكون مهددا بغرامات وعقوبات المدونة، وإذا ارتكب سائق مخالفة في حقك عليه أن يشتري لك حمارا آخر.

أجبته وقد انتزع مني ضحكة صغيرة: هذا الخيار مطروح لأن طرقنا تشبه حقول الألغام، وبفعل ونصابي الطريق والمدونة ستتحول السياقة إلى جحيم.

* "فريكس" هو نجم سباقات أجمل حمار في مهرجان بني عمار

ونصاب الطريق ومدونة السير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى