الاثنين ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم سحر حسن أبو ليل

فن الحذف

كنت أعتقد دوما أن فن الحذف مقتصرٌ على الادب وحسب.. على تلك الجملة التي قد لا تضيف شيئا لجسد القصيدة،على تلك الاستعارة التي قد تضعف صدر المعنى بدل ان تقويه، لكنني اليوم وبعد أن توصلت الى ان الادب هو نهج حياة.. روح قتالية ودفاع شريف عن المبادئ والخطوط العريضة لحياتنا وأجسادنا وان الكاتب مهما كانت مكانته في الوسط الادبي والحياتي والاجتماعي، صغيراً كان ام كبيراً فانه سيظل دوماً اسير كلماته وقناعاته الخاصة حتى لو حاول تغير ذاته وضربوه بالمطرقة على رأسه كل يوم!

بتُّ على قناعةٍ اليوم أن فن الحذف ليس ضروريا في الأدب فقط وانما في حياتنا اليومية ايضا فحذف الاشخاص من قائمة ايامنا وقلوبنا ليس بالامر السهل لكنه ضروري بل وحتمي جدا رغم كل الالم الذي قد يرافق دورتنا الشعورية والحياتية...

فلماذا يجب ان نحتوي الاخر الذي يحبطنا ان لم يكن يفهمنا او يحترمنا لاننا مختلفين لا غير، لماذا يجب ان نكون ضحية لجلادٍ نسميه قريباً او حبيبا او حتى صديقا حتى؟

الحذف حتمي من قائمة النبض والعقل والأيام ايضا وليس غرورا انما حاجة مهمة لا غنى عنها، فاحذف من يحتقرك لانك لا تشبهه في الايديولوجيا او نهج الحياة او المبادئ... واحذف من لا يضيف لك شيئا على خريطتك الفكرية والثقافية وكأن وجوده مجرد ظل او صورة او جدار وهمي قد يحميك ، واحذف من يرتل لك كل يوم اوامر عليك ان تنفذها رغما عنك.. واحذف من يؤلمك ويفرغ رصاص تعقيداته وافكاره المسبقة على باب فؤادك.. واحذف من لا يأبه لآلامك وآمالك فأنت ببساطة قد تكون مجرد عادة روتينية مقيتة له او منظرا يتباهى به او رهانا قد راهن به عليك امام اصدقائه وفاز بطرقه الملتوية وخدعه الكثيرة او مجرد صيدٍ لنيةٍ مؤجلة في نفس يعقوب... واحذف من حياتك كل من لا يريد ان يسمعك..أجل.. خاصةً من لا يريد ان يسمع ما تقول او تكتب فهذا بحد ذاته قمة الاحتقار والسخف والاستهتار لا وبل مؤشر قوي على انك لا تعني له شيئاً فكل ما تفكر به ضربٌ من الحماقة لديه والنتيجة انك بمحصلة حياته تساوي صفراً..

احذف كل من لا يحس بينه وبين نفسه اولاً ان علاقته بك هو مدعاة للفخر والأمل والنجاح...

احذف واحذف واحذف وابقي المشاعر سيوفا في غمدها والا قتلتك او كلفتك اعصابك وايامك وحياتك...!

فن الحذف ليس مقتصراً على الأدب وعلاقتك بالآخر وإنما على كل العادات السيئة التي تجعل منك عبدا مسيرا لها... كالسيجارة المقيتة... كالأغنية التي تصر ان تسمعها دوما لمجرد انها جميلة وتذكرك بذكرى ما ماضية فالاغنية التي لم تسمعها بعد ستظل دوما ابهى حلة من الأغنية التي سمعتها تماما كالقبلة التي تحدث عنها نزار...وأنتِ ايضا احذفي من دولابك كل الفساتين التي اعتقدت يوما انها جلبت لك الحظ فلا شيء في حياتنا اسمه حظ او صدفة.. كل شيء لسبب وكل شيء لم يخلق عبثا... ولا تصري على ارتداء الأسود ظنا انه سيخفي كل الكيلوغرامات الزائدة فبهذا توهمين نفسك يا عزيزتي.. ان لم تكوني مقتنعة بشكلك وجسمك الجميل فهنا تكمن المشكلة الكبرى لا في شكل الفستان ولا في لونه ولا حتى ان كانت خطوطه عمودية ام أفقية !

احذف من قائمتك الشهرية كل الايام المتكررة التي اجتررتها بحكم العمل والعائلة والضرورة.. احذفها فاليوم الذي تعيشه كاليوم الذي كان البارحة وسيكون غدا هو ليس داخلا في حساب عمرك وحياتك التي لا تقبل ابدا ان تكون فقيرة المشاعر عديمة التجدد.. احذف من مطبخك نوع القهوة الذي تشربه دائما وجرب كل انواع القهوة..العربية.. التركية.. البرازيلية فلكل منها نكهتها ولذتها، ولكل منها إضافة كافائينية، ومزاجية مختلفة، احذف من قائمة طعامك تلك الاكلة التي تأكلها دوما فقط كي توهم نفسك انها المفضلة وانها اللذيذة بين كل الاكلات خاصة ذاك الاكل السريع الممل المقيت،وجرب تناول نوع واحد من الخضار على الاقل كل يوم، وهكذا ستحافظ على صحتك وستعرف عندها ان للحذف دور ضروري في حياتك حتى الصحية منها.. احذف...............احذف واحذف واحذف..

احذف دموعك من مرآة عينيك وجرب ان تستبدلها بابتسامة ساخرة حفاظاً على مكانتك وإلا استغل الآخر شفافيتك ولحظة ضعفك.. وافتح دفتر مذكراتك كل ليلة واكتب كل ما يؤلمك وعند شروق شمس فجر اليوم التالي مزق تلك الصفحة وابدأ يومك الجديد كأنه الاول في حياتك.. لأنك ان لم تفعل كل ما ذكر اعلاه ستظل أسير حزنك الماضي ويأسك القادم!

احذف واحذف لكن عندما تحب فلتحب امرأة واحدة تغنيك عن كل النساء –فكل نساء الأرض لا يساوين شيئا امام ابتسامة واحدة من المرأة التي تحبها...!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى