الثلاثاء ١٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم سوسن باقري

الرواية العربية الحديثة؛ نشأتها وتطورها

 مستخرج من رسالة ماجستير بإشراف الدکتور سيد إبراهيم آرمن أستاذ مساعد بجامعة آزاد
الإسلامية في کرج.

  • الملخص: إنّ هذا المقال یحمل عنوان «الرواية العربية الحديثة نشأتها وتطورها» يحاول أن يتعرف المراحل المتعددة التي مرت بها الرواية العربية الحديثة حتی وصلت إلی الواقعية أولی الإتجاهات الروائية المعاصرة في الأدب العربية.و يتناول ثلاثة المباحث، المبحث الأول: الرواية : نشأتها وتطورها في البلاد العربية و المبحث الثاني يتحدث فيه عن أنواع القصة في الأدب العربي و يشتمل المبحث الثالث عناصرالرواية.
  • الباحثة: سوسن باقري طالبة بجامعة آزاد الإسلامية في کرج في فرع اللغة العربية وآدابها
    الكلمات الدليلية : الرواية، نشأة الرواية، القصة، القصة الفنية،عناصر الرواية

التمهيد

الرواية تشکيل للحياة ويعتمد هذا التشکيل علی حدث الناس فی خلال شخصيات متفاعلة مع الأحداث والوسط الذی تدور فيه هذه الأحداث وتصل فی النهاية إلی نتيجة اجتماعيّة أو سياسيّة أو فلسفيّة و ...
حاجة الإنسان إلی رواية الأحداث التي تقع له ودفع الآخرين إلی مشاركتها وانتقال تجاربه وأحاسيسه بالآخرين تعد من الحاجات الفطرية للإنسان وهو ينتقل هذه الحاجة إلی عالم الخارج بطرق مختلفة، وكان أكملها رواية الأحداث عن طريق اللغة.رواية الأحداث في بداية الأمر ظهرت بألاشکال القصيصة المحددة فی الأحداث والشمول والتصوير وفي الموضوعات الخياليّة والوهميّة ثم برزت بشکل القصة الطويلة بصفة غيرالمحددة فی الشمول والأحداث وکانت موضوعاتها غيرالواقعية علی أساس أمور الغيبيّة والوهميّة لإرضاء قرائها ثم تميل إلی الحديث عن الوقايع الحياة للعلاج الواقع الإنساني والنفسي والاجتماعي.

إنّ رواية العربية المعاصرة متاثرة عن الروايات الغربية بنحو الکبير فی الحقيقة تاثر الأدباء العرب بعد إتصالهم بأوروبا عن القصص الغربي وکان رائدهم هو، «رفاعة الطهطاوي» الذی صدر روايته باسم «تلخيص الإبريز» وبعده فرح أنطون و«المويلحي» و«حافظ إبراهيم» و... الذين کانوا الأولين فی کتابة هذا الفن.
والجيل الثاني الذين ظهروا فی مجال کتابة الرواية فی البلاد العربية خاصة فی مصر، عبارة عن «طه حسين» و «جرجی زيدان» و«محمود تيمور» و«توفيق الحکيم» و«محمد حسين هيکل» و«نجيب محفوظ»... وبعدهم عبدالرّحمن الشّرقاوي وصالح مرسي و...من الجيل الثالث ومن کبار الروائيين المعاصرين فی العالم العربي الذين قد سعوا في تطور الرواية العربية حتی وصلت إلی قمتها في العصر المعاصر.

المبحث الأول:

الرواية : نشأتها وتطورها في البلاد العربية

تمهيد: الأدب
استعمل العرب لفظ الأدب للدلالة علی معان مختلفة «فقد دلّت في عهد الجاهليّة علی الدّعاء إلی المأدبة، کما دلّت في الجاهلية والإسلام علی الخلق النبل الکريم ... ثم أطلقت علی تهذيب النفس وفي القرن التاسع وما بعده استعملت للدلالة علی جملة العلوم والفنون ... ولمّا کان القرن الثاني عشر استعملت في الشعر والنثر...» [1]

الجاهلية:

«ذهب العلماء والمؤرخون مذاهب مختلفة في سبب إطلاق القران اسم «الجاهليّة» علی أحوال العرب قبل الإسلام، فقد قيل أنّها سميت کذلک لتفشّي الوثينة والجهل في العرب وقد قيل به لانتشار العداوت وسفک الدم.» [2]ولكن ارتباط العرب بالقبائل المختلفة بسبب التجارة والحروب وتعامله باليهوديّة والنصرانيّة ومعرفة تعاليم التوراة والمصطلحات الدينيّة- کما جاء في کتب التاريخ والأدب- ينفي اتهام الجهل بمعني عدم الفهم.ولم يبق من الأدب في العصر الجاهلي شيئاً کثيراً، «ضاع أکثر الشعر والنثر الجاهليين حتی قال أبوعمروبن العلاء (770م) ما انتهی إليکم مما قالته العرب إلا أقلّه ولوجاءکم وافراً لجاءکم علم وشعر کثير.» [3]

النثر وبدايته في الأدب العربي

«قد ذهب مؤرخو الأدب في تحديد تاريخ ظهور النثر الفني ... وقال بعضهم إنّه ظهر قبل القرآن بقليل وصاحب ظهور القرآن ثم نما وازدهر أن اُقرّه عبد الحميد الکاتب وابن المقفّع وقال البعض الآخر إنّ النثر الفنّي لم يعرف عند العرب إلا مع عبد الحميد وابن المقفّع ...» [4]ينقسم النثر إلی نوعين، النثر الإيجازي والنثر التفصيلي وينقسم النثر الإيجازي إلی أنواع.

أ- الخطابة

«هذا اللون من ألوان النثر، فقد کان من أهم وسائل تنمية الوعي وإنضاجه، کما کان من أهم وسائل التعبير عن الدعوات الإصلاحيّة والسياسة والاجتماع.» [5]

ب- التوقيعات

«التوقيعات عبارات موجزة کان يکتبها الخليفه أو الموالي أوعمالّها في أسفل الشکاوى والمظالم، أوالمطالب والحاجات ... وکانت هذه التوقيعات عناية في البلاغة والإيجاز.» [6]

ج- الرسائل

«أخذت الکتابة تنتشر شيئاً فشياً بعد ظهور الإسلام، لامتداد سلطان العرب وحاجة الخلفاء والولاة ورؤساء الأحزاب إلی الاتصال يهتمهم أمرهم، فإنّ أکثر مصالح الدولة واختلاف الآراء في هذه المصالح وظهور التنافس بين الأحزاب دعت إلی الاهتمام بالکتابة ... وتعدّدت الرسائل الدينيّة والسياسيّة.» [7]

النثر التفصيلي في عهد الراشدي حتّی عهد العباسي

«حينما امتزج سلطان العرب بغيرهم من الشعوب المختلفة، تحوّل وتوّسع النثر الإيجازي وتبّدل بالنثر التفصيلي وتعدّدت فنون الکتابة کالمقالات والمناظرات والقصص والحكايات...» [8]

القصة وانواعها في الأدب الجاهلي

القصة لغة واصطلاحا:

«قص أثره: يقصه قصا وقصيصاً ... کما جاء في اللسان والصحاح وفي التهذيب: القص اتباع الأثر ويقال خرج فلان في إثر فلان وقصا وذلک إذا اقتص إثره...» [9]
القصة هي «الفن الذي نعرفه اليوم بهذا الاسم بين الأجناس الأدبية قد أطلقها العرب علی عدّة الأشياء وأطلقوا أسماء هذه الأشياء عليها وهي الحديث والخبر والسمر والخرافة ...» [10] و«تضمنت قصص الجاهليّة قصصاً فنية وأسطوريّة وواقعيّة، تصور معارک العرب وحروبهم وأساطيرهم وتروي أخبارهم وسير ملوکهم وتنتقل عن الأمم المجاورة لهم وعن الشعوب التي اتصلوا بها ... وامتزج کل هذا بالقصص العربية ...» [11]

أ- أيام العرب

«هي تدور حول الوقائع الحربيّة التي وقعت في الجاهليّة بين القبائل، کيوم داحس والغبراء ويوم الفجار والکلاب وبين العرب والأمم الأخری کيوم ذي قار ... وکانت هذه القصص موضوع العرب في سمرهم في جاهليّتهم وفي إسلامهم.» [12]

ب- أحاديث الهوى

«وهناک نوع من قصص العرب أخذوه من الأمم الأخری وصاغوه في قالب يتفق ذوقهم....». [13].ثم «نما الفن القصصي العربي مع الفتح الإسلامي وتقدم مع اتصال العرب بالشعوب الأخری وتحركهم عبر البحار والمحيطات والقارات، وامتزج الثقافة العربية بالثقافات الأجنبيّة والمعارف الواقعيّة والعلميّة التي اکتسبها العرب في رحلاتهم التجارية والحربية والثقافيّة والدينيّة.» [14]
القصة الفنية في الأدب العربي قبل العصر الحديث
«لم يکن القصة قبل العصر الحديث شأن يذکر، بل کان لها مفهوم خاص، لم ينهض بها، ولم يجعلها ذات رسالة اجتماعيّة وإنسانيّة ولابد أنّه کانت للعرب حکايات يتلهون بها ويسمرون ولو عددنا مثل هذه الحکايات قصصاً، لکانت القصة أقدم صورة للأدب في العالم، لأنّ کل الشعوب الفطريّة تسمرعلی هذا النحو البدايي، ولکن مثل هذه القصص إذا کانت لها دلالة شعبيّة، فليست لها قيمة فنيّة حتّی تعد جنساً أدبياً...» [15]

و إنّ «عيون الأدب العربي التي نمت بصلة للقصة في فنها وغرضها هي قسمان : مترجم الدخيل وعربي الأصيل ونذكر من النوع الأول، "كليلة ودمنة"، ثم "ألف ليلة وليلة" ومن النوع الثاني نعرف "المقامات" و"رسالة الغفران" و"حي بن يقظان."» [16]

النوع الأول: کليلة ودمنة

«هوکتاب وضع علی ألسنة البهائم والطير حوی تعاليم أخلاقية، موجّهة أولاً إلی الحکام ... لقد اختلف المؤرخون في أصل کتاب کليلة ودمنة، فذهب بعضهم إلی أنّ ابن المقفّع وضعه ... وقيل إنّه لم يضعه، وإنمّا کان بالفارسية فنقله إلی العربية ...» [17]

ب- ألف ليلة وليلة

إنّ «قصص، "ألف ليلة وليلة" مدوّنة في عصور مختلفة، ومن المقطوع به إنّ الکتاب معروف بين المسلمين قبل منتصف القرن العاشر الميلادي، وفي الکتاب قصص شعبيّة متأثرة بآداب شتّی علی أنّه يحتمل أن يکون في بعض قصص، ألف ليلة وليلة، تأثير يوناني. [18]

النوع الثاني

أ- المقامة

«المقامة في معناها الأصلي، "المجلس" ثم أطلقت علی ما يحکي في المجلس، وهي قصة قصيرة تشتمل علی مغامرات تروى في شبه حوار درامي، يقوم بحکايتها راوعن بطل شجاع مقدام، يقتحم الأخطار وقد يکون ناقداً اجتماعيّاً أو سياسيّاً أو فقيهاً في اللغة والدين... و"بديع الزمان الهمذاني" المتوفي عام 318 هـ، أول من ابتکر هذا النوع من المقامات ... وبعد بديع الزمان جاء "الحريري" في القرن السادس الهجري.» [19]

ب- رسالة الغفران

«التي ألّفها، "أبولعلاء المعري" المتوفی عام (441 هـ، 1059 م)، فهي رحلة تخيلها أبوالعلاء في الجنة، وفي الموقف وفي النار، ليحلّ في عالم خياله مسائل ومشکلات ضاق بها في عالم واقعه، من العقاب والثواب والغفران أوعدم الغفران، مع کثير من المسائل الأدبيّة واللغويّة التي يوردها مورد الساخر تارةً والناقد اللغوي المتبحر تارةً أخری.» [20]

ج- قصة حي بن يقظان

«قصة "حي بن يقظان" لابن طفيل (110 هـ، 1886 م) وموجز القصة أنّ في جزيرة مهجورة من جزر الهند دون خط الأستواء نشأ طفل لا يعرف أباً ولا أماً، يسمی حي بن يقظان، فربّته غزالة حسبته ولدها المفقودة ... وفي قصة حي بن يقظان جوانب نضج قصصي في الشرح والتبرير والإقناع ...وعدها كثير من النقاد خير قصة في العصور الوسطی.» [21]

نشأة القصة قبل العصر الحديث

إنّ التغيير في الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والأدبيّة لأي بلد ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأوضاع السياسيّة الحاکمة علی هذا البلد، تارةً ينتهي إلی الخضوع أمام السياسة المسيطرة، وتارةً ينتهي إلی الخلاف مع السياسة الحاکمة وبالتأکيد يتأثر هذه الاتجاهات علی النظام الاجتماعي والأدبي ... ولذلک نبحث حول نشأة القصة قبل عصر الحديث ومدى تأثرها عن الأوضاع السياسة الحاکمة.

«کانت القرون الثلاثة التي سيطر الحکم الترکي علی مصر، قد عملت عملها في إغماض العيون، وتکبيل العقول وعقل الإرادات، وعقد الألسنة ... تعطلت الحرکة الأدبية بل تحجرت وانحرفت اللغة العربية، بل فسدت... وأغلب النتائج الأدبية لتلک الفترة تدور حول المدائح النبويّة والأمور الإخوانيّة ... علی أنّ روح المصريّة ... کانت تلوح في بعض نماذج الفصحی... التي کان منها الديني کسيرة "السيد البدوي" ... أوقصة، "سيدنا علي ورأس الغول"...ومنها التاريخي البطولي مثل "أبي زيد الهلالي"...» [22]

«قد تأثر فن القصة بالأدب الغربي في العصر الحديث في أطوار متعاقبة مع تأثره عن الأدب القديم وبخاصة المقامة والخرافات والقصص علی لسان الحيوان وأوضح مثل للتأثر بفن المقامة هو "حديث عيسی بن هشام"، "لمحمّد المويلحي" وفيه امتزاج تأثير فن "المقامة" بالتأثير الغربي ... وفي قصة "لادسياس" لشوقي، تظهر عنايته بالتعبير ثم اعتماده في تطور الأحداث...» [23]

و«في الطور الثاني من ميلاد الأدب القصصي في عصرنا الحديث أخذنا- في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين- تتخلّص قليلاً قليلاً علی الاعتماد علی التراث العربي القديم وبدأ الوعي الفني ينمي جنس القصة من موردها الناضج في الآداب الأخری، وقد بدأ هذا الطور بدءاً طبيعياً بتعريب موضوعات القصص الغربية وتكييفها لتطابق الميول الشعبيّة أو لتساير وعي جمهور المثقفين...» [24]
«ثم نضج الوعي الأدبي، ونهض الجمهور ثقافياً، فتطلب الترجمة الصحيحة وقد قام بها کثير ممّن أسدوا إلی الأدب واللغة خدمة عظيمةً ونذکر من هؤلاء الدکتور "طه حسين"، والدکتور"عبد الرّحمن البدوي" والأستاذ "عبد الرّحمن صدقي" ...» [25]

ميلاد القصة القصيرة

«وإذا کانت قصص المنفلوطي، التي احتواها کتاب «العبرات» تمثل الريادة الأولی غير الناضجة لفن القصة القصيرة، فانّ قصص محمّد تيمور، التي ضمتها مجموعة، "ما تراه العيون"، تمثل الريادة الناضجة والأدنی إلی الكمال في هذا الفن . فهي خطوة تالية لخطوة المنفلوطي... وأولی قصص محمّد تيمور هي قصة، "في القطار" التي نشرها سنة 1917م والتي تمثل ميلاد القصة القصيرة الفنيّة في الأدب المصري الحديث.» [26]

وبعد هذا وصلت القصص إلى استقرار و«كان من مظاهر هذا الاستقرار، نمو القصة القصيرة ونضجها وملامحها حتی صارت كائناً قوياً... وكان ذلك بفضل جيل من الرواد الذين اهتموا بالقصة القصيرة... من أمثال، "عيسی عبيد"، "محمود تيمور"، "محمود طاهر لاشين"، كما أسهم في هذا الفضل بعض الكتاب المرموقين ممن كان لهم نشاط كبير في ميادين عديدة مثل "إبراهيم المازني"، "توفيق الحكيم"، كما أسهم في هذا الفن بعض شباب الأدب في ذلك الحين، ممن سيكون لهم شأن كبير في ميادين عديدة من ميادين الأدب مثل "نجيب محفوظ"...» [27]

وأخيراً «بدأت القصة العربيّة تتأثر بالاتجاهات الفلسفيّة والواقعيّة في معالجة الحقائق الكبری أو المشكلات الاجتماعيّة نقتصر هنا علی التمثيل بقصة، «أنا الشعب»، لمحمّد فريد أبي حديد وقصة الأُستاذ توفيق الحكيم، "عودة الروح" وقصة، "الأرض" لأُستاذ "عبد الرّحمن الشّرقاوي" ... وكذا قصص الأُستاذ "نجيب محفوظ"...» [28]

الفارق الأساسي بين القصة القديمة والحديثة

والفارق الأساسي بين القصة القديمة والحديثة يرجع إلی الأفكار الحاكمة في حياة «القصة القديمة تدور في إطار عالم مثالي أو خرافي أو وهمي،‌ بعيد إلی حد كبير عن حقيقة الحياة التي يحياها أوسط الناس وأدناهم اجتماعياً، أما القصة الحديثة فقد أفسحت الجبال وفتحت الباب واسعاً - باب فنون القص- ليحتل مكان الصدارة فيها الإنسان العادي البسيط ...» [دراسة في نقد الرواية: ص 15]]

المبحث الثاني:

أنواع القصة في الأدب العربي

القصة

إنّ القصة عبارة عن «قوالب تعبير ليعتمد فيه الكاتب علی سرد أحداث معينة، تجري بين شخصية أو السامع إلی نقطة معينّة، تجري بين شخصية وأخری، أو شخصيات متعددة ، تتأزم فيها الأحداث وتسمی العقدة ويتطلع المرء معها إلی الحل حتی يأتي في النهاية.» [29]

أ- الحكاية [30]

الحكاية هي «سلسلة من الأحداث الجزئية مرتبة علی نسق خاص يجذب القارئ إليها فيتتبعها في شعف. وأبسط طريقه لعرض الأحداث وتسلسلها أن يحكيها الكاتب علی لسان بطل من أبطالها وتسمی هذه الطريقة ، «أسلوب ضمير المتكلم» [31] وأيضا جاء بأنهّا «هي التي تساق فيها واقعة من الوقائع الحقيقيّة أو الخياليّة_ الأسطوريّة أو الخرافيّة _ دون التزام بقواعد الفن القصصي وغالباً ما تتضمن «النوادر» و «الخرافات والأساطير» وتنتشر علی أفواه الناس.» [32]

ب- الأقصوصة [33]

«وهي تعالج جانباً واحداً من الحياة، لا عدة جوانب، فتقتصر علی سرد حادثة، ذات عناصر جزئية، تتدرج تحتها لتؤلف موضوعاً مستقلاً بشخصياته ومقوماته.» [34]

وهي «وسط بين الأقصوصة والرواية وتعالج جوانب أوسع مما تعالجه الأقصوصة وكاتب القصة أمامه مجال رحب وفرصة واسعة ليعدد مشاهدها، يطور أحداثها علی صورة قوية متكاملة.» [35]

الفرق الجوهري بين الأقصوصة والقصة

«إنّ طبيعة الأقصوصة هي التركيز، فهي تدور حول حادثة أوشخصية أوعاطفة مفردة أو مجموعة من العواطف...ولهذا فهي لا تزدحم بالأحداث والشخصيات والمواقف كالرواية والقصة...» [36]

د- الرواية [37]

«هي أكبر أنواع القصص من حيث طولها ولكن الطول ليس وحدها هو يميز الرواية عن القصة أو الأقصوصة، ‌فالرواية تمثل عنصراً وبيئةً، أي أنّ لها بعداً زميناً من المألوف أن يكون زمانها طويلاً ممتداً، بل ربمّا اتّسع البعد الزمني، فاستغرق عمر البطل أو أعمار أجيال متتابعة.» [38]

هـ- المسرح [39]

«المسرح من فنون القول وإن اشترك فيه مع الكلمة والحركة والتعبير بالصوت وملامح الوجه إلی جانب الإطار وهو البناء المسرحي والجدران الثلاثة بما يشمل من المناظر، ديكور، وستارة وإضاءة وما إلی ذلك.» [40]

القصة العربيّة شكلا:

 أ- المقالة القصصية وهذا ما نراه عند المنفلوطي في "النظرات".
 ب- المذاكرات اليوميّة: التي يعتمد الكاتب فيها علی تسجيل الأحداث التي تجري يوماً بعد يوم مثل "يوميات نائب في الأرياف"، لتوفيق الحكيم.
 ج- قالب المقامة: كما في "مقامات الحريري" و"الهمذاني " وحديث "عيسی بن هشام" للمويلحي.
 د- قالب الرسالة: كما في "ماجدولين" التي ترجمها المنفلوطي.
 هـ. القالب الشعري: هذا كثير في الشعر العربي ومنها قصص، "شوقي" وقصص، "خليل مطران".

القصة العربية مضمونا:

  • أ- القصة الاجتماعيّة: التي يعالج الكاتب فيها جانبا من جوانب المجتمع، ومثال ذلك:
    معظم قصص، "محمّد تيمور"، في مجموعتيه، "نبوت الخفير"، و"شباب وثمانيات".
  • ب- القصة التاريخيّة والبطوليّة: كقصص، "جرجي زيدان" ومنها، " أرمانوسة" و"فتاة غسان".
  • ج- القصة العاطفيّة: كقصة، "الأجنحة المنكسرة"، " لابن طفيل".
  • هـ- القصة الدينيّة: مثل، "قصص القرآن"، "لأحمد محمّد جاد المولي" و"رفاحة".
  • و- القصة الأسطوريّة والخرافيّة: كقصص الجن والآلهة والتي تدور علی ألسن الحيوان مثل، "كليلة و دمنة"، " لابن مقفع".
  • ز- القصة العلميّة: كقصة "الميكروب"، " لأحمد زكي". [41]

الرواية ونشأتها في الآداب الأوروبيّة

«الرواية تشكيل للحياة في بناء عضوي يتفق وروح الحياة ذاتها، ويعتمد هذا التشكيل علی الحدث الناس الذي يتشكل داخل إطار وجهة نظر الروائي وذلك من خلال شخصيات متفاعلة مع الأحداث والوسط الذي تدور فيه هذه الأحداث، علی نحو يجسد في النهاية صراعاً درامياً داخلية متفاعلة.» [42]

رواية الأحداث في البداية، ظهرت بالأشكال القصصية المحددة في الأحداث والشمول والتصوير والزمن وفي الموضوعات الخيالية والوهمية، ثم برزت بشكل القصص الطويلة بصفة غير محددة في الشمول والأحداث والقالب ... وكانت موضوعاتها علی أساس أمور الغيبيّة والوهميّة لإرضاء قرائها وتطابق بالشرائط المسيطرة علی المجتمع ثم تميل إلی الحديث عن وقائع الحياة العاديّة فصارت تعالج الواقع الإنساني والنفسي والاجتماعي.
كانت الرواية من الفنون الأدبية التي نشأت في الغرب مع نمو الطبقة الوسطی وقد أشار بهذا الموضوع أكثر الأدباء في كتبهم، وكان النظام الإقطاعي الذي يسيطر علی المجتمع الأوروبي قبل عصر النهضة يرسم الخطوط الأولية للفنون الأدبية آنذاك وإنّ هدف هؤلاء الإقطاعيين، ينحصر أولاً وقبل كل شيء في الاحتفاظ بأرضهم وتوريثها لأولادهم بعد وفاتهم، فقد كان لصالحهم تجميد الأوضاع الاجتماعية وتثبيتها وكان من الطبيعي أن لايهتموا بالتجربة العلميّة وانتشار التعليم [43]

وموضوع الأدب الذي يناسب بهذه الطبقة الوحيده المسيطرة علی الأوضاع الأدبيّة والمعنويّة «يرتكز علی الهروب من الواقع ويعتمد علی الإيهام والتخيل وتقوم العلاقات فيه علی المصادفة والسحر والقدر ويتضاءل فيه دور العمل الإنساني أمام الدور الذي يقوم به الجن والشياطين والسحرة ... وكانت الرومانس "Romance "أو الرواية الخياليّة هي الفن الروائي السائد والمسيطر الذي يعبر عن طبيعة المجتمع الإقطاعي ومزاجه وأقرب الفنون الرواية العربيّة التي تشبه هذا الفن في البناء الروائي هو السيرة الشعبيّة ...» [44]
وبعد ذلك و«في القرن السادس عشر والسابع عشر ظهر في الأدب "الإسباني" جنس جديد من القصص... وهذا الجنس الجديد من القصص هو ما نستطيع أن نسميه، قصص الشطار وهي قصص العادات والتقاليد للطبقات الدنيا في المجتمع Picaresca" "وفيها مخاطرات يقصها المؤلف علی لسانه كأنّها حديث له... وهو يحكم علی المجتمع من خلال نفسه حكماً تظهر فيه الإثراه والانطواء علی النفس...» [45]

«ثم تدهور المجتمع الإقطاعي بسبب تخلف الزراعة واستمرار الحروب لسنوات طويلة ساعد علی يقظة الأفراد في المجتمع الجديد وثورتهم علی الحياة المظلمة التي يعيشونها وأيضا ساعد علی ظهور عصابات من المنحطين أخذ وجودهم يلفت الأنظار ... وكانت إسبانيا بحكم اتصالها الوثيق بالعرب واطلاعها علی قصص نماذج بشرية تشبه هؤلاء المنحطين وأرباب الكودية من الأدباء، أدباء المقامات وهم يقومون بأنواع من الكودية وسبل النصب ... الخ في سبيل لقمة العيش- وهي البيئة التي احتضنت هذا الفن الجديد...» [46]
«وهذا الشكل الجديد يعد البذرة الأولی للرواية الفنية ... فانه يعد أول رد فعل مباشر ضد الرومانس وما نكاد نصل إلی القرن الثامن عشر حتّی نری الطبقة الوسطی وقد صارت صاحب النفوذ الأكبر في المجتمع ... وصاحب ظهور هذه الطبقة زيادة عدد جماهير القراء بصورة ملحوظة ... واشتد إقبال الجماهير علی الفن الروائي لاعتدال أسعاره وإن كان أغلب قراء الرواية من النساء ... فكان ظهور هذه الطبقة الجديدة ... يمثل انقلاباً في القوة التي يستمد منها الروائي التأئيد...» [47]
وأخيراً نصل إلی هذه النتيجة أن الرواية تخنلف عند الطبقة الإقطاعيّة الرومانسيّة عن الطبقة الوسطی الواقعيّة، لاختلاف تفكيرهم وحاجاتهم وأهدافهم في الحياة وفي عبر العصور ابتعدت الرواية عن حالتها الوهميّة والخرافيّة شيئاً فشيئاً حتی تصل إلی قمتها في العصر الحديث والمعاصر لتظهر بشكل الرواية الفنيّة بموضوعاتها المتنوعة.

تطور القصة في الآداب الأوروبيّة

معنی القصة في العصر الحديث عبارة عن «القصة الواقعيّة التي تعني بالتحليل النفسي للأشخاص.» [48]
وهذه القصة الحديثة، «أوسع ميادين الأدب العالمي وأخطرها وأعمقها أثراً في الوعي الإنساني والقومي ....»، [49] ولكن القصة في نشأتها الطويلة، «كانت تختلط فيها الحقائق الإنسانيّة بالأمور الغيبية، وكانت تجمع في الخيال فتبعد كثيراً عن الواقع الإنسانية وقضاياه، كما كان لا يفرق فيما بين ما هو ممكن وما هو مستحيل...» [50]
و«ظهرت بشائر القصة في الادب اليوناني في أشعار الرعاة وفي حكايات الرحالة عن الإسكندر الأكبر، ثم النثر القصصي آخر اجناس ذلك الأدب ظهوراً، ولكنّه ظل مع ذلك مختلطاً بالمعاني والمخاطرات الغيبيّة والسحر والأمور الخارقة ....» [51]
هكذا كان شأن القصص في الآداب الأوروبية منذ عصر النهضة، تعتمد علی الأساطير والجنيّات وخوارق العادات. ولكن بعد عصر النهضة ظهرت القصة الواقعيّة التي تعني بالتحليل النفسي.

الرواية ونشأتها في الأدب العربي

إنّ نشأة الرواية في الأدب العربي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في العالم العربي خاصة مصر، وبعد العصر العباسي وبداية الحكومة العثمانيّة وبعده في القرون الثلاثة التي سيطر عليها الحكم التركي علی مصر «أغلقت المدارس بل هدمت وانتهت ...وتعطلت الحركة الأدبية، بل تحجرت وانحرفت اللغة، بل فسدت ... ومن هنا أصبح الأدب في حالة من السقم تقارب الموت فكانت تمثله نماذج نثرية وشعرية، ليس وراءه أي صدق إحساس أو فنية تعبير ... وقد كان أغلب النتائج الأدبي لتلك الفترة تدور حول المدائح النبوية والأمور الإخوانية والمراثي الباردة والمواعظ المباشره...» [52]

فترة اليقظه في العصر الحديث

بعد هذا الركود جاءت فترة اليقظه، الفترة التي تبدأ «بتلك السنوات التي شهدت خروج البلاد من ظلمات العصر التركي، لتفتحّ عيونها علی نور الحضارة الحديثة ولتأخذ طريقها في موكب المدنية المتقدمة ... ومن الممكن تحديد تلك البداية بسنوات الحملة الفرنسية ومن سنة، (1798 إلی 1801م)، أي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر ...» [53]

يلخص نتيجة هذه الحملة أولاً: «تعرّف المصريين علی الحضارة المدنية الغربية علی حد ما، وثانياً: تكوين إحساس بالشعور القومي أمام المحتلين وبعد خروج الفرنسيين عن مصر، انتخب الشعب "محمّد علي" للحكم في مصر، قد استقدم محمّد علي أول الأمر الأساتذة الأجانب للتدريس في المدارس المختلفة ونظراً لعدم معرفة هؤلاء بلغة البلاد ومعرفة التلاميذ بلغتهم، فقد استعان بالمترجمين من السوريين والمغاربة وغير هم...» [54]

ثم «أرسل محمّد علي البعثات إلی أوروبا، ليقوم أبناؤها فيما بعد بمطالب الجيش، وللتدريس في تلك المدارس ... وقد تعددت البعثات وتنوعت... وهكذا كان أول لقاء عملي بين المصريين والثقافة الغربيّة في العصر الحديث ...فقد عاد هؤلاء المبعوثون بعلم جديد وعقليّة‌ جديدة إلی بلادهم ... وترجموا أو ألّفوا وخططوا بهذا ووضعوا أساس الثقافيّة الأدبيّة الحديثّة.» [55]
لقد كان النثر في هذه الفترة «يعبرعن موضوعات ساذجة ويتقوقع في الرسائل والمقامات ونحوها من الأنواع التقليديّة ...علی أنّ بعض النثر قد خطا خطوة أبعد من تلك الأغراض الساذجة ... وأصبح يحمل زاداً فكرياً حيناً وتجارب إنسانيةً حيناً آخر ... وكان باكورة ذلك كتاب «تلخيص الإبريز في تلخيص باريز» لرفاعة الطهطاوي ...تحدث فيه رفاعة عن رحلة إلی باريس ... والباحثين يعتبره البذور الأولی للرواية التعليميّة في الأدب الحديث.» [56]

«وكان طبيعياً أن يأخذ كتاب "رفاعة الطهطاوي"، "تلخيص الإبريز" شكل رحلة كان فيها أكثر تعليمية ومباشرة من كتب الرحالة العرب القدامي ...»، [57] .و«رغم أنّ الكتاب قد جاء مزيجاً من خصائص كتب الرحلات والكتب العلميّة... مع خلو تام من كل عنصر الروائي...» [58]
ثم «بعد الاتصال بأوروبا والتأثر بآدابها اتّّجه الأدباء، إلی القصص العربية وحاولوا أن يترجموها و«كان رفاعة الطهطاوي هو الرائد لهذه الحركة، فترجم "مغامرات تليماك"،"لفنلون" [59] وسماها مواقع الأفلاك في وقائع تليماك... فانّه نقل القصة إلی أسلوب السجع والبديع، المعروف في المقامات ...» [60] يقول رفاعة الطهطاوي في مقدمة تليماك: «إنّه مشتمل علی الحكايات النفايس في ممالك أوروبا وغيرها وعليه مدار التعليم في المكاتب والمدارس فإنّه دوّن كل كتاب مسخون بأركان الأدب ومشتمل علی ما به كسب بأخلاق النفوس الملكية وتدابير السياسات الملكية.» [61]
وتعد "وقائع تليماك" أول مظهرمن مظاهر النشاط الروائي في مصر في القرن التاسع عشر والهدف التعليمي واضح من مقدمته التي كتبها رفاعة علی الرواية المترجمة، وسماها ديباجة الكتاب ... وواضح أنّ رفاعة ترجم روايته لهدفين، الهدف الأول، تقديم نصائح للملوك والحكام والهدف الثاني، تقديم مواعظ لتحسين سلوك عامة الناس ...» [62]

ثم «قدّم فرح أنطون قصة في نفس الشكل كان مجالها المشاكل الاجتماعية واختار علي مبارك مجال الرحلة أيضاً لجهوده التعليمية في كتاب، "علم الدين" وكتابه أكثر جفافاً عن كتب الرحالة العرب القدامی وإن كان يتميز هو وفرح أنطون بأنّ رحلة كل منهما التعليميّة، ‌كانت رحلة متخيّلة ... وإن كان ذلك لا يميزها عن قصة "حي بن يقطان"، التي كانت أحداثها متخيّلة أيضاً.» [63]
و«لم يكن تعليم العلوم هو القصد الوحيد لعلي مبارك من كتابه ولكنه حاول المقارنة بين بعض العادات الشرقيّة والغربيّة ولذلك كان علي مبارك ينظر في كتابه إلی طلبة في المدارس المدنيّة الأخری إلی مشايخ الأزهر، الذين رفضوا محاولاته لإدخال العلوم الحديثة في الأزهر...ولذلك اختار في روايته شيخاً أزهرياً وسماه "علم الدين" ... وعلي مبارك يقدّم لنا بهذه الصورة المقارنة بين العادات الشرقيّة والأوروبيّة وهي المحاولة التي سنلتقي بها في صورة أكثر تطوراً في حديث "عيسی بن هشام"...» [64]

التيار التعليمي الخالص في بداية القرن العشرين

«اقترب المويلحي في "حديث عيسی بن هشام"، وحافظ إبراهيم في "ليالي سطيح"، من أشكال النشاط القصصي الذي اعترف به كبار مثقفي تراثنا وهوشكل المقامة.» [65]
«ومن عنوان كتاب المويلحي ومن إهدائه لكتابه، تظهر صلته بالتراث العربي القديم وبزعماء الإصلاح الديني والاجتماعي واللغوي الذين كانوا يهدفون في إصلاحهم إلی إحياء هذا التراث وهو لا يسمی كتابه قصة أو رواية وانمّا يسميه حديث عيسی بن هشام وهو يذكرنا في عنوانه بالمقامة من ناحيتين، الناحية الأولی تتمثل في طبيعة من حيث تصويرها ... وأما من حيث الإهداء، فقد أهدی كتابه لوالده رمز الصلة التي تربطه من ناحية، ولكونه شق له طريق التأثر بالمقامة في كتابه حديث موسی بن هشام الذي اعتمد علی أسلوب المقامة اعتماداً كبيراً...» [66]

ولكن، «مما يفرّق بين حديث عيسی بن هشام وبين المقامة من ناحية والرواية التعليميّة التي سبقته من ناحية أخری،‌ أنّه حاول إيجاد رابطة داخليّة بين فصول كتابه وهذه الرابطة وإن بدت ضعيفة باهثه...فانّها ظاهرة جديدة علی الرواية التعليمية... فالمقامات تعبر عن مجموعة من المواقف المنفصلة... فانّ مجال المقارنة بين المقامة وبين القصة القصيرة أوسع من مقارنتها بالرواية.» [67]
تيار ما بين التعليم والتّرفيه أو الرواية التاريخيّة
وبعد التيار التعليمي الخالص، نصل إلی تيار ما بين التعليم والتّرفيه، ويعتقد الأدباء بأنّ هذا التيار قد بدأ بيد المهاجرين الشوام، الذين كانوا بحكم ظروفهم أكثر إقبالا علی الثقافة الأوربيّة وآدابها وفي الوقت الذي كان المثقفون المصريون والمتمصرون مشغولين فيه بمحاولة تثقيف المصريين وتعليمهم، ثم بمحاولة الإصلاح الاجتماعي وبثّ التراث العربي القديم، كان المهاجرين الشوام مشغولين بنقل الأشكال الأدبيّة العربيّة إلينا.» [68]
وفي الحقيقة، «ظهر هذا الاتجاه الروائي التاريخي علی يد "جورجي زيدان"...قدم سلسلة من الروايات التاريخيّة التي تضم في ثنايا البناء القصصي أطراف التاريخ الإسلامي في المشرق والمغرب فقدم، "فتاة غسان" لعرض الأحداث التاريخيّة التي صاحبت الغزوات الإسلاميّة الأولی... وقدم "أرمانوسة المصريّة"، لعرض الأحداث التاريخيّة التي صاحبت فتح العرب لمصر وكتب "عذراء قريش" و"غادة كربلاء" و"الحجاج بن يوسف" للتاريخ للوقائع التي حدثت خلال الصراع السياسي و...» [69]

و«تحتوي كل رواية من روايات جورجي زيدان عنصريين أساسيين،‌ الأولی عنصر تاريخي يعتمد علی الحوادث والأشخاص التاريخية، والثاني عنصر خيالي يقوم علی علاقة غرامية بين محبين...» [70]
ومن جانب آخر «قد حاول، "فرح أنطون" تقليد جرجي زيدان في رواياته التي تجمع بين تعليم التاريخ والغرام، فكتب روايته "أورشليم الجديدة"، التي يتحدث فيها عن فتح العرب لبيت المقدس في عهد الخليفة عمر، وقد ضمنها عنصراً غرامياً ولكنه أضعف بكثير من العنصر الغرامي عند جرجي زيدان...» [71]

رواية التّسلية والتّرفيه

كانت الرواية التعليميّة، تخاطب المثقفين المصريين لأهداف التعليم وإصلاح المجتمع عن طريق النقد الاجتماعي التي متأثرة بالعلوم الغربيّة، في حين أنّ الرواية ما بين التعليم والتّرفيه تأخذ جانبا خاصا في نقل الرواية وهي عبارة عن الأحداث التاريخيّة بمشخصاته وترضي عدداً خاصاً من القراء ولكن رواية التّسلية والتّرفيه تخاطب الجماهير، لإرضاء ميولهم وأذواقهم لأنّ سياسة المحتلين منذ عصر إسماعيل «تتجه إلی مقاومة التعليم عموماً والتعليم العالي بصفة خاصة، وذلك لخلق نموذج من القراء لا يتمتع باستقلال الشخصيّة ولا القدرة علی التفكير الحر المستقل ... وقد ساعدت هذه السياسة علی إيجاد طائفة كبيرة من المصريين، يستطيعون القراءة والكتابة ولكنّهم لا يتمتعون بقدر مناسب من الوعي يدفعهم إلی التنبه للمشاكل الحقيقيّة ... ووظيفة القراء عند هذه الفئة مقتصرة علی تحقيق حاجتها إلی التسلية وإلی نسيان هموم وآلامه.» [72]

«وقد ساد تيار رواية التّسلية والتّرفيه في الفترة التي تمتد من أواخر القرن التاسع عشر، إلی الثورة القومية في سنة 1919م، وظلت الرواية حتی هذه الفترة غير متعرف بها من كبار المثقفين والأدباء، لأنّ المثقفين كانت جهودهم مركزة إما في ميدان النضال السياسي أو في ميدان الإصلاح الاجتماعي... ولذلك ظل ينظر إلی الرواية علی اعتبارها وليداً غير شرعي في هذا المجتمع...» [73]
ونری بأنّ هيكل، كاتب رواية "زينب" اضطر «نتيجة لهذا الاحساس إلی عدم إطلاق لفظ رواية علی روايته زينب وسماها "مناظر وأخلاق ريفية" ،كما أنّه ‌لم يجسر علی وضع اسمها عليها ولكنّها اكتفی بوصف مؤلفها بأنّه «مصري الفلاح »... وأنّ موضوعها هو الحب، تلك العاطفة التي ينظر إليها بنفس الاستنكار الذي كان ينظر به المثقفون إلی الرواية.» [74]
و«إذا كان كبارالمثقفين من المصريين والممتصرين المسلمين، قد نظروا إلی الرواية هذه النظرة، رفضوا أن يشغلوا أنفسهم بها، فإنّ المهاجرين الشوام هم الذين حاولوا تقديم هذا الفن لهذه الفئة الجديدة من القراء ...» [75]

الصحافة وأثرها علی رواية التّسلية والتّرفيه

«كان الدافع الأكبر الذي دفع المهاجرين الشوام إلی تقديم روايات التّسلية والتّرفيه يرجع إلی اشتغالهم بالصحافة وسيطرتهم علی الصحف والمجلات منذ بداية عهد الاحتلال ... وفي أوائل عهد الاحتلال قضت سلطات الاحتلال علی الصحافة الوطنيّة ولم يبق من الجرائد ذات النفوذ إلی جرائد المهاجرين الشوام وأهمها الأهرام...» [76] و« في أوائل عهد الاحتلال خفت عن حدة الجمهور علی الصحف السياسيّة في هذه المجلات... فقد انتشرت في الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر... رواية سلسلة ... وتقديم هذه الروايات في صحفهم عنصراً من عناصر جذب القراء إليها...» [77]

الترجمة وأثرها علی رواية التّسلية والتّرفيه

«فترت حركة الترجمة بعد وفاة محمّد علي وظلت راكدة حتی جاء عصر إسماعيل فبدأت حركة الترجمة واسعة، شملت كل المعارف ولكن كان النصيب الأكبر فيها للروايات ومما هو جدير بالذكر أنّ المؤلفات التي ترجمت في كل علم وفن كانت قليلة إلاّ فيما كان يختص بالروايات التي أخذ عددها يتزايد نظراً لإقبال الجمهور عليها وشغفه بها.» [78]
و«أغلب ما عرّب من الروايات كان من نتاج العصر الرومانسي في الأدب الأروبي، وقد ساد التيار الرومانسي في الأدب الغربي في النصف الأول من القرن التاسع عشر وحينما عرّب المترجمون الفنون الروائية لم يهتموا بالإنتاج الأكثر جودة وإنمّا اهتموا بكتب أكثر شعبية وشهرة ... واهتموا بإعمال صغار الكتاب الذين خضعوا لما في الرومانسية من حرّية وعاطفة وجموح وخيال ...» [79]
تقسّم الدكتورة لطيفة الزيات في رسالتها، «حركة الترجمة الأدبية للروايات المترجمة من حيث الموضوع إلی قصص شرقية وقصص تاريخية وقصص غرامية وقصص اجتماعية وقصص مغامرة وقصص بوليسية وبالنسبة إلی القصص التاريخية نری بأنّ هذه القصص تمثل رغبتها في التحرف علی التاريخ ولا ينبع عن إحساس قوي متبلور، وبالنسبة إلی القصص الاجتماعية كان أغلب القصص لا يكشف عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية بل يقصد به التّسلية وأنّ الخصائص الفنية لهذا النوع من الرواية يعتمد علی فضول القارئ ويقدم سلسلة من الحوادث العجيبة والأبطال فيه إما أخيار بصورة مطلقة أو أشرار بصورة مطلقة. [80]

ميلاد الرواية الفنية في مصر

بعد التطورات التي مرّت ذکرها عندما ذكرنا نشأة الرواية العربية، وصلت الرواية إلی المرحلة التي تحاکي قصص الغرب فی حين، تسعی أن تستحفظ التراث العربي القديم، وبعض الکتاب قد سعوا إلی کتابة روايات بصيغة مقامة، ولکن نری، أنّ أغلب الکتب التي عالجت نشأة الرواية الفنية، اعتبرت الرواية، زينب، للدکتور "محمّد حسين" هيکل كأول نشاط علمي لهذا الفن فی الأدب العربي.

تختلف الرواية الفنية عن الرواية غير الفنية فی عدة مسائل ولکن الأسس التي تفرق بين الرواية الفنية عن غيرها، تنحصر في اتجاه الرواية الفنية إلی الواقع ولا تعتمد علی الوهم والإسراف فی الخيال وأيضاً أنّ الرواية الفنية تحترم التجربة الذاتيّة والحس الفردي ولکن الأشکال الأُخری تعتمد علی المطلق والمجرد والمثال.
الرواية عبارة عن خيال نثري طويل له طول معين، ولکن الرواية الفنية عبارة عن، نثر روائي واقعي کامل فی ذاته وله طول معين، والصفة الواقعيّة هنا جاء بمعنی عام، بمعنی الحياة الواقعيّة بخلاف الرومانس التي تتجه إلی الهروب من الواقع وکلاهما يختلف موقفهما من الحدث، وبناء العقدة، ورسم الشخصية.
ومن جانب آخر، نری بأنّ الرواية التّسلية والتّرفيه،- أی الرواية غير الفنية- تتجه فی اختيار أحداثها إلی إرضاء فضول القاریء، وذکر الحوادث العجيبة، والغريبة، ولا تکشف عن إحساس خاص للأديب ولا يخضع وقوع الأحداث فی هذه الرواية للسببية، ولکنّه يخضع لمجرد رغبة المؤلف فی إشباع فضول قارئه إلی المزيد من العجائب والمدهشات وأيضاً أنّ الرواية الفنية فی بناء العقدة تعکس موقفاً حضارياً وتحترم التجربة الإنسانية، ولا تعتمد علی الأساطير والتاريخ القديم. [81]

الرواية التحليلية

أدت الحوادث الناتجه عن ثورة 1919م، إلی ظهور المدرسة الحديثة فی القصة والرواية و«لقد حاول الأدباء الکبار أن يصطنعوا الفن القصصي في إطاره العربي الموروث إطار المقامات وما إليها کما فعل "المويلحي" فی "حديث عيسی بن هشام"... وكانت أول هذه البواکير قصة زينب للدکتور محمّد حسين هيکل...» [82]

إنّ أول مساهمة فی ميدان الرواية الفنية بعد رواية زينب تتجلی فی «أعمال ثلاثة من الرواد الأوائل في هذا الميدان فی فترة ما بين الحربين وهم "عيسی عبيد"، و"محمود تيمور"، و"طاهر لاشين"،... وکانت أعمالهم ردّ فعل للرواية التعليمية ورواية التّسلية والتّرفيه من ناحيه ولتحدد مدی مساهمتهم فی تقديم الرواية الفنية وتطورها من ناحية أُخری.» [83]

«فی الوقت الذي کانت البلاد فيه تحاول الاستقلال فی المجال السياسي... وفی أحضان هذه الثورة قدم "عيسی عبيد" مجموعته القصيصة الأولی "إحسان هانم"، وأهداها إلی، "سعد زُغلول"، زعيم الثورة...» [84] و«تمثل رواية طاهر لاشين، "حواء بلا آدم"، مرحلة أکثر تطوراً من الناحية الفنية إذا قيست بمحاولات تيمور وعيسی عبيد ... ويحاول فی روايته التعبير عن إحساسه بالواقع، مما جعل لروايته محورها الذي تدور حوله... يکشف طاهر لاشين فی حواء بلا آدم عن إحساسه بيأس المثقفين من أبناء الطبقة الوسطی الفقيرة، الذين يحاولون شق طريقهم فی الحياة... ولکن لا تمتعهم تعويضاً عن جهدهم إلا العذاب واليأس.» [85]
«وحاول عيسی عبيد فی روايته "ثريا" ومحمود تيمور فی روايته، "رجب أفندی"، إبراز الشخصية المصرية والتعبير عن الواقع المصري، وتيمور أکثر حماسة فی تصوير البيئة الشعبية وشخصياتها...» [86]

الرواية والترجمة الذاتية

حاول الروائيون إبراز الشخصية المصرية من خلال رواياتهم وهم يبنون العمود الأولی، فی ميدان الرواية الفنية، فی حين، جماعة أُخری تطور الترجمة الذاتية فی ميدان الرواية ويتجهون إلی تحرير الفرد المصري واستقلاله الذاتي و«أشهر أفراد هذه الجماعة ممن ساهموا فی ميدان الرواية، الدکتور "محمد حسين هيکل"، والدکتور "طه حسين"، و"الأستاذ محمود العقاد"، و"الأستاذ المازني"، و"الأستاذ توفيق الحکيم".» [87]

محمد حسين هيکل و روايته "زينب"

«إنّ حياة محمّد حسين هيکل (1888-1956) يمکن أن تلقی ضوءاً کاشفاً علی ظروف نشأة الرواية في مصر، ذلک أنّ هيکل ابن للطبقة البرجوازية الفنية، قريبة العهد فی الظهور فی البيئة المصرية، ومن هنا يقترن ميلاد الرواية بميلاد الطبقه الوسطی ...» [88]
و«في مجال الربط بين الشعور القومي وظهور الرواية العربية ... هو من أوائل من عبّروا تعبيراً واضحاً عن الشخصية المصرية، أی أنّه عبر عن الوجدان القومي لشعب يزيد أن يثبت وجوده وشخصيته وطابعه المستقل ولذلک يری بعض الباحثين أنّ رواية زينب تعد تمهيداً لثورة 1919م، وأنهّا صدرت عن وجدان قومي خالص، يهدف إلی تمجيد مصر والتغني بها...» [89]

«تعد روايه زينب، أول رواية فنية فی تاريخ الأدب العربي، الذی بدأ كتابتها وهو فی باريس، يدرس الاقتصاد السياسي سنة 1910م، وأكملها سنة 1911م، ونشرها سنة 1912 م،... ورواية زينب تصور واقع الريف المصري فی تقاليده القاسية وطبيعته السمحة...فهي تحکي قصة شاب مثقف من أبناء الطبقة المتوسطة اسمه "حامد"، يحب ابنة عم له اسمها "عزيزة"، وتحول التقاليد القاسية فی الريف دون التعبيرعن هذا الحب... ثم أختار أهلها زوجا آخر لها، ويحرم منها حامد نهائياً، ثم يجد حامد، بعض العزاء عند فتاة ريفية من الطبقة الكادحة اسمها زينب ولکن تفضل عليه " إبراهيم" رئيس العمال الذي تعمل تحت إشرافه...ويتم حرمان من زينب ...وفی خلال الرواية نری بأنّ زينب تزوج مع رجل آخر. [90]

في الحقيقة تسعی هذه الرواية أن تبين للقاریء، حالة القرية التي لا تعترف بمشروعية الحب بين الرجل والمرأة وأنّ التقاليد القاسية، ترسم خطوط العيش ولابّد للناس أن يستسلم أمام هذه التقاليد القاسية ومصيرهم القدري.
وإن کان محمّد حسين هيکل فی روايته زينب تأثر إلی حدّ كبير بالأدب الفرنسي حال کونه يشکو لبعده عن الوطن وحنينه له ولقريته... ولکن قد استطاع أن يقدّم رواية فنيّة واقعيّة يبين زاوية من الحياة الريفيّة.
وأخيراً نقول: «نجح هيکل بهذا فی روايتي التعليم والتسلية والتی کانت تدور فيها الأحداث غالباً بمعزل عن الواقع...وقد استطاعت رواية زينب أن يؤخرعن عدد من الأعمال الروائية التي أتت بعدها والتقت معها في موقعها الريادی من ناحية وفي غلبة طابع الاعترافات الذاتية عليها من ناحية أُخری.» [91]

طه حسين و"الأيام"

«نشر "طه حسين" الجزء الأول من أيامه عام 1929م، والجزء الثاني1939م، وأديب عام 1935م، ويلتقي العملان في أنهما يقتربان کثيراً من روايات الترجمة الذاتيه وفي أنهما کذلک حاولا رصد حرکة الوعي الثقافي التي بدأت فی أوائل هذا القرن من خلال تمرد العقليّة الأزهريّة علی جمودها المستسلم، وقد حاول العملان... تقديم صورة تسجيليّة للمجتمع المصري خاصة فی الريف آنذاک فی نشاطاته العامة والخاصة.» [92]
«کتب طه حسين، الأيام وهو يحس بأنّه يعيش حياة بائسة، يسيطر عليها طابع بارز، هو طابع الحرمان، وکان العامل المباشر الذي جعل من الحرمان اللون البارز الذي يلّون حياته يتمثل فی جهل بيئته وفقرها، هذه البيئة التي تعيش حياة غيبية لا تعترف بالعلم الحديث، ولا تستطيع أن تمنح الطفل الحنان الذي يرطب حياته، ولا الطبيب الذي يعالجه ولا التربية الصالحة التي تشفي جراح نفسه ...والتقی فی «باريس» بالسيدة التي منحته بعض العزاء وعوضته عن الحرمان...» [93]

و«لا يمثل کتاب الأيام المحاولة الوحيدة التي ساهم بها الدکتور طه حسين، في ميدان الرواية في فترة ما بين الحربين، فقد قدّم لنا المؤلف في نفس الفترة المحاولة الثانية في کتابه "أديب" ليکون حلقة الاتصال التي تربط بين الأيام فی جزأيها الأول والثاني، وبين الأيام في جزئها الثالث...» [94]
إبراهيم المازني و"إبراهيم الکاتب"

«صدرت هذه الرواية فی يوليو سنة 1931م، أيام حکم "صدقي" المعروف باستبدادة وتسلطه وتعد فترة حکمه من1930-1935م، من أشد الفترات في تاريخنا الحديث، حيث تعکس تکشيفاً لکل آلام العصر التي جاءت نتيجة لاستمرار الاحتلال وفشل الثورة وإلغاء الدستور والاستبداد الداخلي وتذبذب القيم الاجتماعية والأدبية...» [95]

«والرواية تصور قلق بطلها- وهو يمثل الکاتب بلا شک، ولا يخدعنا إصراره علی نفي هذا فی المقدمة _ إزاء نماذج المرأة التي يفرزها المجتمع وعجزه عن، أن يکمل مع إحداهن تجربة حب ترضييه ويرضي عنها... ليس عجز البطل هنا عجزاً عاطفياً فحسب، وإنّما هو عجز شامل عن إحراز أي نصر فی مجتمع اضطربت أوضاعه واهتزت بعض قيمه، ولم يدرک العاطفيون فيه وسيلة الخلاص من أزماته، هکذا تلتقي هذه الرواية مع رواية زينب في أکثر من محور، لعل أهمها هو تجسيد أزمات العصر في أزمة العاطفة...» [96]

محمودالعقاد وروايته "سارة"

«رواية "سارة"، "لعباس محمود عباس العقاد"، 1938م، "إبراهيم الثاني"، "لإبراهيم عبدالقادر المازني"، 1943م، "الرباط المقدس"، "لتوفيق الحکيم" 1944م وتحلل هذه الروايات الثلاثة علاقة الرجل بالمرأة من زوايا المختلفة...» [97]

و«العقاد کغيره من شباب جيله من الأدباء تعرض للقلق والألم والشک وهي السمات التي تجمع بينهم جميعاً ولکن وسيلة للخروج من أزمته الذاتيه تختلف عن الوسيلة التي لجأ إليها کل منهم، وإذا کان المازني قد حاول الخروج من أزمته بالسخرية من نفسه ومن الآخرين، فإن وسيلة العقاد للخروج من هذه الأزمة تتمثل في اعتزازه الشديد بذاته واستعلائه علی الآخرين.» [98]

توفيق الحکيم وروايته «عودة الروح»

«وفي عودة الروح لتوفيق الحکيم نلتقي بأنجح المحاولات التي استغلت الترجمة الذاتية، لتقدم لنا رواية فنية، حققت قدراً کبيراً من النجاح ... يبدو أنّ "توفيق الحکيم" کان الوحيد من بين زملائه الذي تبلورت أزمته الذاتية وقلقه وألمه حول الفن... فهو يصّر فی باريس علی أن يرتدی لباس الفنان، ويتخذ مظهره رمزاً لرغبته المتلهفة وحرصه علی الانتحار إلی هذه الفئة...» [99]
وتوفيق الحکيم أختار تجربة حياته الخاصة ميداناً لروايته،... تمثل "عودة الروح"، و"عصفور من الشرق"، و"يوميات نائب فی الأرياف"، سلسلة الحلقات يستعرض فيها مراحل حياته...» [100]

نجيب محفوظ ودوره فی تطور الرواية الفنية

«يحتل "نجيب محفوظ" مکاناً فريداً فی تاريخ الرواية العربية، وقد لعب فی تطورها دوراً لا أخاله أتيح لکثيرين غيره من کتاب الرواية فی العالم... يقف نجيب محفوظ علی رأس الجيل الثاني من کتاب الرواية فی مصر والجيل الثاني فبدأ ظهوره فی الأربعينات وهم "نجيب محفوظ"، و"إسحار"، و"عادل کامل"، و"يحيی حقّي" و"عبد الحليم عبد الله"، و"يوسف السباعي".» [101]

«حاول نجيب محفوظ في أثناء فترة الصراع الأيديولوجي من أجل تحديد الأصل الحضاري لمصر أن يفعل ما فعله "وولترسکوت"، [102] بالنسبة لتاريخ إنجلترا ومن هنا مضی يعد خطة لکتابة تاريخ مصر فی أربعين رواية ثم انتقل من المرحلة التاريخيّة إلی المرحلة الواقعيّة وهي تشتمل الروايات الواقعيّة التحليليّة والروايات الواقعيّة النقديّة تشمل الروايات، "القاهرة الجديدة 1945م"، "خان الخليلي 1946م"، "زقاق المدق 1947 م"، و"السراب 1948م"، و"بداية ونهاية"1941م .» [103]

الجيل الثالث من رواد الرواية الفنية

«حاولت الرواية عند أمثال "عبد الرّحمن الشّرقاوی"، و"صالح مرسي"، و"يوسف إدريس"، و"عبد الستار خليف"، أن تقدم الواقعيّة التحليليّة من خلال صيغة اجتماعيّة نازعة إلی التعبيرعن الرغبة فی إقامة دعائم بناء اجتماعي جديد.» [104]

«اتجه عبد الرّحمن الشّرقاوی» فی "الأرض 1954 م"، و"الشوارع الخليفة 1958م "، و"الفلاح 1968م"، إلی استخدام المفهوم الواقعي انتقادي واشتراکي فی آن واحد بتقديم بطله الروائي الجديد.» [105]
وأخيراً نصل إلی هذه النتيجة بأن الرواية الفنية حاولت أن تتجه إلی الواقع والأدباء استطاعوا فی هذه الفترة القصيرة أن يبقوا الآثار القيمة في مجال الرواية الفنية في الأدب العربي ويصرخوا بآثارهم عن قوميتهم وعن شخصيتهم المصرية.

المبحث الثالث :

عناصر الرواية

فن القصة تقوم بمعالجة المشاکل المحددة فی الحياة أو جانب من شخصية أو الشخصيات التي تصور الحياة الإنسانية وله مقومات منها:

الحدث [106]

«يرتبط الحدث بالشخصية فی الأعمال القصصية إرتباط العلة بالمعلول وعلی هذا فإنّ الرواية = فعل(حدث) + فاعل(شخصية)، فالحدث إذن شیء هلامي إلی أن تشکله الشخصية بحسب حرکتها نحو مسار محدد يهدف إليه الکاتب ومعنی ذلک أنّ الحدث هو "الفعل القصصي" أو هو الحادثة ”event" التي تشکلها حرکة الشخصيات، لتقدم فی النهاية تجربة إنسانية ذات دلالات معينة.» [107]

الشخصية [108]

«الشخصية هي الکائن الإنساني الذي يتحرک فی سياق الأحداث وقد تکون الشخصية من الحيوان، فيستخدم عندئذٍ کرمز يشف عمّا وراءه من شخصيّة إنسانيّة تهدف من وراءها العبرة والموعظة، کما في، "کليلة ودمنة"، والقصص التعليميّة الأُخری. وقد تکون الشخصية فی القصة رئيسية، وقد تکون ثانوية.» [109]

الشخصيه النامية [110]

«تنمو بنمو الأحداث وتقدم علی مراحل أثناء تطور الرواية وهي في حالة صراع مستمر مع الآخرين، أو في حالة صراع نفسي مع الذات.» [111]

الشخصية المسطحة [112]

«لا تکاد طبيعتها تتغير بداية القصة حتّی النهاية، وانمّا تثبت علی صفحة واحدة تکاد لاتفارقها.» [113]

لغة الحوار والسرد

«الحديث عن السرد والحوار- في حقيقته- حديث عن الوعاء اللغوي، الذي يحتوي کل عناصر القصة، باعتبارها نوعاً من فنون القول، غير أن کتابة القصة "باللغة" أصعب من کتابة القصيدة والمسرحية اللتين تستخدمان أيضاً نسقاً أسلوبياً واحداً...» [114]

السرد

«السرد قول أو خطاب صادر من السارد، يستحضر عالماً خيالياً مکوناً من أشخاص يتحرکون في إطار زماني ومکاني محدد ومادام السرد قولاً فهو لغة ومن ثم فانّه يخضع لما تخضع له اللغة من قوانين وأهداف والهدف الذي تسعی إليه اللغة هو، "التواصل أو التوصيل".» [115]

الحوار

«الحوار جزء من البنية العضوية للرواية له ضرورته وأهميته فهو يدل علی الشخصية ويحرک الحدث ويساعد علی حيوية المواقف ولابّد أن يکون دقيقاً بحيث يکون عاملاً من عوامل الکشف عن أبعاد الشخصية أو التطور بالموقف إلی تجلية النفس الغامضة أو الوصول بالفکرة المراد التعبير عنها والحوار الجيد يکشف عن معاناة شاقة مع الموقف والکلمة ودلالات اللفظ.» [116]

الزمن

«يمثل الزمن عنصراً من العناصر الأساسية التي يقوم عليها فن القص، فإذا کان الأدب يعتبر فناً زمنياً- إذا صنفنا الفنون إلی زمانية ومکانية- فإن القص هو أکثر الأنواع الأدبية التصاقاً بالزمن.» [117]
المکان
«المکان – في الحقيقة- هو البيئة التي يعيش فيها الناس ولا شک أنّ الإنسان «ابن البيئة» وهي التي تعطيه الملامح الجسدية والنفسية فنحن جميعاً بشر... لکن المکان الذي تولد فيه هو الذي يحدد سمائنا الخاصة المتميزه، لذلک يجب أن يهتم الکاتب القصصي بتحديد "المکان" اهتماماً کبيراً... فقصة الحب مثلاً تختلف اختلافاً واضحاً إذا وقعت فی قرية أومدنية أو بادية، کذلک ينبغي أن يعني الکاتب بتصوير مفردات المکان الذي تتحرک فيه الشخصيات...» [118]

المراجع:

  1. الأعمال الكاملة في الرواية العربية، فاطمة، موسى، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997م.
  2. السرد في الرواية المعاصرة الكردي، عبد الرحيم، مكتبة الآداب، القاهرة، 2006م.
  3. القصة التاريخية في مصر، سعد، محمد الديب، الطبعة الأولى، القاهرة، 1998م.
  4. القصة والرواية،عزيزة، مريدن، دار الفكر، بيروت، 1980م.
  5. المسرح والمجتمع في مائة عام، سلام، محمد زغلول، منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر، 1988م.
  6. النقد الأدبي الحديث، محمد، غنيمي هلال، دارالعودة، بيروت، 1987م.
  7. أصوات جديدة في الرواية العربية، عطية، أحمد محمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987م.
  8. اتجاهات الرواية العربية المعاصرة ، السعيد، بيومي الورقي، اتجاهات الرواية العربية المعاصرة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1982م
  9. بناء الرواية، سيزا، قاسم، مكتبة الأسرة، 2004م.
  10. بواكير الرواية، محمد سيد البحراوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007م.
  11. تاج العروس، مرتضى، الزبيدي، نشر بنغازي،لاتا.
  12. تاريخ الأدب العربي، حنا، الفاخوري، الطبعة الثالثة، نشر توس، تهران، 1383ش.
  13. تاريخ الآداب اللغة العربية، جرحي زيدان، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1978م.
  14. تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع إلى قيام الحرب الكبرى الثانية، الطبعة الثانية، أحمد، هيكل، دار المعارف، القاهرة، 1994م.
  15. تطور الرواية العربية الحديثة، عبد المحسن، طه بدر، الطبعة الثالثة، دارالمعارف، 1976م.
  16. دراسة في أدب عبد الرحمن الشرقاوي، ثريا، العسيلي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1995م.
  17. دراسة في نقد الرواية، طه، الوادي، الطبعة الثالثة، دار المعارف القاهرة، 1994م.
  18. دراسة في نقد الرواية، طه، وادي، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة، 1994م.
  19. دراسات في نثر العربي الحديث،محمد مصطفى، هدارة، جامعة الإسكندرية، مصر، 1992م.
  20. رواية زينب، محمد حسين، هيكل، الطبعة الأولى، دار الحرف العربي، بيروت، لبنان، 2006م.
  21. فجرالإسلام، أحمد، أمين، الطبعة التاسعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1964م.
  22. هيكل رائد الرواية، السيرة والتراث، طه، وادي، الطبعة الثانية، دار النشر للجامعات، 1996م.
  23. مدخل إلى تاريخ الرواية المصرية، طه، وادي، الطبعة الثانية، دار النشر للجامعات،1997م.

[1تاريخ الأدب العريي: ص52

[2المصدر نفسه : ص52

[3فجرالإسلام: ص56

[4تاريخ الأدب العربي: ص317

[5تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: ص75

[6تاريخ الأدب العربي: ص319

[7فجر الإسلام: ص72

[8المصدر نفسه: ص333

[9تاج العروس: ص432

[10القصة العربية في العصر الجاهلي: ص17

[11أصوات جديدة في الرواية العربية، 1987م: ص11

[12فجر الإسلام: ص72

[13القصة العربية في العصر الجاهلي، ص17

[14أصوات جديدة في الرواية العربية: ص11

[15النقد الأدبي الحديث:ص 523،524

[16المصدر نفسه: ص537

[17تاريخ الأدب العربي: ص447

[18أصوات جديدة في الرواية العربية: ص11

[19القصة التاريخيّة الإسلاميّة في مصر: ص31

[20النقد الأدبي الحديث: ص526

[21المصدر نفسه: ص 529،530

[22تطور الرواية العربية الحديثة: ص17

[23النقد الأدبي الحديث: ص 535

[24المصدر نفسه: ص535

[25المصدر نفسه: ص536

[26تطور الرواية العربية الحديثة: صص 205،206

[27المصدر نفسه: صص415،416

[28النقد الأدبي الحديث: ص537

[29القصة والرواية :ص12

[30( Recit)

[31دراسات في النثر العربي الحديث: ص 35

[32القصة والرواية: ص12

[33(Conk)

[34القصة التاريخية الإسلامية في مصر: ص19]

ج- القصة [[(fiction)

[35المصدر نفسه: ص 19

[36دراسات في النثر العربي الحديث: ص50

[37(Roman)

[38المصدر نفسه : ص39،38

[39(drama)

[40المسرح والمجتمع في مأته عام: ص3

[41راجع للمزيد إلی: القصة والرواية: صص23،24

[42‌ اتجاهات الرواية العربية المعاصرة :ص5

[43راجع للمزيد إلی: تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية ، ص194

[44المصدر نفسه: ص195

[45النقد الادبي الحديث: ص507

[46تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية ر: ص197

[47المصدر نفسه: ص198

[48النقد الادبي الحديث: ص493

[49المصدر نفسه : ص493

[50المصدر نفسه : ص 493

[51المصدر نفسه: ص494

[52تطور الرواية الحديثة: ص19

[53تطور الأدب الحديث في مصرفي مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: ص13

[54تاريخ آداب اللغة العربية : ص27

[55تطورالرواية الحديثة: ص27

[56‌المصدر نفسه: صص38،39

[57المصدر نفسه : ص7

[58المصدر نفسه: ص38

[59فرانسوا دساليناك دلامت ، فنلون، المدرس والكاتب الفرنسي، (1715،1651م).

[60الأدب العربي الحديث :ص 209

[61بواكير الرواية: ص53

[62تطورالأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: صص63،64

[63بواكير الرواية: ص54

[64تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية ص69

[65القصة والرواية: ص73

[66تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: ص73

[67المصدر نفسه: ص94

[68المصدر نفسه: ص94

[69تطور الرواية العربية الحديثة: صص193،194

[70المصدر نفسه: ص 195

[71تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: ص113

[72المصدر نفسه: ص121

[73المصدر نفسه: صص 122،123

[74المصدر نفسه: ص124

[75المصدر نفسه: ص124

[76المصدر نفسه: ص 125

[77المصدر نفسه: ص 125

[78بواكير الرواية دراسة في تشكيل الرواية العربيّة:ص 169

[79المصدر نفسه: صص170،171

[80تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية:ص 131حتی137

[81المصدر نفسه: ص 198 حتّی200

[82المصدر نفسه: ص 207

[83المصدر نفسه: ص221

[84المصدر نفسه: ص 239

[85المصدر نفسه: ص207

[86المصدر نفسه: ص 239

[87المصدر نفسه :ص283

[88مدخل إلی تاريخ الرواية المصرية: ص31

[89طه، وادي، هيکل رائد الرواية، السيرة والتراث: صص91،92

[90راجع للمزيد إلی: رواية زينب

[91اتجاهات الرواية العربية المعاصرة، صص:40 ،41

[92المصدر نفسه: ص41

[93تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: ص 305

[94المصدر نفسه: ص317

[95مدخل إلی تاريخ الرواية المصرية: ص 46

[96المصدر نفسه، صص: 47،48

[97المصدر نفسه: ص62،61

[98تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلی قيام الحرب الکبري الثانية: ص361

[99المصدر نفسه: ص 376

[100المصدر نفسه: ص377

[101الاعمال الکاملة فی الرواية العربية، صص: 39 ،40

[102السير ولتر سكوت (فرانسوا ماري آروئه)، الفيلسوف والكاتب الشهير الفرنسي ( 1694- 1778م).

[103راجع للمزيد إلی: مدخل تاريخ الرواية المصرية: صص 100،101

[104اتجاهات الرواية العربية المعاصرة: ص142

[105المصدر نفسه: ص154

[106(Action)

[107دراسة فی نقد الرواية: ص 28

[108(character)

[109القصة والرواية: ص27

[110(Rund)

[111المصدر نفسه: ص28

[112(flat)

[113دراسة فی نقد الرواية : ص 27

[114السرد في الرواية المعاصرة: ص 145

[115دراسة فی نقد الرواية: ص 39

[116دراسة فی الأدب عبد الرحمن الشرقاوی، ص:297

[117بناء الروايه: ص37

[118دراسة فی نقد الرواية: ص36


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى