الأربعاء ١٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

علامة استفهام

الحياة ممتدة شاء ذلك أم أبى، فلن تترك له الأيام ثقباً إلا ورمت فيه عقارب ساعاتها تستبقه بالوصول, لذا تراه يندب حظاً فارقه وسكن في تلك الثقوب خلف الزمن, شاءت إحدى الأيام أن تراهنه على ترك مسافة سانحة لنيل حظٍ في توقف وقت كفسحة سطور كتاب, ضيقة نعم لكن يمكن النفاذ منها، وخلق فاصل بين متغيرات للمثول كفارزة او نقاط متقطعة، أو حتى علامة تعجب أو استفهام؟ تفرجت أساريره التي انعقدت على تعابير مُرَتقة، وأدخل نفسه بين فضاءات الضم والكسر والجر والتنوين، فبات يردد الخيارات لمن تسلقوا ليكونوا دوما نقاط فوق حروف مصيرية, استهلكت في يوما ما، ومن خلال اللقاء بمستويات تقرير مصير أسئلة قرمت أظافرها بلعاب وأسنان أطفال، فما عادت تغير من الأمر شيء، سوى نحتها لتكون عادة مريضة، عَلِقَ هو بين المستقبل الجديد واللعبة السياسية وتعددية الانتماءات, تتيه في بواطن عقله رؤوس خيوط ليراها مجرد ومضات في هزة رأس، لا تكاد تركن على واقع معين, مر بلده في نزالات مصارعة مختلفة وكان الفائز الأكبر فيها من توشح بالأعلام الجديدة، تاركا خلفه حلبة الوطن الواحد الذي يُهَمِش من يبحث عن الوحدة, تغلبت المصالح في نيل فراغات وأقواس مفتوحة، ليكون الولوج فيها كالخروج مسرعا دون إشارات تستوقفه، أو تحسب عليه كإشارات في زمن كتابة التأريخ وثوابت الأشياء, والتقى حين جولة بحث بنماذج العهد الجديد، فوجد الوجوه قد تبرجت وارتدت ما تبتغيه الفرص السانحة، فاستطالت الفكوك لتكون أبواقا تمجد أعمال كسيحة، عجزت عن السير وخطوط مستقيمة، ذات يوم دخل في أحد الثقوب ليستوضح بعض تساؤلات، فوجد صعوبة السير وعبارات المنع المتناثرة في الطرق، منها من كان قطعيا، ومنها يبدأ بكلمة يمكن ذلك ولكن ... هذه اللاكن التي جعلت حروف الحقيقة ترتسم بألوان متعددة وتحت شعارات مختلفة، فباتت تطغى سماء الحقيقة بغيوم ملبدة, الواحدة منها تُمطر في بقعة بعيدة عن الأخرى، وكأن السماء قسمت كما الأرض حسب حروف المدح او الهجاء، بل حسب التعابير اللفظية وتسخيرها لنيل أكبر الغيوم وأًثَرَها مطرا وجعلها تمطر على سطور وكتابات الآخرين، لتمحي حقائق الأشياء وتمزيق ثوابت, سار رغم ضيق الثقب حاملا معه علامات استفهام وتعجب، عن ما يجري وكل المسميات المستحدثة والقادمة مع التغيير، وهمسا في نفس تعبة، أليس الأجدى ان نخرج من قيم الماضي الحقيقية لنصوغها فكراً تتوشحة الحياة الجديدة؟؟ نعم .. قد يسأل سائل ويقول نحن العرب دوما نتطلع الى الماضي وليس المستقبل, أوليس المستقبل هو ابن الماضي؟ ألم يكن الحاضر الابن الضال الذي يحيا متاهات ومصائب الإنسان؟ فكيف تريد له ان ينجب مستقبلا تتمثل فيه المصالح ومفردات البذخ ونواعم تزويق الأشياء لا يحمل قيماَ؟! كثرت في عقله المداخلات فرام يبحث عن حقيقة واحدة، هل لنا مستقبل أصلاً؟ ووضع علامة الاستفهام الأولى، وسار في اتجاه واحد متعرج، لا يخلو من نتؤات مميتة, أراد الوصول الى تجمعات ومعاجم الإشارات على حروف الكلمات، ليسأل مبتكرها أليس الأجدى ان تكون الحروف بلا نقاط، حتى يتسنى لنا والإنسان عموما أن يتيه في بحر السطور المبهمة، ولما ارتداء الكلمات نقاط قد تكون ثوابت على خروقات لفظية، تعود على مسطرها والمتحدث بها دليلاً دامغا، ولعل الظروف المكانية والزمنية تسوف في مفردة المستقبل، فباتت لا تمثل إلا سوفان في صياغة الجمل اللفظية، وترانا دوما نضع علامة تعجب كهذه! وغرز في الطريق واحدة لتكون دليلا على ما قال في أحد الثقوب الحديثة, تعبت بُنيات أفكاره حتى وصل بها إلى باحة الإشارات، فوجدها كلها تحمل بطاقات تعريفية بلغة أجنبية، مصطفة أمام دهاليز مختلفة تنتظر الخروج، لتكون على ألسنة عربية في لحظات تاريخية، جمع شتات بقايا نفسه متكئاً على علامة استفهام كبيرة، محضراً إياها وهموم شعب, فقال: من المسئول عن هذه العلامات والثقوب الضيقة وتقلبات الحياة؟ ودق بعلامة الاستفهام على الأرض بقوة, خرج له غريبا يسير خلفه اثنان يحملان إشارات المد والرفع والكسر، وقال من السائل؟ أنا ... أنا ذاك الذي هرمت قوافيه من خطب المادحين,أنا السائل عن بقايا أشلاء قيم تناثرت تحت بقايا أنقاض سرمدية، أنا .. وأنا , فقال له: ماذا تريد يا هذا!!؟ قال: إنني احمل علامة استفهام كبيرة مني ومن الآخرين، حول سؤال بلا إجابة، فجئت إلى هنا للحصول عليه منك, هات ما عندك, قال: هل تاهت بلد الضاد بين بقايا علامات وإشارات فواصل مد وتنوين وتسويف؟ والرجالات الجدد ذوي التشدقات والتكتلات والتحزبات وذوي الحروف وإشارات خفية في المستقبل الجديد، كما يَسومونه بقطع ذهبية, وهاهي علامة الاستفهام الكبيرة مغرزاً إياها في عمق الأرض والتي تقول العراق الى أين يسير وبيد من؟ ضحك صاحب الإشارات، فقال: وهل أنت متعب والشعب من علامة الاستفهام هذه, قال: نعم فقد كثرت علامات التعجب والاستغراب، فباتت تبرز علامات استفهام كثيرة على وجوه الناس، فقال صاحب الإشارات لا عليك، وأشار لمن خلفه فقاموا بقطع رأس علامة الاستفهام لتكون علامة تعجب أخرى تضاف الى لغة الإشارات الضائعة، في متاهة ودهاليز الثقوب الضيقة، لتخنق تساؤلات ومتنفس حرية السؤال، بين خبايا ثقوب بشكل ديمقراطي, ثم خرج يحمل خيبة الأمل, وبقيت الحروف وإشاراتها التي تقطع وتزين لتوضع في أفواه تبرجت للتعبير عن رؤى الآخرين وبمسميات عربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى