الاثنين ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم توفيق العيسى

فدوا

نص مهدى إلى روح الشهيدة أطوار بهجت

(فِدوا) لعيونك أطوار...(فِدوا) لدم الأنثى النازف على شاشات التلفاز وفي ليل الصحراء، كم هي موحشة هذي الصحراء، موحشة وقاسية، صحراء العرب وصحراء الروح المعتمة أقسى وأوحش.

(فِدوا) لعيونك، (فِدوا)لخصلات الشعر المتلعثمة من تحت حجاب، آه لو أن عروبتنا من غير حجاب، آه لو يشهر سيفه(علي) من غير حجاب، صدقيني لكان النصر من غير حساب.

يقول الراوي يا أطوار، إن الكيد عظيم... قد يصدق الراوي... أحيانا، وفي الغالب تكذب الرواية، وقد تنهار بنيتها وتموت شخوصها، فكيد السلطان أعظم، ويد الصولجان أظلم أظلم من ظلم الصحراء وأظلم من ظلم ذوي القربى.

أتعلمين لست مقتنعا بان امريء القيس قد صنع الشعر في ذلك القفر، فلولا الحواضر ولولا عيون الصبايا ورحيق الزهر ما كتب شاعرنا الشعر، فالصحراء يا أطوار لا تنتج أدبا، تنتج نفطا... تنتج جهلا... تنتج قتلة، وقاتلك استأجر سيفه من تلك الصحراء وشحذه بحكايا داحس والغبراء.

كان ذكيا لم يتبع خيط الدم كعادة القتلة المحترفين ولكنه اشتم الرائحة، تبعها، فللأنثى رائحة الورد، وللأنثى رائحة تغري بالقتل.

اسمعي ما رأيك أن ندون الحكاية؟؟؟ حسنا... سأحاول ترتيب القصة وأفكاري، سأسردها من البداية وإذا أخطأت فصححيني، فأنا وبرغم كل ما أدعيه من ثقافة ما زلت أجهل أبجدية العشق وأنا وبرغم ما أدعيه ما زلت أتلعثم بقصص الحب الممزوجة بالدم الشهد.

تبدأ القصة من قلب الصحراء، في القرن الثالث للهجرة، حين امتلأت أسواق البصرة بالزنج، امتلأت قلوب الزنج (بالسبخ) وطين الأرض، في تلك الأيام صادر السلطان وعسكر الترك أحلام الزنج، منعوا الوردة أن تخلق، يا الله ما أقسى الدنيا بلا ورد... ما أتعس قلب الإنسان بلا وردة تقبل عينيه صباحا، لكن الورد يا أطوار لا ينبت بفرمان ولا يموت بفرمان، فالورود كالأنبياء تنمو وتزهر تجمع عاشقين تخلق شاعرا بلا فرمان ولا عسكر ولا سلطان

الوردة شاعرة، تنظم شعرها على استحياء، في ليلة ما اخترق شعر الوردة أسوار القصر، امتزج برائحة العرق ولون الدم النازف من أجساد الزنج، نزل عليهم كنحلة عشق، ومثل بكاء الناي انتشرت في الليل فكرة، جمعت كل زنوج البصرة، فكرة ووردة وسيف رفعوا الدم قربانا وانتفضوا.

أصل الحكاية جارية، ألقت في قلب عبد وردة فأحال الفأس سيفا، وأصل الحكاية جارية أضاءت في ليل المدينة قمرا، فتحسس عرشه السلطان.

أأطلت عليك الحكاية؟؟ هي ذات القصة تتكرر والقاتل ذات القاتل والضحية واحدة.

في زمن يشتعل بعود ثقاب وتحترق فيه الروح كعود ثقاب، يمسي الوطن جسرا للعابرين،و يصير وجودك ترفا وزوايا عينيك متاعا، حين يكون (الشرف الرفيع) أضيق من سم إبرة، وتصبحين كما الوطن للعابثين مشاعا، في زمن تغتالنا أيدينا تصبحين يا أطوار مطاردة بتهمة الأنوثة، يصير صوتك استفزازا وكلماتك خطا أحمر، في زمن أبطاله جناة يصير القضاء على الوردة الشاعرة دينا، أتعلمين ما الذي حصل؟؟؟ دعيني أخمن، شخص ما رجع إلى داره ليلا، فدوى انفجار، وفي الصباح رآك تتنقلين مثل قصيدة الرثاء بين الضحايا فأدرك جريمته، (فأوحى) إليه (وحي)- يسميه البعض (بالوحي الأبيض)،(أوحى) إليه بإسكات الشاهدة الوحيدة، الشاهدة الشاعرة الأنثى،ثلاث تهم عقوبتها القتل، تهم ثلاث لو غض الطرف عنها ما كانت أيامنا كلها (كربلاء)، غياب الشاهدة في زمن الحرب يرضي الروح الشبقة، وأصحاب الضمائر والمشاعر المعلبة أيضا، فتارة كان قاتلك شيخا معمما وتارة أخرى جنرالا يتباهى بنجوم كتفيه وأخرى دبلوماسيا أنيقا،جمعهم صوت الوحي الأبيض وشهوة القتل، سال الدم، أهزوجة عراقية حزينة، حفظتها زهور العراق، زرعها الزنج على ضفاف دجلة، قمرا يهدي التائهين في ليل الصحراء ويشير إلى القتلة، سال الدم أهزوجة من عيني أم، تذكرها أبنائها الذين مضوا دون ما قبلة وداع،وسال الدم خطابا، ألقاه الوحي الأبيض بأن العالم الآن أصبح (بيضاويا) وأكثر أمنا والمستقبل سيكون أفضل، وسال الدم قصيدة رددها المحرومون أمام الوحي الأبيض، "فدوا العراق عراق كل الأعراق "

* فدوا كلمة عراقية بمعنى الفداء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى