الأحد ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم أمينة شرادي

شوق وحنين...

عدت بالأمس إلى مرتع صباي.فوجدت المكان غير المكان، طمست ملامحه البرية الجميلة.استوطنته أفكار جديدة، لا أدري هل هي مسالمة أم لا.لم أجد الشجر الذي شهد ولادتي، احتضن لعبي و بكائي..و تسلقت بين أغصانه.هدوء غير طبيعي يلف المكان.لم ألفه من قبل. بحثت على من يدلني عن بداية من بداياتي الصغيرة، لفني السراب من كل جانب.أصبت بدوار،زاغت عيناي..سألت نفسي"أين هي أرضي الحاملة لهويتي؟"ضعت وسط أشجار أخرى لا حياة بها. أشجار باسقة تحمي المكان بشكل غريب و جميل، ألقت بي في ظلال الأسئلة المتكررة و المملة.. أعادتني من حيث أتيت بحجة أنني غريبة و متطفلة.صرخت بأعلى صوتي من وراء قضبان الحدود"إنها أرضي..هنا ولدت..وهنا تعلمت المشي..وهنا لعبت..."استغربت لهذا الصمت المطبق حولي"لماذا يحرمونني من لمس تراب حياتي الأولى؟"

حل ظلام مفاجئ،حملني فوق أجنحته و طاف بي المكان في غفلة منهم.استيقظت في الصباح على أثر لمسات شمس حنونة كـأنها يد أمي التي طالما مسحت عني الشوائب و حمتني من الأشواك. تمسكت بالقضبان من جديد، استعطفت حارسا ضخما كان هناك منذ ولوجي المكان.لا يتزحزح من مكانه.نظراته قاسية و تقاسيم وجهه جافة.قلت له:"سأمشي منحنية الرأس،لن أطرح أسئلة.."أجاب بالرفض دون أن يتكلم.غيرت المكان على أمل أن أجد منفذا يمكنني من لمس تراب أرضي.كانت هناك فتحة منسية بين الأسلاك الشائكة، غير مرئية للحراس.تسللت في حذر من كلابهم المتدربة على الفتك بلحم البشر في لحظة زمن.توغلت بين أشجارهم و كلماتهم.."عندي أمل..رائحة التراب هي هي..هي أرضي.."ناجيت نفسي.و أكملت طريقي في البحث عن هويتي المدفونة بين ألوانهم و أشكالهم المتعددة و التي تعمي الأبصار.فجأة،انطلقت صفارة الإنذار،"تسلل غريب إلى المكان"هكذا كان ينادي مكبر الصوت.يراقبون كل شيء. حتى آهاتك، كما كانت تقول لي دائما أمي. ألقي علي القبض.أخذوني إلى رئيسهم.سألني بحدة حتى ارتعشت مفاصلي:

 من أنت ؟و ماذا تريدين؟

أحبت بصوت واهن:

 أنا طفلة هذا المكان.عدت لأتلمس جذوري.

 لا جذور هنا لأمثالك.هذا مكان خاص لا يدخله سوى القاطنين.

 أنا من القاطنين.

صرخ بأعلى صوته حتى كادت حنجرته تنفجر قال:

 هل لك شهادة إثبات؟

 لقد كنت أبحث عنها،لما ألقي علي القبض.هي مدفونة في كل من أركان هذه الأرض.

نظر إلي نظرة ازدراء و احتقار،عدل من بدلته الرسمية و اتجه صوب الباب و قال لحراسه:

 خذوها وراء القضبان و اتركوها هناك.و إن وجدتموها مرة ثانية تجوس حول المكان، ارموها بالرصاص.

انتهت المقابلة و انتهت حياتي معها.و رميت وراء الشمس.و لم أكن لوحدي.فوجئت بلحوم بشرية أخرى. تلونت بلون التراب.و فارقت الحياة منذ غربت الشمس عن أهل هذه الأرض.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى