الخميس ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم فلاح جاسم

سقوط قناع «إنسية» لأماني السليمي

سألني أحد القراء إن كنت أعرف أسماء بعض الروائيين السعوديين، فأجبته؛ بأني قرأت تركي الحمد وعبده خال، أعشق عملاق الرواية العربية الأستاذ الكبير عبد الرحمن منيف، وقرأت جميع أعماله، بل أعود لقراءة بعض أعماله أكثر من مرة. ثم ضيّق دائرة السؤال أكثر بقوله: ومن الروائيات السعوديات؟ قلت: فقط رجاء الصانع، حين حدثت فقاعة لما يسمى بـ(رواية بنات الرياض)،تناولتها بدراسة نقدية، بعنوان: "ما لم يقله النقاد عن بنات الرياض". قال محدثي: هل تعرف أماني السليمي، قرأت بعض نتاجها الأدبي؟ قلت: لا.

أثار ذلك الأمر فضولي النقدي والأدبي، فحصلت على نسخة إليكترونية لعملين روائيين من الكاتبة نفسها-مشكورة على ذلك- قرأت رواية (إنسيّة) بتمعن وتمحيص، فعلمت أنها ترد على رواية الدكتور غازي القصيبي؛ (جنيّة).فرأيت بأن العمل في مجمله يشبه الخواطر، أو الآراء الشخصية، أو موضوع تعبير لطالب في دراسته الإعدادية، حتى لا أكون مجحفاً، والعمل بمجمله يفتقر إلى البناء الفني والمحكم، كما يخلوا من الإثارة، مع أن موضوع (الرواية) يمثل قمة الإثارة، ويجدر بالقارئ أن يحبس أنفاسه وترتعد فرائصه حتى يفرغ من قراءة (الرواية)، وذلك بسبب موضوعها؛وهو عالم الجن، لكن ذلك لم يحدث في حقيقة الأمر، نتيجة إقحام الكاتبة لأشياء تثقل كاهل العمل الأدبي، ولكي أدلل على ما قلته، سأذكر لك أيها القارئ بكل دقة أرقام الصفحات لتحري المصداقية.

في الصفحة السادسة من (الرواية)، تتحدث الكاتبة عن إخوتها وأخواتها، فتقول :" أكبرهم يبلغ من العمر25 عاما وشقيقتي في بداية 21 من عمرها..." فكتابة الأعداد هكذا؛ أرقاما لا تليق بكتابة رواية، فمعظم الذين يخافون إعراب(العدد) يلجأون لذلك، مع أن هذه الطريقة غير لائقة على الإطلاق، وتتنافى مع سلاسة النص الأدبي واسترسال القارئ. في الصفحة السادسة من الرواية، هناك عدم ترابط في التراكيب، وركاكة في بعض الجمل، والتعابير؛ (أنا.. وأعوذ بالله من كلمة أنا ، قد أنهيت كتاب
الجنية للتو وقد قرأته مراراً وتكراراً بدافع الملل من الفراغ، والإعجاب لقراءة شيء عن العالم المجهول ..لا يهم ، ولكن المهم ما الذي خرج من هذا الكتاب المفضل والمريب ! بعد حدوث هذا الأمر ! لا أنكر مدى شدة ارتجاف جسدي، وأصوات الطبول الصادرة من قلبي الصغير .. أو رقص أناملي الطويلة، وتوقفي عن الكتابة لضم معطفي الصوفي إلى صدري لأخفف خوفي الشديد! وأطمئن قلبي بأن ما حدث من تأثر ليس
إلا مشاعر مؤقتة ستزول أو سحابة صيف عن قليل تنقشع." فكما لا يخفى على ذي عقل ركاكة ذلك المقطع الافتتاحي في بداية الرواية. أما في الصفحة السابعة من الرواية تقول:"ذهبتُ لأصنع القهوة العربية.... انتهيت من إعداد قهوتي الساخنة..." كان الأولى أن تقول: ذهبت لإعداد القهوة، ثم إنها قهوة عربية بالتأكيد ستكون ساخنة، مادامت قد انتهت من إعدادها للتو. أما في الصفحة التاسعة، فتقول:(رغم الخوف لم يتلاش عن قلبي....)، كان الأفضل استخدام لم يتلاش من قلبي، أو ينزاح عن قلبي. في نفس الموضع تقول: (فكرت في الحجاب ولكنني مازلت خائفة من ردة فعل الجني...)، فهنا الكاتبة تخشى النقد الاجتماعي وهي تتكلم بلسان البطلة، حتى في هذا الموقف المخيف تفكر في الحجاب، وبمثل هذه المواقف يفكر الإنسان بنجاته فقط، لكن الكاتبة لم تستطع التخلص من الإرث الوعظي والاجتماعي. كما تقول: (..رجفة شديدة سارت بإنحاء جسدي..)، استخدام (سرت) أولى من (سارت).
أما في الصفحة الحادية عشرة فالأسلوب غير مقنع تصف أماني السليمي هلع البطلة وخوفها، ثم نجد البطلة تجادل الجني بكل ثقة، وهذا منافٍ لطبع البشر والشعور بالخوف، فالمتوقع أن تتكلم أماني بلسان الشخصية الخائفة، المسايرة للجني، لا بلسانها هي، أو كما يحلو لها..كما أنها في نفس الصفحة تقول: (هل يا ترى شاهدني وأنا أرفض إعطاء المتسول قطعا من الخبز اليابس بيدي؟...)، أولاً المتسولون في دول الخليج، وتحديدا في السعودية، بما أنها حددت مكان الرواية، لا يشحذون خبزا، فهو متوفر في كل مكان، فهذا غير منطقي، ثم إن هناك خطأ أسلوبي؛ (إعطاء المتسول قطعا من الخبز اليابس بيدي..)، كلمة (يدي) لا داعي لها، فمعروف للقارئ هنا أن الإعطاء يتم باليد لا بغيرها.

في الصفحة الثالثة عشرة، يقول الجني للبطلة: ( سأخبرك ما تريدين معرفته ولكن بعد رؤيتي للكتاب الإنسيّة...)، أتوقع أن المقصود هو؛ (...رؤيتي لكتاب إنسيّة)، وإلا لأصبح التعبير ركيكا جدا.

ذكرت أماني الكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ولم توثق أي منها، من مثل رقم الآية واسم السورة، وتوثيق الأحاديث أيضاً، هذا لم يرد أبداً. في الصفحة الثامنة عشرة هناك بعض الأخطاء أيضا؛ مثل(أجريت عدة بحوث مطولة ولقاءت...)، الكلمة الأخيرة هي (لقاءات)، بدون (ألف)، لكن يبدو أن العمل لم تتم مراجعته. بعد ذلك ينقطع حبل تسلسل الأحداث (الواهي)، لتورد حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم، وتنصّب نفسها واعظة بشكل جلي..أما في الصفحة التالية فتقول: (تذكرت أحد الكتب التي لا تهتم بها شقيقتي..اقتنيتها ولكنها دوما تذلني..لا بل أخذته رغما عني لتضعه داخل أحد الصناديق لا أعلم ما هو السبب!)، الجملة ركيكة جدا، لدرجة أن المعنى مبهم، وعصي على الفهم كله.في نفس الصفحة تقول: (تذكرت سنمّار المهندس المعماري المذهل الذي بنى للملك النعمان أفخم القصور-قصر الخورنق- بدقة متناهية،وفن مميز..ولكن جزاءه كان بقذفه من أعلى القصر كي لايتفنن بعمل قصر أفضل من قصر الملك النعمان..!).هذه الحكاية مشهورة، لكن النعمان، ذهل من جمال القصر ودقة هندسته، فقال له سنمّار متباهيا: هل تعرف يا مولاي بأن هناك حجر في زاوية ما، لو رفعته من مكانه لتداعى القصر عن بكرة أبيه، فرد النعمان: هل يعلم مكان ذلك الحجر غيرك؟ قال: لا، عندها ألقى به النعمان من فوق القصر فمات، وأصبح يضرب المثل بجزاء سنمّار. في نفس الصفحة تقول أيضا: (تذكرت أيضا خروج أبينا آدم وأمنا حواء من الجنة، بسبب الشجرة التي كانا يظنان أنهما بأكلهما منها سيكونان ملكين، رغم أنهما بالأصل من ملوكاً)، كلمة (ملوكاً) منصوبة لماذا؟ مع أنها بعد حرف جر؟؟ هل على مبدأ يجوز للكاتب ما لا يجوز لغيره؟؟؟

في الصفحة التالية؛ (...تنفتح النوافذ لتعلن مجيء رياح شديدة ممزوجة بالبرد القارص...)، البرد يوصف بـ(القارس) وليس(القارص)، والأولى أكثر دقة لغويا.

في الصفحات الأول، تقول الكاتبة إنها تلفعت بمعطفها الصوفي، ثم بعد ذلك في الصفحة الواحدة والعشرين تقول: (...أخذت الجاكيت الصوفي لكي أتقي...)، فما هو؟ هل هو معطف، أم جاكيت؟ أهو نفسه أم غيره؟

في الصفحة الرابعة والعشرين؛ (...أستطيع أن أعمل أفضل من عملك فالذي أنجزته شيء عادي جدا...)،كان من المفروض كتابة(...شيئاً عادياً جداً..)،لأنه منصوب. في الصفحة التاسعة والعشرين، تقول: ( ...لن أصف لكم ملامحي الناعمة، ولا عيني الواسعتين ذواتي العدسات السوداوين...)، لا اعلم لماذا استخدمت كلمة (ذواتي)، أظن أنها تقصد (ذوات)، بدون (ياء). أما في الصفحة الثلاثين؛(...كان أخي الصغير "سامي" هو الذي يطرق الباب، سعدت عند رؤيته وحملته لكي أطلعه على العصافير الجميلة الملونة المتألقة بالجمال، والمتغنية بأجمل الألحان، لتتراقص وكأنها فوق الأغصان، لينسى سامعوها قسوة وأعاصير الزمان..)، نلاحظ ما يلي: أولا هذا المقطع يتسم بالركاكة الواضحة، أو السطحية المطلقة، لا ينمّ على أنه مقطع من رواية، لكل كلمة وجملة حساب ومعنى، إذ ليس له مغزى، ولا يجلب أي متعة للقارئ، كما انه يفتقر إلى علامات الترقيم.

في الصفحة الرابعة والثلاثين، تتساءل البطلة:(...أو هل هو روح صديقتي المتوفاة بإحدى الحوادث المشينة؟ من هو يا ترى...) السؤال هو كيف تكون الحوادث مشينة؟ وهل هناك حوادث مشينة، وغير مشينة؟ لعلها تقصد الحوادث البشعة، أو المؤسفة، أو المؤلمة.

أما في الصفحة الأربعين تقول: (... يحاول أن يكسب الرزق بأية طريقة...)، لا يوجد في اللغة العربية "أية"،ف ستخدم "أي" للمذكر والمؤنث على حدٍ سواء. حقيقة هناك تناقضات عدة في الرواية، ففي الرواية تقول السليمي: في حجرتي الصغيرة..لكنها في الصفحة الثانية والأربعين، تقول: (...في حجرتي المتوسطة أو الواسعة بعض الشيء، حيث تتراقص بخجل إحدى الستائر الشفافة، وتتموج النار أعلى الشمعة بطريقة مميزة، ويرتفع شعري الطويل ليرتمي على وجنتي ويعود من حيث أتى، وأحد الأضواء العامودية يهتزّ هزاً من شدة الرياح الباردة...) هنا نجد عامل النسيان، وعدم التركيز، وعدم وجود مخطط واضح للعمل الأدبي.. ثم هناك تناقض؛ كيف تتراقص إحدى الستائر الشفافة بخجل، وتتموج النار في أعلى الشمعة بطريقة مميزة، ومثيرة، ورومانسية، والأضواء العمودية تهتز من شدة الرياح؟؟؟ أليس أولى بالشموع أن تنطفئ؟؟؟ أم أن تدخل الكاتبة جعلها تقاوم الرياح رغما عنها؟؟

أما في الصفحة الثامنة والأربعين تقول:( قاطعتني والدتي بعصبية:- اتركي عنك تلك المهاترات لا يوجد شيء في هذا الكون اسمه جن...)، أظن أن السليمي قصدت استخدام كلمة "تــُرهات" بدل "مهاترات"، إذ لا معنى لها في هذا السياق. في الصفحة التاسعة والأربعين تقول:( ولكنني فجأة صرخت بشدة..إنها تصف قنديش من حيث أنه...)، "قنديش" كلمة منصوبة، يجب كتابتها "قنديشاً". في نفس الصفحة (...لن يعود فأنا أخشى عالم الجن. ليس له أية أحقية بأن يعمل تلك السذاجات اللامتناهية...لا، لا أعتقد أنه هو آآآآآآآه رباه أرشدني إلى طريق الحق فأنا في دوامة مريبة!!...)، أترك الحكم للقارئ الكريم، هل لهذا المقطع أي أثر، أو فيه أي جمالية كقطعة فنية؟؟

بقي أن نقول بأن (الرواية) تفتقر إلى البناء الفني واللغة الأدبية الرصينة، وتسلسل الأحداث المشوق، وعدم استخدام علامات الترقيم بشكل صحيح، ذلك التساؤل يجب طرحه على المسكين؛ أستاذ اللغة العربية، الذي دُفع له لقاء تدقيق لغة الرواية، وجهده واضح، لكن غفل عن بعض الأخطاء. وإني لأستغرب من جميع الذين أثنوا على (الرواية) ويزعمون إنهم اطلعوا عليها، كيف غفلوا عما ذكرته في مقالي. موضوع الرواية، غني؛ لو تناوله أحد الروائيين الكبار لأتحفنا برائعة، يبقى أثرها في نفوسنا لأمد بعيد.أنا شخصيا تعمدت، دراسة النص فقط، دون الالتفات لمن كتبه. أتمنى أن تكون هذه الدراسة إضاءة لمن قرأ هذا العمل أو يود قراءته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى