الاثنين ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم حمزة شمس الدين حمدي

عبدالرزاق العدسانی؛ الشاعر الکويتی

سيرة وحياة

تعتبر عائلة العدساني من عوائل الكويت المعروفة والمشهورة بنزاهة المعاملة ومضرب المثل بأداء الأمانة في حكم القضاء وينحدر أصل هذه العائلة من قبيلة الأشراف التي تنحدر من سلالة عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب من بني هاشم. هذا من جانب الأب أما من جانب الأم فينحدر أصلها من قبيلة أعنزة وهي من أكبر القبائل العربية حملت عائلتها اسم الفخذ الذي تنتمي إليه وهو الدويرج وبما أن حرف الجيم في الكويت يبدل بحرف الياء سميت العائلة بالدويري وعرفت في الكويت.

مولده، ونشأته، والتحاقه بالمدرسة

ولد الأستاذ الشاعر عبدالرزاق محمد صالح إبراهيم العدساني عام 1936م في الكويت في حي القبلة "فريج الصيهد" والتحق عام 1940م بالمدرسة القبلية التي سميت بهذا الاسم نسبة للحي المتواجد فيه.
كانت تتكون تلك المدرسة من بيتين وكان موقعها بالقرب من مسجد ملا صالح والمسجد لازال موجودا إلی الآن مطل علی شارع فهد سالم وموقعها في الجنوب منه وفي نفس الشارع الذي يوجد فيه المسجد المذكور المطل عليه من جهة الشرق.كانت الدراسة في تلك المدرسة كالتالي:

كان يطلق علی الفصل الأول اسم التمهيدي أما بقية الفصول وهي ستة فصول فكانت تبدأ بالأرقام فيقال: الأول، والثاني، والثالث، والرابع، والخامس، أما السادس فقد استحدث فيما بعد.
وأخيرا ألغي اسم التمهيدي واستبدلت الفصول بالأسماء التالية: أول روضة، ثاني روضة، ثالث روضة، أول ابتدائي، ثاني ابتدائي، ثالث ابتدائي، رابع ابتدائي وهوالفصل الذي استحدث فيما بعد وحصل هذا التغيير قبل عام 1945م.

كانت البعثة المصرية المرسلة من قبل جمهورية مصر العربية آنذاك تشارك المدرسين القلائل من الكويت والشاعر يتذكر منهم:

ملا عثمان
عبدالرحمن الدعيج
صالح شهاب
عبدالعزيز الغربلي
خالد محمد جعفر
عبدالعزيز النوري
يوسف السيد
عبدالعزيز محمد جعفر
إبراهم المقهوي
الناظر عبدالملك الصالح

كما يتذكر الشاعر أن في عام 1945م قدمت مسرحية "البسوس" وكان يقوم بدور "الحارث بن عباده" عبدالملك الصالح وبدور "جساس" خالد محمد جعفر وبدور "الهجرس" عبدالعزيز النوري.
ويری العدساني أن هذه المسرحية في ذلك الوقت المبكر في دولة الكويت إن دلّت علی شيء فإنما تدل علی تقدم المسرح في الكويت منذ زمن بعيد ولاسيما أن تلك المسرحية تم عرضها باللغة العربية الفصحی التي يعجز الكثيرون عن القيام بها بهذه اللغة الرصينة.

وكما هومعروف تذهب عجلة الزمان برجال وتأتي بآخرين فقد توفي ناظر المدرسة عبدالملك الصالح وحل مكانه أستاذ من البعثة المصرية يدعی "أستاذ اسماعيل" كان شديد المعاملة حريصا كل الحرص علی مستقبل الطلبة.ويبين الشاعر لنا أن الناظر في ذلك الوقت كان يقوم بدور السكرتير كما كان يشارك المدرسين في الحصص.

يذكر الشاعر عبدالرزاق العدساني أن الدراسة في ذلك الوقت كانت قوية تفوق الدراسة الثانوية حاليا خاصة بعد أن شارك البعثة الفلسطينية البعثة المصرية حيث أدی هذا التعاون إلی الإرتقاء العلمي وإثراء أسس التدريس ومناهجها.والطالب الذي كان يجتاز المرحلة الابتدائية يحصل علی شهادة وقع عليها رئيس المعارف آنذاك والذي يقوم مقامه في الوقت الحاضر وزير التربية.

التحق شاعرنا عام 1950م الدراسي بثانوية المباركية وكانت وقتها المدرسة الثانوية الوحيدة في الكويت ولا يدخلها إلا من حصل علی شهادة الابتدائية.

هواياته في الصبا

وجد الشاعر نفسه في أواسط الأربعينات أوبعدها بسنة تواقة إلی العلم والمعرفة فكان يقرأ كل ما كان يصل إليه وإن لم يكن يدرك أحيانا معنی ما كان يقرأه فكانت تختلط لديه القصيدة بالأغنية بل كان يعتبر الأغنية قصيدة وبما أنها تحمل اللحن يسهل حفظها.

اتصل شاعرنا في أوائل عام 1949م بمجموعة من الأصدقاء يتذكر منهم:

د.عثمان عبدالملك
خالد سعود الزيد
عبدالله عبدالرحمن السرهيد
محمد راضي الصانع
عثمان الحميدي

وبدأ هؤلاء الأصدقاء يتسامرون بالشعر العربي ولا يتذكر الشاعر أن هذه الفكرة كانت لأي من الأصدقاء وكيف تم تنفيذها ولكنه يتذكر أن أسلوبهم في التسامر هوأن الأول كان يقول بيتا من الشعر أكان صحيحا أم لا فالمهم أن يكون ذلك شعرا وعلی الثاني أن يبدأ بالحرف الذي انتهی به البيت الأول.
ويذكر الشاعر أن هذه المسامرة استمرت زمنا غير قصير وكان الدافع الأول والأهم لدی الشاعر للمشاركة فيها أن يحفظ الكثير من الشعر الذي يفهمه أويفهم ضميره الباطن ليكون ذخيرة حية للأيام القادمة.
كان العدساني يمتلك آنذاك كتبا لا تتصل بالشعر ولكنها تتصل بالثقافة العامة وهي وإن كانت رخيصة لا من حيث القيمة المادية ولكن من حيث ما تحمل من معنی وعلم فلقد تعلم الشاعر منها جوهر الأسلوب في الكتابة والإنشاء.يتذكر الشاعر من تلك الكتب كتيبات صغيرة لبعض المغنين والمغنيات وحكايات أبي نواس وجحا وقصص أخری وكان أول كتاب كبير استعاره الشاعر من عثمان عبدالملك هوكتاب عنترة ويحكي الشاعر أن ذلك الكتاب كان يحمل أخطاء كثيرة لم يعرفها آنذاك إلا أنه وجد من المتعة الشيء الكثير حيث تخيل عنترة وأبناءه ميسرة والغضنفر وعشيقته عبلة وكأن مؤلف الكتاب بمثابة عضوفي جسد عنترة يری ويسمع كل ما يقوله ويقوم به عنترة.

مغادرة المدرسة وممارسة المهن

يذكر الشاعر أنه عندما التحق بالثانوية المباركية لم يكن لديه استعداد لإكمال دراسته فكان يظن أن الدراسة بمنهجها الدراسي آنذاك لم تكن تشبع رغبات نفسه التي تعلقت بالشعر أيما تعلق فحاول جاهدا أن يترك الدراسة بتقديم الأعذار لوالده الذي كان مصرا علی أن يواصل فتاه دراسته وبعد جهد جهيد استطاع شاعرنا أن يجلب رضی والده علی مضض ليخبره أنه التحق بعمل يسمی حمال باشي.

وبالفعل بدأ شاعرنا العدساني عمله مع عبدالعزيز الفوزان دون أن يعرف أنه لم يتم تسجيله في هذا العمل بصورة رسمية لدی تلك المؤسسة.واستدعی ذات مرة رئيس المؤسسة المرحوم محمد قبادوز الشاعر ليسأله إن كان يعرف اللغة الفارسية أم لا.فيقول الشاعر له: "إنه لايجيد اللغة الفارسية بل لا يعرفها" فيرد عبدالعزيز الفوزان بكل احترام وأدب أن هذا العمل يتطلب معرفة اللغة الفارسية حيث أن كل العاملين من الفرس ويجب التعامل معهم بلغتهم التي يفهمونها.ثم يقول الشاعر له إنه عمل حتی ذلك اليوم ثمانية عشر يوما مع عبدالعزيز الفوزان وتحت أمر مبارك الحساوي في المخازن وكان يسجل الدخول والخروج وهذا هوتعاونه معهم ولاغير.

يذهب والد الشاعر إلی حمال باشي ليتأكد أن ولده صادق في التحاقه إلی هؤلاء ولكن يتبين له أن لايوجد اسم ولده عندهم حيث أنهم لم يسجلوا اسمهم بصورة رسمية وهكذا يصبح الولد كاذبا أمام والده إلا أن والده يعرف بعد فترة طويلة أن الولد كان صادقا ولكن كانت هذه المعرفة بعد فوات الأوان لأن الشاعر كان قدترك ذاك العمل.

ثم يلتحق الأديب العدساني بدائرة الكهرباء "وزارة الكهرباء" ويتم تعيينه في قسم العاملين الذين يعرفون فك الخط. والتعيين آنذاك كان ورقة صغيرة من المدير العام الذي يقوم الآن مقامه وكيل الوزارة كما أن التعيين في ذلك الوقت كان في غنی عن الكشف الطبي أوإبراز شهادة حسن السلوك فإنه آنذاك كان أسهل من "السلام عليكم وعليكم السلام" والشاعر كان لديه مؤهلات جيدة للعمل حيث أنه كان يحمل شهادة ابتدائية والتي هي أعلی شهادة في ذلك الوقت.

ويذكر الشاعر بداية عمله في تلك الدائرة أنه أرسل إلی خارج الدائرة مع أحد الموظفين دون أن يعرف مصيره وبعد وصولهما إلی أحد البيوت يقف الموظف ويدق الباب قائلا: محصل الكهرباء.يدخلان البيت ويمران علی دهليز طويل مظلم وفي آخره كان عداد الكهرباء حيث يشعل الموظف عودا هناك ويسجل شيئا علی ورقة كان معه.لم ينتبه الشاعر إلی ما فعل ذلك الموظف فالموظف قال له: يجب أن تنظر إلی هذا العداد لتسجل هذه الأرقام.

يخرج الشاعر مع الموظف من ذلك البيت حيث يقول الموظف للشاعر أتريد الذهاب إلی بيت آخر؟ ولكن الشاعر يرد عليه أن العمل مادام هكذا فيكفيه ما قام به هذا اليوم ويعده أنه سيلتقي به في الغد.
وفي اليوم التالي يحضر شاعرنا حسب الموعد كما يحضر ذلك الموظف إلا أن الشاعر لايقبل إليه بل يختبئ في شارع ضيق لايكاد طوله أكثر من أربعين مترا وعرضه لايزيد ربما علی أربعة أمتار يطلق عليه اسم "سكة العبيد" والشارع خال من أي باب للبيوت التي تحيطه من جهة القبلة ومن الشرق يطل علی شارع الجهراء الذي يسمی حاليا شارع فهد السالم ويقع مقابل مسجد ملا صالح من جهة الشمال.يحضر الموظف ولكنه لم يمكث طويلا بل ينصرف إلی عمله.
يعتقد شاعرنا أن الموظف اختار ذلك البيت وذلك الدهليز المظلم ليكره شاعرنا عمله وبالفعل كان ناجحا في فكرته حيث ترك الشاعر هذا العمل والتحق بدائرة الأشغال مؤمنا أن العمل في دائرة الكهرباء أحسن بكثير من العمل في دائرة الأشغال حيث لا مستقبل للعمل في دائرة الأشغال سوی ضياع العمر خاصة أن هذه الدائرة لا تعترف بالشهادة والعمل فيه يثير الدهشة وبصفة خاصة فيما يتعلق بعمال البناء حيث أن هؤلاء لا يحصلون علی أجور محددة بل المسؤول هوالذي يحدد أجورهم فتارة يعطي أحدهم عشر روبيات يوميا وفي الشهر الثاني ثماني روبيات وفي الشهر الثالث اثنتي عشرة روبية.

إن التحاق العدساني بدائرة الأشغال كان بتوصية من المسؤول الأول لرئيس كتاب العمال في كراج الأشغال وهوالمرحوم محمود الصانع الذي سجل اسم الشاعر في كشف العمال فور إعطائه ورقة التوصية وعرف الشاعر فيما بعد أنه كاتب دوام لايتغير أجره ولكن بأجر يومي قدره ستة عشرة روبية غير أن اسمه يحمل اسم العامل.ولم يدرك أن اسمه الوظيفي عامل إلا بعد أن ترك العمل من إدارة الأشغال والتحق بدائرة المعارف وبعد مدة وعندما أخبره أحد الرفاق أن يحضر شهادة العمل من عمله السابق وكم ندم شاعرنا عندما قرأ فحوی ذاك الكتاب ولاسيما علم أنه كان يعمل طيلة عمله في دائرة الأشغال تحت مظلة تسمية العامل بعد أن كان يظن أنه موظف لا عامل بأجر يومي.

يتحدث الشاعر أن إدراكه الوظيفي في ذلك الوقت كان محدودا لجهله قوانينه التي لم تكن تهمه بقدر ما كان يهمه حفظ الشعر والقراءة وكان حاجته إلی المال بقدر ما يريد أن يشتري من كتب وتهيأ هذا له في الأشهر الأولی من عمله الجديد.
وبعد مضي عدة أيام تم نقل الشاعر إلی قسم السيارات "سجل السائقين" الذين يعملون هناك حيث يتذكر الشاعر المسؤول الأول المرحوم عبدالرزاق البدر الذي تم نقله كذلك إلی قسم آخر لخلاف كان بينه وبين الموظفين الجدد الذي كان من المقرر أن يرأس ذلك القسم.ويتذكر الشاعر، المرحوم حمود فلاح الذي طلب من الشاعر أن يعمل معه ورحب الشاعر بذلك الطلب وبدأ العمل معه يسجل أسماء العاملين بالآلات الثقيلة .

يعتقد الشاعر أن الأشهر الأولی من عمله ككاتب الدوام في قسم العمال قد أفاده كثيرا حيث وجد وقتا كافيا لدراسة ما يود دراسته ولم يحدث له ما يؤثر سلبا علی حياته الأدبية ولم يجد أي معارضة أومضايقة فيما يقرأه أويدرسه.إلا أن لهذه الحياة الجديدة سلبيات وإيجابيات حيث وإن سمحت له في أشهر قليلة أن يمارس القراءة المستمرة ولكن بعد مضي الزمن أحس أنه تم إبعاده عما كان يريده من وراء ذلك العمل وترك الدراسة.

والتحاق العدساني بقسم السيارات ومن ثم بالآلات الثقيلة أوجد له حياة جديدة طغت علی حياته القديمة حيث بدأ شوقه بما يقرأ يقل تدريجيا وتتغلب عليه الحياة الجديدة بكل ما فيها من تغيير.فالذين كان شاعرنا يعمل معهم لم يبقوا زملاء عمل بل أصبحوا أصدقاء خارج العمل حيث تعرف علی الكثيرين الذين أصبحوا فيما بعد الرفاق الذين كان يحرص علی إبقاء صداقتهم فترك الشاعر ما كان عليه من اهتمامه الخالص بالأدب العربي لاسيما أن هؤلاء الأصدقاء لم يكن يوجد بينهم من كان يهمه الأدب العربي بقدر ما يهمه الشعر الشعبي والفن.

يقول شاعرنا إن أصدقاء حي القبلة مازالت النفس تحضنهم وإن رحل الكثيرون منهم كالمرحوم سالم المرزوق الذي عمل قبل تقاعده مديرا لكراج وزارة التربية وصالح محمد النافع الذي كان يعمل بإذاعة الكويت وعبدالسلام أحمد عازف الكمان.أما الذين لم تؤثر عوامل الزمن في اتصال الشاعر بهم فهم:عبدالرحمن محمد المنيس وعيسی العباسي وعبدالله عبدالرحمن السرهيد ومحمد عبدالله المدلج.
طغت حياة الشاعر الجديدة علی حياته القديمة بكل مفاهيمها ولم يعد لها أثر إلا في فترات متباعدة ومتقطعة فقد غلب عليها الفن رغم أنها كانت حياة مبعثرة لاتستقر علی حال تأتي بها الريح شمالا لتعود جنوبا.فالشاعر ترك في أوائل شهر أكتوبر عام 1956م العمل في دائرة الأشغال.

وذهب ذات يوم إلی دائرة المعارف ليستلم رسائل أخيه الذي كان يدرس في القاهرة فقدكان يرسلها إلی عبدالله الدرويش الذي كان يعمل آنذاك في مكتب استعلامات دائرة المعارف وبينما كان شاعرنا يستلم الرسائل حضر الشاعر أحمد مشاري العدواني في مكتب الاستعلامات سائلا شاعرنا مكان عمله.وشاعرنا أخبره أنه لا يعمل حاليا فيقول له أحمد العدواني الذي كان يعمل آنذاك نائبا للمدير العام الفني عبدالعزيز حسين أن يكتب كتابا وسرعان ما يكتب شاعرنا الكتاب ويذهب إلی أحمد العدواني حيث يتصل هاتفيا ويرشده أن يذهب إلی خالد المسلم.

كان أحمد العدواني من المدرسين الذين درس شاعرنا في المدرسة القبلية في الرابعة الابتدائية.وكذلك كان خالد المسلم مدرسه في مرحلة متقدمة في نفس المدرسة.وأدت هذه المعرفة إلی تسهيل الأمور حيث لم يجد شاعرنا صعوبة في تعيينه وعلی الفور استلم العمل في دائرة المخازن كموظف.
زارت الكويت جميلة بوحريد وزهرة طريف في سنة 1963م لجمع التبرعات للثورة الجزائرية فيكلف العدساني بأن يجمع التبرعات التي تأتي بها المرشدات وحضر الشاعر المدارس التي كلف بها من مدرسة زينب إلی آخر مدرسة في منطقة الشعيبة.كان علی شاعرنا أن يجمع التبرعات ويذهب بها ليلا إلی أمين الصندوق للوزارة وفي أحد الليالي التقی شاعرنا بالأستاذ أحمد مشاري العدواني الذي يسأله عن عمله.فيرد شاعرنا أنه يقوم بجمع التبرعات لجميلة بوحريد.فيقول له العدواني:تعال إلی مكتبي غدا.ويحضر الشاعر في الموعد عند العوداني حيث يعطيه ورقة قائلا له:تذهب غدا إلی المفتش الأول للموسيقی.ويذهب شاعرنا إليه وهكذا يتم نقله إلی التفتيش الموسيقي.وهكذا باشر شاعرنا بدايات عمله الفني حيث تعرف علی كثير من الموسيقيين الذين استفاد منهم كثيرا.

ولكن لم يدم عمل شاعرنا في تلك الشعبة طويلا حيث دب خلاف بينه وبين المسؤول الجديد الأخير فانتقل إلی المخازن ثانية وطلب شاعرنا أن ينتقل بصورة رسمية إلی المكتبات العامة فتم نقله بسرعة.

رحلاته وأسفاره بحثا عن الفن

كان شاعرنا ميالا إلی حفظ الشعر والأغاني الشعبية منذ صباه سيما ما يردد من أغاني البصرة مثل "نام يا ولد" و"طبووطنا" و"حلوة البصرة" و"الوجن" وأغان أخری غابت في مجاهل الأيام وبعض أغاني أم كلثوم ولكن في داخله شيء لم تتبلور ملامحه أكثر من حفظ الأغاني.

ففي الصيف عام 1953م حيث كان بصحبة داود اليحيی، ومحمد راضي الصانع، وعثمان العميري في أحد مقاهي الشارع الجديد الذي يسمی حاليا بشارع عبدالله السالم يطلب من عثمان أن يرافقه إلی سكة الصوف أوسوق الفحم كما يسميه البعض وكان يسكن هذا السوق شاعر الكويت فهد العسكر في آخر حياته.كان هناك في زاوية من هذا السوق معرض صغير يملكه فيروز الهندي لبيع بعض الآلات الموسيقية والإيقاعات.حيث يقف شاعرنا مع صديقه عثمان أمام ذلك المعرض فيشير إلی صاحب المعرض أن يحضر العود المعلق في الداخل ويرد صاحب المعرض أنه غال الثمن.

يقول العدساني للرجل: ما المانع من أن نراه.فينزل الرجل العود وبدأ الشاعر يقلب العود فيجد فيه جميع المواصفات التي تكون موجودة في العود الجيد.ثم يأخذ عثمان العود ويعزف ما يعرفه.وأخيرا يسأل شاعرنا صاحب المعرض عن سعر العود.يرد صاحب المعرض في البداية أنه بمائتين وخمسين روبية إلی أن يتوصلا بعد جدال إلی مائتين وعشرين روبية ويدفعان المبلغ وينصرفان.

يستلم شاعرنا وصديقه عثمان العود ويتجهان نحوديوان عثمان حيث أن الشاعر لا يمكنه الذهاب إلی منزله لأن والده لايرضی أن يری العود بيد ولده.وسرعان ما انتشر خبر هذا العود لدی بعض عازفي العود في ذلك الزمن منهم: سلطان المنديل وحمد النجادة ونجم بوغيث وعيسی بورقية.كان الرفاق يسهرون كل ليلة في ديوان عثمان والعود من يد إلی يد.

كان يتمنی الشاعر أن يعرف العزف حيث عرف اللمسات الأولی ولكن مثل هذه الطريقة لاتأتي بالأمل المنشود فقد كان التعليم بطيئا قديفلح وقدلايفلح.وعلی الشاعر أن يبحث عن طريقة أخری فالتحق بمدرسة صغيرة لتعليم آلة العود وكان يدير تلك المدرسة لبناني يدعی يوسف جلود.مكث شاعرنا في تلك المدرسة مايقارب ستة أشهر عرف خلالها ما لم يكن يعرفه عبر سنوات عديدة علی الطريقة القديمة.إضافة إلی ذلك عرف كتابة النوتة وإن لم يفلح في كتابتها وعرف معلومات عديدة منها معرفة الكثير من الأنغام.وبعدها التحق شاعرنا بمدرسة محمد صالح مصري الجنسية وعرف علی يده أشياء لم يعرفها من قبل.

يشبه العدساني نفسه بعد أن عرف العزف ولم يتقنه تماما بالأعجمي الذي يحاول أن يتكلم العربية.سافر شاعرنا عام 1956م إلی لبنان ليزور رفاقه القدامی الذين كانوا موجودين هناك.ثم رجع إلی بلده غير أنه عام 1957م يعود مرة أخری إلی لبنان.وهكذا توالت الرحلات إلی البلاد المختلفة حيث سافر في نفس العام إلی سوريا مع كل من محمد عبدالله المدلج وأخيه الصغير المرحوم عبدالكريم وسعود الفضاله الذي سمي فيما بعد محمد سعود الزيد، ومحمد راضي الصانع إلا أن الأخيرين سافرا إلی القاهرة.
ويمكث شاعرنا مع محمد المدلج في دمشق يستأجران شقة في ساحة النجمة فكانت تلك الشقة ملتقی أهل حي القبلة العائدين من لبنان.ويتذكر شاعرنا في تلك الشقة المرحوم سالم المرزوق والمرحوم عبدالرحمن سليمان الضويحي، وعثمان الحميدي، وعبدالرحمن الحمد.كما يتذكر شاعرنا أن في تلك الرحلة حضرت أم كلثوم إلی دمشق لإحياء حفلة هناك وكان رئيس الوزراء في سوريا هوصبري العسلي.

يشترون تذاكر تلك الحفلة من السوق السوداء بأضعاف ثمنها وكانت مقاعدهم في ذلك المسرح آخر صف ليس خلفهم إلا الجدار حيث كانوا ينظرون إلی أم كلثوم بمنظار أحد السوريين الجالس بالقرب منهم ثم حضر إليهم عبدالعزيز الخالد الذي كانت علاقته بالمرحوم سالم المرزوق طيبة قال لهم إن أهله في الصف الثاني وهم يهمون بالخروج فتعالوا إلی هناك.ثم يذهب الرفاق إلی الصف الثاني ويكملون الحفلة.
كما سافر شاعرنا عام 1958م إلی طهران بصحبة كل من محمد عبدالله المدلج، وبراك المنيس وعبدالله بن عمير، وحامد السيد.فكان براك مسافرا للعلاج وسكن الأصدقاء في شارع لاله زار في فندق يهودي كان يرفض أن يقال له يهودي بل كان يقول إنه كليمي.لم يكن الأصدقاء يعرفون اللغة الفارسية إلا حامد السيد ولكنهم فوجئوا أنه لا يعرف إلا لهجة جنوب إيران التي تعد لغة العجم في الكويت أما اللغة الفارسية الصحيحة فماكان يعرفها.فوجد الرفاق أن المرحوم أحمد القلاف يعرف اللغة الفارسية حق المعرفة.
وفور عودته من طهران يسافر شاعرنا وللمرة الأولی إلی القاهرة عام 1958م بصحبة المرحوم عبدالله ناصر محاولا في رحلته إلی القاهرة أن يتعرف علی عازف يتتلمذ لديه ليزود بمعلومات جديدة تخص العزف كما تعرف علی أكاديمي تعلم منه تاريخ الموسيقی.ويذكر الشاعر تلك الرحلة بخير حيث أنه نجح في العزف في تلك الرحلة.

وبعد عودة شاعرنا إلی الكويت اشتری عودا وذهب به إلی البيت إلا أنه كان يخفيه عن والده أما والدته فكانت علی معرفة بوجود العود ولكنها كانت تكرهه.فكان الشاعر يمكنه أن يمارس العزف عندما كان وحيدا في المنزل أوكان مع أخيه.

كما أن الشاعر كان يذهب إلی ديوان المرحوم يوسف الدوخي برفقة المرحوم عبدالله البندره والمرحوم عبدالله عبدالعزيز المنيس في منطقة المقوع الشرقي وهناك يتعرف علی يوسف الدوخي وتتوطد الصداقة بينهما.كان يوسف لايغادر هذا الديوان حتی ولوبقي وحده.إلا أن هذا الديوان سرعان ما أصبح ملتقی الشعراء والأدباء والفنانين وكان لديه مكتبة ضخمة تضم الألوف من الكتب والنوادر التي قلما يملكها أحد من العرب.من الذين كانوا يحضرون هذا الملتقی هم: المرحوم عبدالله عبدالعزيز الدويش، ونجم العميري، وشادي الخليج عبدالعزيز خالد المفرح، وبدر جويهل، وعبدالرحمن الضويحي، وسليمان العوضي.

ثم يتابع شاعرنا في حديثه عن هذا الملتقی قائلا: إن ذلك الجمع لم يدم طويلا فقد قطعته مواصلة دراسة يوسف في القاهرة فكانوا إن عاد عادوا وإن سافر ابتعدوا يجلس فيه أخيه عوض الذي لم ينقطع عن الجلوس فيه ولكن ليس كما لوكان يوسف موجودا.

ويذكر الشاعر أن من النوادر بينه وبين يوسف مساجلاتهما شعر الزهيري وورد ذكر ذلك في كتاب زهيريات العدساني.كذلك تمت بين شاعرنا وبين الشاعر عبدالمحسن عبدالعزيز الدويش أيضا مساجلات بالشعر العامي والزهيري.

سافر العدساني أواخر عام 1961 وأوائل 1962م مرة أخری إلی مصر برفقة يوسف الدوخي وعيسی العباسي حيث كانوا يعزفون العود وكان الشاعر يدرس تكملة تعلم العود.ومن ذكريات شاعرنا في رحلته إلی القاهرة أنه كان في القاهرة ذاهبا مع صديقه سالم مرزوق لحجز حفلة أم كلثوم إلا أنهما لايجدان التذاكر حتی في السوق السوداء.عند عودتهما يريان العساكر في أحد الشوراع المطل عليه مسجد عمر مكرم ويسمعان أحد الضباط ينادي بعض رجال الشرطة ويدعوهم إلی الاستعداد عند وصول جمال عبدالناصر.فيقول شاعرنا لصديقه سالم إذا لم نجد التذاكر فقد وجدنا ما هوأفضل منها وهورؤية جمال عبدالناصر عن كثب.فيقفان مع الواقفين ظنا منهما أنهم مثلهما ينتظرون الرئيس ولكن انتظارهم غير انتظارهما فهم مؤمرون أما شاعرنا وصديقه فكانا واقفين بملء إرادتهما.وعندما وصلت جنازة أحد المسؤولين يمشي خلفها جمال عبدالناصر كان شاعرنا قد دخل يده في جيبه فإذا بالرجل الواقف جنبه يمسك بيده سائلا عن شاعرنا ما لك أدخلت يدك في جيبك عندما رأيت الرئيس؟ يجيب شاعرنا أنه أراد بذلك أن يخرج علبة السجائر إلا أن الرجل لايصدق كلامه إلی أن يأتي ضابط آخر يری أن لهجة شاعرنا ليست مصرية ويطلب من زميله أن يترك الأمر.

كان يوسف، وعيسی، وشاعرنا مشتركين في دفع الإيجار إلا أن عيسی ويوسف كانا قد وقّعا عقد الإيجار لأنهما سبقا الشاعر في الذهاب إلی القاهرة وكان شاعرنا متأخرا لذهابه إلی بيروت.عندما يرجع عيسی ويوسف إلی الكويت ظل شاعرنا في الشقة لأن مدة الإيجار لم تنته بعد وعندما يعود شاعرنا مع صديقه ناصر في الليل إلی الشقة يجدان أن صاحبة الشقة كانت موجودة حيث يستغرب الشاعر وجودها في الشقة في ذلك الوقت المتأخر.فتقول صاحبة الشقة إن علی العدساني أن يخلي شقتها بسرعة لأن موقعي عقد الإيجار ليسا موجودين.يجيب الشاعر أن مده الإيجار لم تنته بعد ولكنها تحرص علی عدم وجود موقعي الإيجار.ويسأل شاعرنا عن الحل فتجيب صاحبة البيت أن علی شاعرنا أن يدفع إيجار المدة التي سيبقی خلالها في تلك الشقة.وأخيرا يدفع ذلك المبلغ وتأتي صاحبة الشقة بالعقد ويوقع الشاعر عليه.
وهكذا استمر السفر إلی مصر حيث سافر مرة أخری إلی القاهرة في أكتوبر عام 1962م بصحبة بعض الطالبات.كذلك عاد إليها سنة 1966م وسنة 1968م.

عندما انتقل شاعرنا إلی تفتيش الموسيقی أواخر سنة 1963م وعندما تسلم شعبة تصليح الآلات الموسيقية وجد الكثير من الآلات التي يمكن إصلاحها كما يمكن الاحتفاظ ببعض القطع كقطع الغيار.
كان العدساني ما بين سنة 1966م حتی 1969م ناشطا في مجال الأناشيد الشعبية في احتفالات الوزارة حيث اختار مجموعة من طلبة معهد المعلمين وكان ذلك ضمن نشاطاطهم المدرسية التي كان يديرها الأستاذ عبدالوهاب الزواوي.وكان شاعرنا يلحن الأغاني الشعبية التي لاتصاحبها أي آلة كما كان الأولون يقومون بها.يذكر شاعرنا من الطلبة الذين عملوا معه: سلطان غانم المفتاح، وعبدالله النصيب، ومحمد الرندي ابن المرحوم عبدالعزيز الرندي صاحب فرقة العرض المشهورة في الكويت، وسعود السميط.
زواجه ودوره الإيجابي في أدبه

تزوج العدساني في شهر شباط عام 1965م وكانت زوجته كريمة المرحوم محمد حمد بودي.تنتمي عائلة بودي إلی قبيلة بني خالد وبنوخالد ينحدرون من خالد بن الوليد المخزومي.ومحمد حمد بودي كان من القلائل الذين دونوا الشعر العامي وتاريخه وكان مصدرا لا في الكويت فقط إنما في الجزيرة العربية كلها فقد جمع مجموعة من الأشعار العامية ونسبها إلی مدوّنيها الحقيقيين.

يتذكر شاعرنا أنه توجه بعد زواجه نحوجميع القصائد العامية التي كان قد أنشدها قبل الزواج وأتلف جميعها واحتفظ بقصائده الفصحی.لم يكن شاعرنا راضيا عما كان يكتبه فكان يدرس بعد الحين والحين علم النحوكما أنه بدأ بحفظ الشعر مرة أخری بعد عام 1953م حيث ترك الأدب لفترة بسبب ظروف عمله الذي أبعده عن الأدب شيئا ما.ويری الشاعر أن زواجه أعاده بعض الشيء إلی الأدب.
رزق العدساني أواخر عام 1965 بأول أولاده الذي سماه إبراهيم نسبة إلی جده.ويذكر شاعرنا أنه عرف بعد زواجه أمورا لم يكن يعرفها من قبل واتخذ الصبر مسلكا له بعد هذا الزواج كما تبين له ذل الوظيفة الذي لم يكن يعره أي اهتمام قبل الزواج.فالشاعر قبل الزواج كانت رغباته بقدر استطاعته إلا أنه أدرك بعد الزواج أنه يجب عليه المحافظة علی البيت ويجب عليه أن يتحمل مشاقا أكثر لراحة أولاده حيث أنه إذا أراد أن يبقی علی ما كان عليه في السابق فلربما يضيع بيته الذي أصبح مسؤولا عنه فحاول أن يعمل وفق المثل القائل:" أحب ما تكره من أجل من تحب".

فوضع زواجه حدا فاصلا بينه وبين ما مضی وحاول الشاعر أن يسدل الستار عليه إلا أن الرياح الماضية كانت قوية ولكنه استطاع أن يكون ناجحا في هذا الصراع القائم بين الماضي والحاضر بإيمان صادق وعزم راسخ حيث أخذ الماضي يتدحرج أمام الحاضر شيئا فشيئا.

عزم العدساني الحج عام 1968م وكانت تلك الحجة أول حجه مع المرحوم نمش صالح النمش صاحب حملة النمش المشهورة في ذلك الوقت.إن دخول البيت الحرام والوقوف عند الكعبة له الأثر البالغ الذي لا ينازعه أثر وبهذا قضی علی معظم ما كان يرقص له الماضي وحل محله شوق الحج وتوالت حجاته لبيت الله الحرام إلی أربعة عشرة حجة وثمانية عشرة عمرة آخرها عام 2000م.

سيرة وحياة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى