السبت ١ آذار (مارس) ٢٠٠٣
شاعرة من المغرب

سهـــى حسيــــن

سهى حسين شاعرة من المغرب، وقصائدها المنشورة مع هذا الحوار تنبهنا الى شاعرة من طراز مختلف، إنها قصائد تغامر في عوالم خفية، في أنحاء من النفس قلماً يبلغها من لم يمتلكوا موهبة قوية، إنها تكشف غطاء السر عن حواسها الأعمق، عن خفة الروح، وولعها بعالمها، وعن غبطة النفس بما يبلغ أنحاءها من غامض الشعور. بهذا المعنى فإن سهى حسين التي سنقرأ شعرها والحوار معها، إنما تعد بما هو أكثر من صوت يعبر عن ذات ضيقة، أو انشغالات صغيرة لأنثى ترغب في البوح، إنها تكتب شعراً ينهض على قاموس لغوي ثري، وعلى وعي مرهف بالمفردات وإمكاناتها، شعر يريد لنفسه أن يتصل، من خلال علاقة جديدة مع اللغة، بأعمق ما في كينونة الانسان من شوق الى الحرية وفرح بالمغامرة. وإذ تنشر "المشاهد السياسي" هذا الحوار معها إنما تبدأ بها وذلك في سياق خطة تربط بين التجارب الشعرية والأدبية الجديدة في المغرب والقراء في المشرق العربي.

سألت سهى حسين،

 لماذا تكتبين؟

أبحث عن الحقيقة في مرآة الجمال، لتسمو روحي ويسمو العالم من حولنا، الشعر يمنحني تلك الفرصة الاستثنائية لأتعرف على ما أجهل فيّ.

 كيف تكتبين؟

تشتعل القصيدة في أغواري، تقودني، لترسو بي في بحرها الساجي، إذ ذلك أجدني أكتب، وقد لا أنتبه إطلاقاً الى نفسي كيف يحدث ذلك.

 لمن تكتبين؟

أكتب للأطفال . . للطبيعة . . للإنسان . . للحرية .. للأوطان . . للذين لا نحبهم. ولي أيضاً . . أكتب للدنيا ما دمت من أحيائها.

 متى تكتبين؟

الكتابة هي التي تملي علي شهواتها، تختار أزمنة عديدة وتفاجئني في أكثر الحلالات غرابة.

 هل تشكل الكتابة بالنسبة اليك حاجة قصوى لا راد لها؟

إذ تعشق لحظة تعانق الأرض والمدى وفي منتصف الليل في الخريف والشتاء، عند تفتح النهار، لحظة تتمدد الطبيعة في روحي وتسري في أنحائي. أحمل الجبل على كتفي ولا أرتد عن الكتابة.

 ما علاقة الكتابة بحريتك الخاصة في التعبير عن نفسك؟

عندما أفكر وأنفعل وأحب أجد الكتابة قريبة مني تستقطبني للانعتاق الذي تستلقي في مهده حرية البوح.

 كم مرة تكتبين قصيدتك؟

طبيعة القصيدة تجعلني أكتبها مرة واحدة أو مرتين أو أكثر.

الكتابة حرية

 هل تكتبين ثم تحذفين؟ ما دوافع الحذف، وماذا تطال في النص، وماذا عن الحذف، أهو فني أم تعبيري؟ ثم ما حجم التنقيح والتعديل الذي تجرينه على قصيدتك؟

ما دامت الكتابة تمنحني حرية فالحذف يمنح للقصيدة حرية أخرى. ويكون ذلك بالقدر الذي يسوي عماد القصيدة لتنهض تحت الثقل الذي هي له.

 هل تشعرين بعد الكتابة أنك كنت جريئة، وعليك مراقبة نفسك؟ أم تشعرين أنه كان ينبغي لك أن تكوني أجرأ، وأنك راقبت نفسك أكثر مما يحتمل الفن، وتحتمل رغبتك في التعبير؟

دوافع الكتابة هي التي تجعلني أراقب نفسي أحياناً أو أكون جريئة أحياناً أخرى، يتوقف الأمر على النص وحالاته، وعلى مزاجي الشخصي، وإن كنت أظن أننا في الكتابة مزيج من الجرأة والخوف، ومن الشوق الى الحرية ومحاولات تحقيق هذا الشوق، إنما نقف أحياناً على المستحيل. فليس هناك حرية مطلقة، حتى عندما يتحرر الخيال من كل أسر. فاللغة لها قوانينها وأعرافها وللصياغات المستقرة فيها سطوتها، مهمة الشاعر هي اجتياز الحدود، والتمرد على المألوف، من هنا تولد حريته، ويطلع علينا بالجديد.

أجنحة الكتابة

 هل تكابدين وتصارعين اللغة لتطوعيها، أم أن علاقتك باللغة سلسة الى درجة تتيح لك التعبير عن نفسك من دون مشكلات؟ وهل تشعرين أنك تكتبين بلغة خاصة، أم بلغة عامة تريدينها أن تكون خاصة؟

أحس بأنني أكتب بلغة عامة أريدها أن تكون خاصة، وهنا مشكلتي مع اللغة وصراعي معها ومع قدراتي وصولاً الى التعبير عن ذاتي الأعمق، وما يجول في مجهول هذه الذات.

أظن أنه ما دامت الكتابة تتجدد وتتحرك فاللغة بدورها يجب أن تولد لها أجنحة لتسمو وتتطلع.

 من هن الشاعرات العربيات الواتي تشعرين بأواصر قربى فنية وجمالية معهن؟

فدوى طوقان . .

 لماذا؟

ربما لأنها كانت من أوائل الشاعرات اللواتي قرأت لهن.

 هل تعتبرين لغة الشعر إنجازاً ذكورياً وعليك إخضاعه ليستوعب صوتك وأشياءك الخاصة؟

لا ، أبداً، فأنا أعتبر اللغة إنجازاً له مجاله الواسع والمعقد، وهذا ما يستهويني للغوص فيه لأخرج بما يستوعب أشيائي، وما يمكن أن يبقى منها.

الشكل والمضمون

 كيف اخترت الشكل الفني للكتابة الشعرية؟ هل بدأت بـ (قصيدة العمود)، أم بـ (قصيدة التفعيلة)، أم ذهبت رأساً الى (قصيدة النثر)؟ وماذا يعني لك الشكل اشعري، هل هناك علاقة تربط بين اختيارك الشكل الحرفي كتابة الشعر وبين رغبتك في التعبير الحر عن نفسك؟ المقصود هل للشكل الشعري الحر، في تقديرك، صلة بالتعبير بحرية أكبر، أم أن القوالب الفنية وضوابطها الموروثة لا تؤثر بقدرة الشاعرة على التعبير عن الذات في الشعر بالطلاقة المنشودة؟

كتبت أولاً قصيدة العمود، ثم انتقلت الى قصيدة التفعيلة، وها أنا الآن أميل أكثر الى قصيدة النثر، اختياري للشكل الحر مكنني من أن أطلق العنان لنفسي فترتفع الى تخوم من الحرية لم يكن في وسعي بلوغها مع الشكلين السابقين، لقد مكنني الفضاء الحر هذا من تشرّب الأشياء بفرح ومن إقامة علاقة جديدة مع الأشياء، مع المرئي والمحسوس، والمتخيل من أشياء العالم وأشياء الوجود، يخيل إلي أن الشكل الحر يحرر لغة الشاعر من الزخرف اللفظي والبريق الخارجي للكلمات، ومن الحدود الصارمة التي يمكن أن تصادر طلاقة الحالة، وتلقائية الشعور، وصولاً الى علاقة مع اللغة والمخيلة لا سلطة علينا لأي اعتبار قمعي في تلقي الأشياء والذهاب اليها في العلاقة مع اللغة. الشكل الحر هو مضمون حر كما قال أحد الشعراء العرب، اليوم بت أكثر من أي وقت مضى مؤمنة بذلك.

 ما الطاقة التي تقف وراء دوافعك اللحظية في الكتابة؟ هل تشعرين أن دوافع الكتابة شعورية بحتة، أم أن هناك شيئاً جسدياً يتحرك فيك ويملي، أو يحدد، مزاج الكتابة وميولها؟

الكتابة خلاصة روح وجسد في شاعرة يتلازمان ويتباعدان لتصل القصيدة الى مداها. إنها – الكتابة – السجل الوثائقي الكامل لغبطات الروح والجسد، ودرجة قصوى من فرحهما بالعالم، وإقبالهما على أكثر المناطق ظلالاً في الوجود لتلتقي الروح الشاعرةت بلغز وجودها في العالم، هنا عند هذا التخوم تولد القصيدة، وتولد شاعرتها.

 بماذا تشعرين بعد كتابة قصيدة؟ هل ترتاحين، هل تقلقين، هل يتغير فيك شيء، ما هو؟

بعد كتابة قصيدة أشعر بالارتياح.

 ما رأيك بعلاقة اللغة بالجسد في الشعر، شعرك أنت؟ والشعر العربي، لا سينما لدى الشاعرات؟

الرغبة الشعرية تعيق الوعي عند الشاعر بجسده ذكراً كان أم أنثى فتأتي اللغة نتاجاً لحرية الجسد داخل اللاوعي. أما فيما يخص الشاعرة العربية كأنثى فاللغة تتأثر بالجسد وتؤثر فيه كما أن هذه العلاقة تشبه فعل الطبيعة فيدخل الجسد في لغة متميزة تعبر عن حقيقة ما يريده، تخرجه من سجنه ومن دائرة التشيؤ، فتحرره من الزمني، وتطلقه في المدى الأوسع للوجود، بحيث يتحول هو والوجود الى وحدة متصلة، وأبعد من كل حدود، الشعري هو الإنساني بامتياز.

المؤنث متن

 ما المؤنث بالنسبة اليك، أهو هامش؟ أهو متن مختلف عن المتن المسيطر والسائد؟ أهو سؤال؟ أهو منطقة مواجهة؟ مع من؟ أم منطقة انسحاب؟ الى أين؟

هو متن مختلف عن المتن المسيطر والسائد. إنه خلق يمتزج فيه الروحي والجسدي بكل جمالياتهما مما يفتح للكتابة أبواباً على الرهافة والتمرد والحركية دأبها توسيع الدوائر وتقريب الآتي ويتجلى ذلك حين تخرج من صمتها وتظهر. والخلق الشعري مثله مثل ورود تتفتح في الرمال، وإشراق يقود الفن الى الحقيقة.

حرية الانسان

 هل الشعر مواجهة مع العالم؟ كيف يمكن تلمس فضاء هذه المواجهة وحدودها وإمكاناتها؟ وأين تقف الذات الشاعرة لأنثى هي أنت من هذه المواجهة؟ وما طبيعة المنازعات التي تفترضها مواجهة كهذه مع الذات إزاء العالم على أرض الفن، وفي مواجهة المجتمع؟

هذه المواجهة تبرز سلطة الشعر التي تفوق الملموس لتعانق جميع الأزمنة والأمكنة بقدر البعد والقرب، فتقف هذه الذات في المنطقة التي تتيح لها أن تنبض بمقوماتها كشاعرة أنثى فتلتصق بكل ما هو موجود، وذلك في سياق رؤيا، وتدفق لا انقطاع له في أرض الفن ومحاولة لامتلاك السر الذي يدعو للاندهاش الحقيقي في مواجهة العالم. الأنثى الشاعرة عندي، رغم الاختلاف الظاهر بين المرأة وبين الرجل، هي مبدعة تتوجه الى الانسان. ولا تقصر ما عندها على المرأة، إنها تتوجه الى كل

عن المشاهد السياسي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى