الاثنين ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

موسى ... الحلاق

موسى الحلاق، هذا هو اسمه، سعيد جدا به لسببين أولهما أن هناك مسلسلا تلفازيا بنفس العنوان ويحكي قصصا فكاهية يتعرض لها الحلاق ومن حوله من الجيران والأصدقاء، والثاني لأن اسمه يشابه اسم شفرة الحلاقة (الموس) والذي يحلق به للناس، كما ان لسانه حادا ايضا ولاذع، فما ان يجلس الزبون حتى تتراشق نترات التف من فمه على وجه الزبون الذي يحاول ان يبتعد عن اتجاه فهمه ولكنه تعود ذلك ويدركه جيدا، حتى انه في بعض الأحيان يتعمد عمل ذلك الفعل ليشعر نفسه ان بيده زمام رقاب ورؤوس الناس، شعور بديهي، يحسه بعد أن سمع إن الرؤوس الكبيرة تطأطئ لكل الحلاقين على مر العصور، ويعلم جيدا انه محطة إذاعة، وناقل أخبار من الدرجة الأولى، عادة ما كان يقوم بتزويق نفسه ويلمع شعره وشاربيه ويحلق ذقنه جيدا جدا، ثم يتلمسه بأصابعه ليشعر إنها تتزحلق على قطعة من الزبد، وبعدها يتنفس الصعداء مصحوبة بالزهو، ثم يخرج مجلة يتصفحها من ضمن المجلات والصحف التي تملأ المكان لتسلية الزبائن، الجميع من جيرانه يعرفون طباعه وسيرته، وهو قديم قدم مهنة الحلاقة، رجل يحب الحياة ويتهكم على كل شيء، ويحاول ان يعمل على حركة تميزه عن الآخرين فكانت تقليده شخصية ذاك الممثل موسى الحلاق، حتى انه غير من شكله محاولا التشبه به قلبا وقالبا، فانطبق عليه الاسم والمسمى وهو فرح سعيد، حتى جاء اليوم الذي دخل عليه رجل طويل القامة ذو شعر كث وكثيف، وله ذقن طويلة جدا ضاعت من خلالها معالم وجهه، فضاع فمه وعينيه وحتى أنفه، استغرب من فظاعة منظره، فهو لم يرى من قبل أحدا بهذا الشكل ولم يدخل عليه شخصا أشبه بالغوريلا، ضخم وكثيف الشعر، توجس خيفة، أراد أن يسأله لكن الكلمات قفزت هربا إلى داخل جوفه، فأشار بيده له كالأخرس، فأعتقد الآخر أن الحلاق أخرس فأشار له، انه يريد حلاقة شعر رأسه وذقه، فأعتقد موسى أيضا أن الزبون أخرس، فحمد الله لأول مرة على هذه النعمة، فهو لا يريد ان يتحدث بأي شيء مع هذا الزبون، كان المارة ينظرون إلى موسى وهذا الزبون ويضحكون، أما هو فمستغرب مثلهم، كما لم يدخل عليه كالعادة أيا من الأصدقاء أو الزبائن مثل كل يوم، شرع بوضع لباس الحلاقة، وقرص قليلا على قفا الزبون فنظر له بالمرآة بجحوظ، تبسم موسى وأشار له عبر المرآة عن كيفية الحلاقة، فقام بدوره انه يريد إزالة الجزء الأكبر من الشعر والذقن أيضا، عرف موسى عمله وقال في نفسه ..

يا له من يوم تعس أول زبون لي أخرس وقذر وذو رائحة، كيف لي أن أتحدث معه واخبره بذلك، كما كيف لي أن أعرف انه لا يعمل على ضربي إن فهم ما قلته وحسبها إهانة .. فمن يستطيع الوقوف في وجه هذه الغوريلا، وتطلع في المرآة وضحك حين قال في نفسه الغوريلا وهو ممسكا برأس الرجل الضخم، هو كذلك سأود بك وسأجعلك تفر من تحت يدي ولا تعود لي مرة أخرى أبدا، ومن ثم أصاب أذن الزبون برأس المقص، سحب رأسه إلى الأمام وأشار بيده غاضبا إلى موسى، فاتحا أصبعيه مشيرا إلى أن المقص قد قضم أذنه، رد موسى بابتسامة باردة بعد أن أصفر وجهه، معتذرا، عاد إلى جلسته الأولى، يا لك من حلاق مخبول، لم أكن أعلم انك أخرس ولا تستطيع الحديث، ولكني تورطت بدخولي صالون حلاقتك، سأستحملك فقط لكونك أخرس ونظيف، فكما أرى يا هذا .. انك تعتني بنفسك جيدا، ولكن كيف لي أن أحذرك من جرحي مرة أخرى، لا أدري , أرجو أن لا تعود لمثلها، كان موسى ينظر خلسة له في المرآة والى تعابير وجهه التي فقدت في تلك الهالة من الشعر، وبدت له شيئا فشيئا تنجلي وهو يعمل على قص شعر هذا الرجل، ثم يعمد الى فرك أنفه والتنفس بعيدا ثم يقذف بالزفير كمن ينفخ بالونا، شعر الرجل الضخم من حركاته ان ما يفعله نتيجة رائحته الكريهة، كشر عن أسنان فارقت الحياة مقدمة فم، وحرك كفيه مطبقا الواحد الى الآخر ومن ثمة أشار بأربعة اصابع ثم حرك السبابة والوسط على سطح يده، مشيا، ثم هز رأسه، وفي أثناء ذلك كان موسى يحاول معرفة ماذا يريد هذا الرجل، كان المقص قريبا فأصاب خلف أذن الرجل، استشاط غضبا، نهض من على الكرسي أمسك بموسى كلعبة هزه يمنة ويسرة، ناطحا موسى برأسه افقده التوازن، وهو يتكلم بلا صوت ,غضبا يشير الى موسى وخطأه الذي أجرى الدم من خلف أذنه وقبلها الأذن نفسها، كان موسى يتمايل كفرشاة، وهو مدلدلا يحاول أن يفهم هذا الضخم انه لم يقصد ولكنه كان يحاول ان يقرأ إشاراته التي قام بها، في تلك الأثناء تجمعت الناس أمام واجهة الصالون، ولكن لم يجرؤ أحد على الدخول لفض نزاع أو معرفة سببه، فرؤية هذا الرجل الضخم وموسى بين يديه اودت بفكرة الدخول وتقديم مساعدة، كل هذا والرجل الضخم لم يشعر لأن ظهره إلى واجهة الصالون، فأشار له موسى بعد أن أمسك عينه التي تورمت جراء النطح ..عنهم، وحين رآهم، برد غضبه وأنزل موسى إلى الأرض، وحاول الابتسام، وأشار لهم أن موسى قد قضم بالمقص أذنه مرتين وقد أجرى الدم منها، لهذا غضب، وبعدها أشار إلى موسى أن يكمل له الحلاقة حتى يذهب، بعد أن أشار له أن يعمل بهدوء ودون قضم أو وخز أو قص شحمة أذن، أما موسى فارتباكه جعله يفقد التوازن وهو يرى بعينيه الاثنتين أما الآن وبعد أن أغلقت إحداهما، كيف يعمل، إلا أن خبرته الطويلة جعلت أصابعه تقفز بسرعة لأنها قص شعر هذا الرجل الضخم، وما إن انتهى حتى بدأ بالذقن، وأشار له الرجل الضخم أن يحذر فبيده موس حلاقة، وهو آلة حادة فحذارِ من الخطأ، حاول بعدة طرق إفهام موسى، ولعل ضربة الرأس التي نالها، فتحت أفق دماغه فبات يفهم الإشارة بسرعة جدا، لم تمض سوى لحظات، وتكشف عن القناع الأشعث هذا وجه مألوف لرجل كان غائبا لفترة طويلة، ولكن الملامح ليست واضحة، عمد موسى الى الحلق بشكل كأنه يرسم الوجه الذي يعرفه منذ فترة طويلة، ولكن ذاك الوجه لرجل يتكلم وليس أخرسا مثل هذا، لا لا يمكن أن يكون هو، أني أتصور ذلك ولعل الضربة على عيني ووجع رأسي هما السبب، فأنا لا أكاد أميز شيء بوضوح، أما الرجل الضخم فقد غاب من الزمن فترة طويلة عن منطقته وحين عاد وجد كل شيء قد تغير، إلا هذا صالون الحلاقة، فهو يتذكره قبل خمسة عشر عاما، حين كان يعمل به رجل يدعى يعقوب، والآن هو بيد هذا الأخرس، وما أن قام من على الكرسي، أشار بيده إلى موسى كم قيمة الحلاقة، فنطق موسى لا شعوريا بالتعريفة .. صرخ الرجل الضخم، هل تتكلم .....؟!!! فتح موسى فمه وقال له .. هل تستطيع الكلام !!!!!

إذن يا رجل لما أوهمتني أنك أخرس وتحدثني بالإشارة، قال الرجل الضخم ظننتك أنت الأخرس، من تكون أني موسى .. وما صلتك بالرجل صاحب المحل، أنه والدي وقد أخذت المهنة عنه بعد ان توفاه الله نتيجة خصامه مع أحد الزبائن، فقام الزبون بطعنه بالمقص، آه ...، ولكن قل لي .. من أنت؟ أو لست حامد الذي دخل السجن بسبب طعنه والدي، لم يكمل الحديث حتى شعر موسى الدماء تخرج من بطنه وهو يجثو على الأرض. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى