الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم حسين أبو سعود

آخر زمن قصة لمنظر إمام

رفع الشيخ الكبير رأسه وجال بنظره في أطراف الغرفة وكان أولاده الثلاثة يتحلقون حوله وعلامات الحزن تبدو على ملامحهم المتقدة إشفاقا على إطراقة أبيهم، وكان الشيخ يعلم بان أولاده يحبونه كثيرا ولكن كثرة خصامهم وشجارهم كانت مصدرا لقلقه والله وحده يعلم ماذا كان يحدث لو لم يكن الأب بينهم.

وكان الرجل قد أحس ّ بدنو اجله وفكر بنصيحة مناسبة يسديها لأولاده لعلهم يتركون الخصام ويتجهون نحو التفاهم والاتحاد والوئام.

وفجأة لمعت عيناه بالفرح ،فقد تذكر قصة ذلك الأب الذي احضر عددا من العصي وطلب من أولاده أن يكسروها وفشلوا جميعا.

تنفس الشيخ العجوز الصعداء وأحس بالطمأنينة وعلا البشر وجهه الملئ بالأخاديد والتجاعيد واستدار نحو ولده الأصغر قائلا:

 فخري

 نعم يا أبي

 اذهب إلى السوق واحضر عددا من العصي

 عصي!

 نعم، نعم عصي

 ولكن من أين آتي بالعصي، فالزمن زمن الغاز الطبيعي والنفط؟

 لا ادري، احضرها من أي مكان

أذعن فخري لأمر أبيه الصارم وبحركة رياضية مليئة بالنشاط خرج من المنزل، فاقترب الولد الأكبر من أبيه وسأله بتعجب عن سبب طلبه للعصي، فانتشرت أنوار الحكمة على وجه الأب وقال:

أريد أن ألقنكم درسا في الاتحاد

فازدادت حيرة الابن الأكبر ونظر إلى طرف أخيه الآخر دون أن ينبس ببنت شفة.
وبعد مدة وجيزة دلف الابن الأصغر إلى الداخل ومعه عدد من العصي القوية والغضب يقطر من عينيه، فسأله الأخ الأكبر:

ما الحكاية يا فخري هل تشاجرت مع احد؟

كلا، ولكن الحقير باعني العصي بثمن باهظ، و .... ولكن الشيخ لم يدع ابنه يكمل حديثه وطلب منه أن يربط تلك العصي بحبل، فقال فخري:
أتيت بها مربوطة يا أبي.

حسنا حاول الآن أن تكسر هذه الحزمة من العصي.

ماذا؟، لقد تعبت في الحصول على هذه العصي يا أبي والآن تطلب مني أن اكسرها- قالها بتعجب.

فقال الأب بغضب: نعم نعم أقول لك ارني كيف تكسر هذه الحزمة؟

فوضع فخري الحزمة في وسط الغرفة ، وقام ببعض الحركات البهلوانية وصرخ صرخة ارتجت لها أركان الغرفة وهوى بقبضته على الحزمة فانكسرت وتبعثرت قطع العصي هنا وهناك وقال:

إليك يا أبي العزيز فقد كسرتها جميعا.

فوقف الأب مشدوها لا يدري ماذا يصنع ثم قال بحيرة:

ما هذا، كيف انكسرت الحزمة؟

فأجاب فخري بانكسار متصنع:

ماذا أقول يا أبي العزيز، لعلك لا تدري باني حاصل على الحزام الأسود في الكاراتيه منذ ثلاث سنوات...

*منظر إمام قاص باكستاني من جيل الثمانينات له الكثير من الأعمال ولكن قصته هذه نالت استحسان النقاد في حينها لأنها تحكي باختصار التغير السريع في المفاهيم، وتباين طرق التربية بين الأجيال، وفيها دعوة إلى ابتكار طرق حديثة للتربية تلاءم متطلبات كل عصر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى