الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم عثمان سليمان العيسى

استنساخ الأنبياء!!

حدثني أحدهم: " ركبت مترو الأنفاق في إحدى المدن الكندية وجلست، دقائق ثم قام قس نصراني يعظ الناس ويبشّر بدينه رافعاً الإنجيل بين الفينة وأختها مذكّراً داعياً لاتباع ما فيه من تعاليم، فجأة.. بدأ القسيس ينتقد النبي صلى الله عليه وسلم انتقاداً قبيحاً بشعاً بطريقة مقززة، ويصفه بأوصاف يندى لها الجبين، عندها قامت إمرأة في الثلاثينات من عمرها.. سافرة.. متبرجة.. تلبس تنورة تجاهد لتصل ركبتها.. مشت حتى وصلت للقس ثم ضربته بيدها على وجهه بقوة حتى سقط على قفاه وسقط معه إنجيله قائلةً بصوت يسمعه الجميع: لا تذكر نبي الإسلام على لسانك!!

ذاك أكرم وأطهر وأشرف وأكمل رجل عرفته البشرية قاطبةً!

تلك المرأة لم تدع لأحدٍ أن يقول شيئاً بعد تعليقها ذاك، تاركةً إياي منزوياً خَجِلاً من موقفي المتخاذل في موقفٍ يحب فيه الله نصرة هذه المرأة لنبيه!"

هذا حديث قصدت فيه أن أكون واضحاً غاية الوضوح، صريحاً كل الصراحة، زاعماً أن الوضوح والصراحة في الموضوع الذي أناقشه استثناء، فقد صبت في مجرى حياتنا روافد كثيرة، منها رافد الخوف، ورافد المزايدة، ومنها رافد التحسب لكل احتمال، وخلف ذلك كله يلوح سد كبير، يتمثل في قاعدة هلامية كلٌ يجذبها إليه (إنّا وجدنا آباءنا على أمة).

إن أعظم عقبة تواجه العقل وأحفلها بالتحدي: التخلص من فكر الآباء.. الذي نهانا الله عن اتباعه..

وموقفنا من الآباء يتحدد بآية أننا نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم.
ومن فكر الآباء الذي أُمِرنَا باطِّراحه ذلك التفكير الملائكي بخيرية المتحدث (أو مجتمعه) وبدعية ما سواه!!

إننا - بلا استثناء - نقع في محظورات كبيرة , ونجد أن لا أحد من حقه أن يصمنا بالعلمانية أو الإنحلال أو الفساد بزعم أننا بشر ضعاف.. الخطيئة حاصلة منا لا محالة!!

ولكنا مع ذلك لا نتوانى عن إطلاق الأحكام جزافاً.. بلا خطام ولا رادع.. فكل من فعل أو قال كلمةً معينةً وافقت الهوى العلماني أصبح علمانياً جَلْدَاً!!..

إنَّه من الظلم الكبير أن تترسخ في عقلية مجتمعاتنا - كمعادلات رياضية ساذجة التحليل حدّية النتيجة -.. متلازمات من نوع: كل متبرجة فاسدة = كل متبرجة علمانية..!! ومترادفات على شاكلة: كل مبتدع ضال.. إذن كل ضالٍ في النار!!

إنه لا شيء أضر على قضية من معالجتها بالحماس مع الجهل. ولا أضر على الدين من فتوى يصدرها نصف طالب علم. ولا أزعج للآذان من سيمفونية يشترك فيها نصف فقيه ومستمع مغيّب العقل!!

البطولة الحقة هي القدرة على تجاوز الذات، ومراجعة المعتقدات التي صاحبت سنوات التكوين، وكم من آراء تبنيناها ونحن بعد على عتبات الوعي، فلما اكتمل وعينا اكتشفنا أنها كانت ساذجة، وأننا كنا أكثر سذاجة منها.. لأننا نضجنا فعلاً، خلاف البعض الذي يظل أسير مراهقته الفكرية، ورغبته العارمة في الاستعراض، و" تلوين الكلمات " من دون أن تمر هذه الكلمات على مصفاة الضمير، وهو نفحة الله فينا!!

يحكي (خالص جلبي) في إحدى مقالاته أن ستة من كفيفي البصر أرادوا "رؤية" فيل، فاقترب الأول مِنه وتحسّس خرطومه، وقال: ليس الفيل إلا أفعى، ووقعت يد الكفيف الثاني على رجل الفيل فقال: بل هُو شجرة، و الآخر لمس جنب الفيل فقال: بل هو جِدار، والرابع تحسّس ناب الفيل، وقال: بل هو حربة، و الخامس لمسَ ذيله، وقال: بل هو حبل، بينما السادس تحسس أذنه و قال: بل هو كالمِروحة!

طبعاً الكُل وصف ما رأى من واقِع تجربته، لكن لو شدّ صاحب "الأفعى" صاحِب "الحربة" لجعلهُ يرى الحربة أيضاً و لو تبادل هؤلاء الستة أماكِنهم لرأى كل منهم الجزء الآخر من الحقيقة ولتفقوا بدلاً من أن يختلِفوا و يتمسّك كل منهم برأيِه!

الشاهِد أن المرء يصبح كفيفاً عن باقي الحقائق لحظة يعتقِد أنه الوحيد القادِر على الرؤية الصحيحة!!

*** ومضة ***

مشكلة الكثير منا أنه يريد استنساخ الأنبياء في عصرٍ انتهى فيه عهد النبوة!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى