الاثنين ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم ميمون حرش

نــــســـاء ورجـــــال

هل تعرفون الحاج الخزاف أحمد سليمان ؟

دعوني، إخوتي،أقدمه لكم: "الحاج أحمد رجل مِئْـناث،ولدت له زوجه سبع بنات متواليات،ورغم أنه ضرب في الأرض طولا وعرضا ليجرب السحر هنا، والطب هناك ،والشعوذة هنالك عله يرزق ولدا، لكن القدر كان وفيا لنفسه وللأنثى التي تحبل بها زوجه، الأمر الذي حمله على الاعتقاد بان لعـنةً ما تطارده وتنوخ على ظهـر حياته، وحين أيقن بأن الحمل الثامن لـن يكون سوى أنثى ثامنة(العار الثامن بالأحرى)، عنت له فكرة جهنمية تتمثـل في جعـل الطفل الذي سيولد أنثى حتى لو كان ذكرا،على هذا قـــر قراره، فكان تصميما راسخا أشرك خيوطه مع القابلة، والزوج الحامل، لغسل هذا العار، ولو إلى حين، وذلك بإعلان الوضع طفلا ذكرا. وكذلك كان، تضع الأم المغلوبة أنثى كما حـزر أحمد، فتقام الليالي الملاح فرحا بالطفل الذكر/ الرجل؛ أطلقوا عليه محمد أحمد؛سينشأ ذكرا في عيون الآخرين، وأنثى في نظره..لـن تـتخيلوا المأساة التي سيعيشها محمد أحمد، فقط ليرضي أباه الرجل، ومعه الناس من حوله."

تستطيعون أن تحـزروا النهاية المأساوية التي آل إليها أحمد المتسربل في جسد أنثى، غَـيَّـر مسارها نظرةُ المجتمع الذكورية،فكانت بداية حياته غلطة فظيعة، ووسطها كانت عبارة عن قطعة من العذاب ،أما خاتمتها فأترك لكم المجال مفتوحا لاكتشافها، ستجدونها مدونة في رواية:" طفل الرمال" رائعة كاتبنا المرموق والمتميز الطاهر بن جلون.

الذي يهمنا هنا والآن هو كم أحمد سليمان/ الأب لدينا، وكم أحمد/الطفل الضحية أيضا أُنزل به هذا العذاب في الدنيا في سادية عربية بماركة مسجلة، فقط من أجل إرضاء غريزة حيوانية تنتصر للذكر، وتقصي الأنثى في معادلة عجيبة غريبة.

إن أمثال الحاج أحمد كثيرون، فلا تَـــظُــنـَنَّ بأن الذهنيات تغيرت، وتستطيعون أن تجزموا بأن الذي تغير- اليوم- هو أن الإساءة للأنثى أصبحت تأخذ أشكالا جديدة ليس إلاَّ؛ ففي الجاهلية مثلا كان " الرجال" يرمون بفلذات أكبادهم في حفر، ويردمون عليهن التراب باستخفاف لا مثيل له، أما اليوم، في زمن اليوتوب، فالحفر ذاتها لا تزال باقية ما دام حفار القبور باقين، في أيديهم معاول جديدة أكثر فعالية، يحرصون أن تكون الحفر بها عميقة، لم يتغير فيها سوى التراب الذي تحول إلى حفنات من البيتردولار،غــدت المرأة به تعاني من اختطاف اجتماعي، إذ ما عاد يفكر الخاطفون سوى في المرأة كجسد عارٍ يُؤثث الأمكنة،والاستوديوهات،والإشهارات، وبذات الجسد العاري تتجمل أفلام البُرنو(الاستعمار الجديد) إلى أن أصبحت النساء في نهاية المطاف، مهما بلغـــــن ذروة المجد، مجرد مطيات للرجــل لا يصلحن سوى للنكاح، والرقص الداعـر ،هن لا يجـدن ، في نظر " الرجال"، سوى التصريح بالممتلكات( عفوا الكشف عن المفاتن) حيثما حللن وارتحلن.

إن تقديم المرأة- كما حصل في الصيف الفارط في بعض القنوات اللبنانية - كتسونامي جنسي، واعتبارها مجرد شبـقـية، شغلها الشاغل هو ممارسة الجنس أوالحب كما يحلو للبعض أن يسميه،كما حصل مع "وفاء"، أمر لا يدخل في الحرية الشخصية، إنما ببساطة و بدون فلسفة هو سوء أدب، وحتى وقاحة ، وإذا كان الأمر له صلة بطرح مشكل اجتماعي وبسْطه فيما أصبح يسمى بتلفزيون الواقع من أجل منح الرؤية، ولفت المشاهد إلى الأشياء من حوله عبر تعرية هذا الواقع فقد تم فتح قنوات عدة للنقاش، وبهذا يكون البرنامج قد قام بدوره، ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع من باب (وإذا ابتليتم فاستتروا) فكان لزاما على وفاء وكوثر الأُنثيين بطلتيْ برنامجين مختلفين في قناتين لبنانيتين أن يسترا بلواهما ؛ يجب أن نعترف بأن الأمر لا علاقة له بالحرية الشخصية التي دافع عنها البعض،لأنه بذات الحرية أقول كان يجب ستر مايجب ستره، على الأقل مراعاة للمشاهد.

الأسرار الجنسية الفاضحة لا تعني إلا أشخاصها، ألف آمنا، لكن حين تتسلط على الآخرين في مجتمع إسلامي، وتدخل بيته عبر تلفزيون يتفرج علينا وليس العكس، بدعوى نشرها من باب منح الرؤية وطرح المشكل، تغدو شاذة متورمة لأنها تتجاوزأ صاحبها وتتسلط على الآخرين بوقاحة لا نظير لها.

نحن في حاجة لمـن يتحدث عن مشاكلنا، ويطرح قضايا بشكل سليم وهذا جميل حقا، لكن ما ليس جميلا( حتى لا أقول قبيحا) هو تبخيس قيمة المرأة، واعتبارها مجرد عاهـرة لا تجيد سوى رفع الرجلين من أجل افتراع ثمنه باهظ، قد يودي بحياتها .

بالله عليكم، كيف نسمي هذا، أليس وئدا جديدا للأنثى؟!

أليست هذه جاهلية جديدة، جاهلية اليوتوب، في زمن أصبح فيه أعداء المرأة لا يرون في الأنثى سوى الجسد.

في مجتمع عربي، كل التناقضات أعمدته،و مؤسس على أخلاق زائفة وبإحكام،لا يحدث فحسب أن يُـنظر إلى المرأة على أساس أنها نشاز فقط،بل لا يعود لها مكان البتة في نظام يريده الرجال ذكوريا بامتياز .

الرجولة المفروض أن تُــفهم ، وتُـدرك بمعانيها السامية، على أساس معنى الأريحية، والشهامة، وجميل الأخلاق، وليس بمعنى الذكورة .

ما أكثر النساء الرجال بهذا المعنى السامي، ولنا عبرة في نساء "أنــفكـو" مثلا على سبيل المثال لا الحصر، من ينظر إليهن يكتشف فوق رؤوسهن قبابا حارقة من التحدي، كل قبة تنيخ على الظهر أو الرأس تترك أثرا كما الجرح الذي يستمريء الجسد ويرفض كل اندمال، وكل قطعة حطب منها لا تمدهن بالشجاعة فقط، بل تملأهن بأسا،وقوة لمواجهة شظف العيش، وضنكه، يفعلن ذلك، وهن طاويات، ومرملات ببيداء مثل حال أنـفكو لا يقوى أحد على مجرد التصدي لطقسه ليوم واحد، فكيف بالعيش فيه بشكل مستمر مادام في العمر بقية ؛أمثال هؤلاء، ما أكثرهن، المجد لهن، ولله درهن في الصحو والمطر، والحر والبرد.. منهن شقراوات جميلات، وكواعب بعيون زرقاء، ومع ذلك الشرف عندهن لا يضام، مستعدات- في غياب أبسط شروط العيش- أن ينضجن في أفران الشرف، على أن يبعن أجسادهن في فيلات مفروشات مكيفة لكنها مدنسة.

لماذا إذاً، نتعامل مع المرأة بقاعدة جبل الجليد، بحيث نرى جزءً من هذا الجبل بارزا فوق سطح الماء دون أن نقدر حجم وصلادة الجزء المغمور منه تحت الماء.

نماذج النساء اللواتي يتعرضن لأبشع صور الاستغلال في الإشهار، وفي بعض البرامج من أجل الكشف عن خباياهن الجنسية الفاضحة هن مجرد هذا الجزء الظاهر من الجليد، أما ما خفي منه فهو المعدن الأصيل الذي جُبلت منه نساء من نوع آخر،إنهن أكثر صلادة، وقوة وهن في الخفاء كما هذا الجزء الرائع والقابع تحت هذا الجليد.

تحية لكل النساء الرجال، ولكل الأمهات الرجال، وليُبارك الله في كل امرأة عفيفة،مؤمنة،ومجاهدة،تحرص على تربية أطفالها على الخلق الحسن، مع الانخراط في الواقع، لِـــبُـغيةٍ في النهاية هي التنمية، جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل وليس ظهرا لظهر لمجرد اختلافهما في الجنس، هو من المفروض يستدعيها، وهي من اللازم تلح في طلبه من خلال العمل سويا لما فيه خير لهذا البلد.. أما من يجردها من كل قيمة، معتبرا إياها مجرد جسد،فهو كمن يبحث للقط عن رجل خامسة.

نحن مع النظام، وتقسيم الأدوار بين الرجال والنساء على السواء للعمل على تكريس البناء وليس الهدم، ولكن، في مجتمع تسود فيه ذهنيات تعمل على إقصاء المرأة، لا يحدث فحسب أن يكون كل امرئ في مكانه، بل لا يعود هناك مكان بتاتا للمرأة لأنها نشاز في هذا النظام مادام صوتها عورة، وجسدها عورة،و.. و.. وتئيض الواوات هنا إلى ما لا نهاية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

دعوني أعود إلى الموضوع الذي بدأته.

ما يؤسف عليه حقا هو أن بعض الآباء لا زالوا - في زمن الأنترينت- يبدون تبرمهم حين ينجب أحدهم بناتا، في الوقت الذي يملأ ون الدنيا ضجيجا وعجيجا حين يزدان فراشهم بأطفال أولاد، حفل الولد، بالفرحة به، يغدو نارا مؤججة، ونصيب البنت منها مجرد نسيسها، والآباء تتولد لديهم رغبات عجيبة تنداح، وتتحول إلى فرح يتلوه حديث عن الإرث، لأنه يصبح رجلا متحررا من هذه العقدة( الرجل بدون ولد/ ولي العهد، أملاكه تؤول لأشقائه، ولا ترث بناته مما يترك سوى الثلث).. ومهما حاول بعضهم إظهار الفرحة بازديان فراشه بالأنثى، فهو لا يفتأ يتنهد من كمد.

منهم من يدعو الله لأن يرزقه ولدا ليس بنتا، مع أن العاقل هو من يدعو الوهاب كي يرزقه طفلا سليما ذكرا كان أو أنثى ولاسيما في هذا الزمن الرديء المسيج بكل الأمراض، منهم كذلك من يصب جام غضبه على زوجه، ويلصق بها كل اللعنات لأن رحمها في رأيه يحول دون إنجاب الأولاد من عطل، أومس،أوشؤم، أو لعنة.

المرأة إذن ليست غلطة طبيعية، بل اختطاف اجتماعي كما قلت،ذهنيات نرجو أن تأتي أيام وتزول.

أما بالنسبة لمن يتبرم من زوجه لأنها تضع الإناث بدل الذكور، فعليه أن يفهم بأن العلم أثبت أن ذلك مرده للرجل لا المرأة، فكفانا من الحطب ليلا.

امرأة قديمة وعت هذا السر بالفطرة، قالت لزوج هجرها لأنها ولدت له ثلاث بنات متواليات:

مــا لأبي الذ لفــاء لا يأتـينا
وهـو في البيت الــذي يلينــا
يغضب إن لــم نلد البنــــينا
وإنما نُعطي الذي أُعطــينــا.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى