الخميس ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠

حلم بمذاق الـكرز

اسماعيل واري

في البنك، تسمر أمام الشباك الأتوماتيكي، أدخل بطاقته لمعرفة الرصيد، لم يجد شيئا، حسابه فارغ. ظن أنه ما زالت هناك بعض النقود لاستكمال بقية الشهر. خال أن هناك خطأ في حاسوب المصرف، فعاد الكرّة. لم يجد إلا الفراغ. انسحب متأففا، مرّ بمحاذاة المحلات التجارية، متمعنا واجهاتها الزجاجية حيث عرضت وبالثمن الثابت، معاطف، وألبسة داخلية، وأحذية.

حاول أن يحلم، ما دامت النقود غير متوفرة، قال : لو كنت شبحا لدخلت وارتديت ما أشاء، وخرجت دون أن يراني أحد، وسأكون حينئذ "بِـلوكٍ" جديد.

عاد لواقعة وتابع المسير. الشمس تميل نحو الغروب، والمساء هلّ ليله. وليله هو شاق المسار، وحلو، ذو متعة لا يعرفها سواه. ذهب إلى أحد الأسواق الشعبية، وأكل بعض المأكولات الخفيفة، وقال لصاحب المحل، الذي يعرفه: سجل في الدفتر إلى آخر الشهر. لا تنزعج، حسابك ودينك سأرده بالتمام والكمال. وأسرُّ لك بأني على وشك الترقية. حالي سيتغير، وربما سأبدلك بأصحاب المطاعم الفاخرة. لكن لا تخف إني أمزح معك، سأظل وفيا لمحلك.

اقتنى بالتقسيط بعض السجائر، ومشى في الشارع الكبير، أشعل لفافته ودخنها، حلم بأنه لو كان دخانا، لسما في الأعالي، ولاستنشقه الآخرون، وسيعرف مكنونا صدورهم وبوحهم، سيعرف كيف يعيشون وكيف يحلمون. ململ رأسه، وانتفض من الشطحات التي يغويه بها شيطانه. شيطانه هو نفسه. يقود خطواته، وهو يتلكأ، وينحبس. لم يتمالك عزيمته حتى خارت، دخل إلى أحد الحانات.

الصخب والضحك، وقهقهات المومسات، والكؤوس تتقارع, اللماضات موزعة في كل مكان. جلس بجانب الكونطوار، طلب قنينة نبيذ، بدأ بصبها، جرع الكأس الأولى. الجرعة لا تكفي. وضع القنينة مباشرة في فمه، تصورها ثغر أنثى، يتلذذ بشفاهها، ويذوق عسل لعابها، يخالها امرأة لا ترتدي سوى ملابس سوداء شفافة، وأيديه تجس تضاريس جسدها، حلم بمذاق الكرز.

في لماضته نصف ليمونة، وضعت ليعصر ماءها في النبيذ، يمر يده عليها، يظنها نهد فتاة بكر، نضجت باكورتها.

طلب قنينة أخرى، واستمر في الحلم. أتت بمحاذاته إحدى البغايا اللواتي يملآن بارات المدينة، بعد أن يكن قد اختفين في صباحهن، لا يظهرن إلا كمخلوقات ليلية، أو كخفافيش الظلام، ليغرسن أنيابهن في رواد الماخورات السدج، أو الباحثين عن اللذة العابرة.

حفته، ومررت يديها على كتفيه، وشاطرت سمره، صبّ لها كـأسا، ارتشفته كحلم، بدأت في ملامسة فخذيه، وهي تغازله بغنج، ارتعش، وتلعثم، عرضت عليه سلعتها، أرته ثدييها، وجمال سيقانها وفخذيها المكتنزين، تنورتها القصيرة كشفت له عن ثبانها الأحمر. وافق على البضاعة، بعد أن وضع يده على مؤخرتها. طلب زجاجة ويسكي، وقبل أن يغادرا المكان، همس في أذن النادل:

سجل إلى آخر الشهر.

اسماعيل واري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى