الأحد ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم إبراهيم قويدر

يرحمك الله يا «حاج الفرجاني»

فارقنا يوم الأربعاء 8/12/2010 حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى الحاج الفرجاني أمنينة عن عمر يناهز التسعين عامًا..غادرنا الحاج الفرجاني الرجل الذي عاش حياة مملوءة بالكفاح حيث تعرض في مسيرته الدنيوية لكثير من الصدمات التي كان دائمًا يخرج منها منتصرًا بإرادته القوية وأيمانه العميق بالله سبحانه وتعالى.

غادرنا الرجل الذي كان أحد الليبيين الذين تطوعوا للجهاد في حرب فلسطين عام 1948 ....وكنا دائما في "مربوعته" نستمتع كثيرًا برواياته عن تلك الحقبة الزمنية ورحلته مع بقية المتطوعين من مدينة بنغازي إلى السلوم، وكيف كان استقبالهم هناك والصعوبات التي تعرضوا لها ورفض الأمن المصري في البداية السماح لهم بالدخول ثم بعد إصرارهم تم وضعهم في معسكر للجيش المصري تدربوا فيه قليلاً؛ لأن معظمهم كان له خبرة في استعمال السلاح المتوفر في ذلك الوقت، وبعد ذلك انخرطوا وشاركوا في بعض المعارك.

كان فخورًا بإصابته في تلك الحرب رغم أننا كنا دائما نشاكسه في تلك الإصابة ونقول له: إنكم أصبتم بعد فراركم، ولكنه كان يجيب بمرارة عن روايات الخيانة التي حدثت في تلك الحرب.

كانت "مربوعة" الحاج الفرجاني مجلسه الذي كنا نلتقي فيه، منا من كان يحضر كل يوم، ومنا لظروف العمل كان يحضر مساء الخميس، وكان هذا هو يومنا المفضل للاجتماع، وكنا إما أن نصلي العشاء جماعة ثم نتسامر، أو نحضر بعد صلاة العشاء، واستمر مجلسه عامرًا منذ ثلاثين عامًا في نفس المكان بشارع البزار حيث يقطن.
وكان من رواده المرحوم الحاج عابد البناني الذي يشهد له بفراسته وذاكرته القوية في أنساب قبائل وعائلات ليبيا عامة وبنغازي خاصة، وكذلك المرحوم عبد الرازق شقلوف وزير المالية الأسبق، والمرحوم الأستاذ المربي محمد بن شتوان، والمرحوم الحاج عبد السلام المطرى والأستاذ الفنان سليمان بن زبلح، والأستاذ الرسام الليبي الكبير عوض أعبيدة، وفي بعض الأحيان كان يتردد علينا الفنان يوسف العالم.. وكثيرون تعاقبوا على هذا المجلس العامر الذي تشرفت بالتواجد فيه طيلة مدة زمنية تزيد عن الخمسة والثلاثين عامًا.

وكنا دائمًا نداعب المرحوم الحاج الفرجاني بأن كل زملائه انتقلوا إلى جوار ربهم، وهو سيأتي دوره قريبًا، فيرد علينا مازحا، سأرتاح عنكم أنتم جميعا، لأنني أولاً راعيكم في هذه المربوعة، وبالتالي فالواجب أن أرتاح عليكم وأودعكم جميعًا، ثم ألحق بكم .
ويشهد لهذا الرجل بالشجاعة في الحق، فكان لا يخاف فيه لومة لائم، فقد كان سباقًا يسارع دائمًا لنصرة المظلومين والوقوف مع المحتاجين، حتى وإن كان في وقت الضيق ولا يملك إلا القليل، فكان لا يتوانى لحظة في أن يقدم ما لديه لكي يفرج كربة ألمّت بجارٍ أو صديق.

وفي كل المواقع التي عمل بها كان محبوبًا من الجميع، وإن لم تكن له وظائف قيادية أو إشرافية، ولكنه كان هو القائد الاجتماعي المحبوب من الجميع في كل مواقع العمل التي عمل بها، سواء في الصحة أو في شركة الخليج أو الضمان الاجتماعي، وقبل ذلك في شركات البترول الأمريكية، أو في أثناء انخراطه في أداء واجبه التطوعي العسكري.

الحاج الفرجاني كان يجمع المال من القادرين ليمنحه لغير القادرين في السر والعلانية، كان يساعد حسب إمكاناته، ذو روح مرحة، يحب الجميع ويحبونه جميعًا بلا استثناء: كل جيرانه وأبناء مدينة بنغازي القديمة.

حتمًا ستفتقده شوارع البزار وقصر حمد وسوق الحوت وشارع المهدوي، وحتما سيفتقده ناس هذه الأماكن الذين تعودوا على مروره عليهم ومداعبتهم إياه، وردوده الساخرة التي بها سرعة بديهة وخفة دم، قلّ أن تجدها عند آخرين من خلق الله.
الحاج الفرجاني الأسمر اللون، النحيف البنية، صاحب النكتة، سريع البداهة والنباهة في الرد على ما يعرض له من قبل الآخرين، كان رحمه الله يحب الناس جميعًا يعتز ببنغازيته وليبيته، يدافع عن الغائب وعن المظلوم، فقدناه، وفقده بشكل كبير أهالي بنغازي القديمة وشوارعها وحواريها التي تربى فيها واحتضنته في مهد طفولته وريعان شبابه..

رحمك الله يا حاج الفرجاني، وأسكنك فسيح جناتك، وألهم ذويك وأسرتك وناس بنغازي عن فقدانك الصبر والسلوان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى