الخميس ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم زهرا شهبازي

الأدب التأملي عبر العصور

مع التركيز عليه عند إيليا أبي ماضي

الموجز

قد أعطي للإنسان قوة التفکر والتعقل یستفید الإنسان منهما لمعرفة الحیاة وجوانبها لذﻟﻚ یکون التأمل ذاتیاً عند الإنسان فلم ﻳﻨﻔﻚ منه. لیس التأمل بین إطار الزمان والمکان محدوداً؛ لأن الإنسان هو الباحث عن المجهولات دائماً وهذه المیزة معه في الحیاة برمته. إن التأمل هو ثمرة التفکر العمیق ویمتاز به الإنسان بین المخلوقات الأخری. یلعب التأمل دوراً بارزاً في جمیع المجالات العلمية والأدبیة أیضاً. قد ازدهرالإنسان في المجالات الأدبية وقد حاول أن یبین کثیرا من المعلومات والتعالیم من هذا الطریق أي في غالب الفنون الأدبیة من النثر والشعر.

للتأمل مکان مرموق في الأدب و نحن نلاحظ إنشاءه في الأدب العربي بعد دخول و ترجمة العلوم المختلفة کفلسفة الیونان والهند ثم ترعرع في ظل الفنون الأدبية نثراً وشعراً. ولکن بعد مدة اصطبغ بصبغة جدیدة مع مرور الأیام. في السنوات الأخيرة یلعب التأمل دوراً بارزاً في الأدب العربي المعاصر عاماً وأدباء المهجر خاصاً لترقیته وازدهاره.

يهدف هذا المقال إلى مناقشة موضوع التأمل والتأمل الفلسفي في الأدب العربي عاما ولاسيما في أدب إیلیا أبي ماضي شاعرالمهجر الأکبر. في البدایة أتكلم عن التأمل من وجهة نظر العلماء و الأدباء فأناقش سیره عبر العصور المختلفة الأدبیة.

الکلمات الدلیلیة: التأمل، التأمل الفلسفي، الأدب التأملي، التأمل في الطبیعة، إیلیا أبو ماضی.

التعریف بالأدب التأملي

التأمل، لغة،«هو التثبت وتأمل الرجل تثبت في الأمرو نظر» [1] أما من منظار علم النفس «فیقوم علی الاستبطان [2] وملاحظة النفس واسترجاع الخبرات الشخصیة والأفکار والمشاعر الباطنة التأمل وتحلیلها» [3] إن الاستبطان هو وصف انشغال الفرد بذاتة نرجسیاً، وقلقه علیها. [4] ببینما تحدد المصطلحات الفلسفية بأنها الاستغراق [5] في التفکیر، إلاّ أن التفکیر نشاط ذهني یتحري الأسباب والنتائج، بینما التأمل نظر فیه اعتبار، لذﻟﻚ کثیراًما ینصرف معني التأمل إلی النظرالدیني دون سواه، أو النظرالفلسفي، ومن ثم نقول الحیاة التأملية کمقابل الحیاة العملية نستنبط من هذه التعریفات: «الأدب التأملي یلتقي علم النفس من خلال ملاحظة النفس واسترجاع مذَّکراتها. ویلتقي علم النفس عن طریق الاستغراق في التفکیر دون البحث في الأسباب والنتائج. والفلسفة تؤدي رسالتها عن طریق البحث المنطقي أو التحلیل العقلي والأدب یؤدیها عن طریق الرسم فیرینا من معاني الحیاة ما لا نراه عادة» [6].

ولکن لاینظرالشاعرنظرالفیلسوف فیحلل و یقیس و یستنتج بناء علی مقدمات عقلیة، بل أن یدرﻙ قیمة الأشیاء، ویصور لنا إدراکه تصویراً جمیلاً یطربنا و یغذي خیالنا. [7] یعتمد الناس علی تجربة فردية و تفکیر سدید ثم یمتزجها الأدیب بثقافته وأدبه ولکن یجب علینا أن ثقافة الأدیب یتحول مع تحول و تغییر الزمان و المکان و البیئة و لایقتصر بین إطار الزمان و المکان. لذﻟﻚ یوضح لنا أنیس الخوري المقدسي: « یراد بالأدب التأملي ما ینعکس عن تأمل الإنسان في الحیاة و الطبیعة وما بعدها». [8].

فغایته التعبیرعما تثیره هذه المجردات في النفس من خوالج و صور خیالية الأول محلّل منطقي، والثاني مصورخیالي. [9]. فالأدب التأملي إذاً هو ثمرة الإمتزاج الفکر بالخیال حیث یغیب الإنسان عن ذاته الحسیة في ذاته الروحیة، فیشخّص الطبیعة و یرسم منها الخیالات، یبث فیها من ذاته رؤي. [10].

تعتمد علی حسن التفکیرمبني علی سعة الاطلاع، وفرق کبیر بین أن یکون التأمل من منظار شخصي یغلب علیه الوجدان، وبین أن یکون ثمرة تجربة یغنیها العقل، أو فکرة نحو الفلسفة الخالصة. [11]

اختلف النقاد منذ القدم في علاقة الشعر بالفکر والتأمل.إعتقد بعض النقاد مثل کولردج أن الشاعر الکبیر لابد أن یکون فیلسوفاً عظیماً وأن الفیلسوف الصادق لابد أن یکون شاعراً مبدعاً. [12]. إن الأدب التأملي ولد من رحم الفنون الأدبیة، و إرتقی حتی وصل إلی مستوی فلسفي، و خاصة في العصرالعباسي، حیث إمتزج هذا الأدب بالفنون الشعرية من مدح و هجاء و فخر و رثاء و وصف، أوالنثرية من خطب و رسائل و قصص و أمثال. فهناﻙ البعد الروحي الباحث عن ماهية الوجود و عظمته و هناﻙ البعد الإنساني المفتش عن قیمة الإنسان وأهميته. وهناﻙ أیضاً البعد الزمکاني المعبرعن الماضي و الحاضر و المستقبل في بقعة حدودها البیئة و مجالها الزمن وبهذه الأبعاد ندرﻙ أهمية الأدب التأملي؛ لأنه یحفظ تجربة الأدیب في تعاطیه الملموس من جهة، والهدف المتخیل من جهة أخری. [13]

لیس من الممکن أن نبین زمناً معیناً لدخول التأمل في الأدب ولکن من الواضح أن یعطي الله للإنسان قوة الفکرو قد ورد في کلامه في غالب ألفاظ کالعقل والقلب واللب.هنا جدیر بالذکرالآیات التي تدل علی ذﻟﻙ:إن ﴿في ذﻟﻚ لأیات لقوم یعقلون﴾ أو ﴿أو یتفکرون﴾ أو ﴿أو یتذکرون﴾ أو ﴿لأولی الألباب﴾ أو﴿إن في ذﻟﻚ لذکری لمن کان له قلب أو ألقی السمع و هو شهید﴾. [14]
بعد ذﻟﻚ نناقش سیرالتأمل عبر العصور الأدبیة و لنبدأ بالعصر الجاهلي.

في العصرالجاهلي کان الشعرالعربي یسیر مع الطبع و ینبع من الشعور و الوجدان، بسبب فطرة الشعراء السلیمة و معیشتهم البسيطة و أجوائهم النقية ،إضافة إلی لغتهم الفصيحة وألسنتهم القوية. [15] الشعرالجاهلي متجاوب مع بيئته، والشعراء الجاهليون متفاعلون مع مجتمعهم تنعکس علی إنتاجهم الأدبي صورة البیئة التي سکنوها والمجتمع الذي عانوا مشاکله انعکاساً صادقاً و واضحاً. [16] لقد إتسع الشعرالجاهلي، لشتی المواضيع والأغراض والقضایا ،التي تهم البشر، و تطرق لأهم القضایا الفکرية و الحیاتية التي شغلت بال الجاهلي کمسألة الحياة و الموت و الخلود و علاقته بالأله والزمن والکون.کما إتسع للحکمة والتأمل ،وطرق أبواب الفلسفة [17] أکثرمما هي وليدة التأمل الطویل والتفکير العميق، فالصور و المعاني و الأفکار و التشبيهات، التي یستخدمها الشاعرالجاهلي، مستقاةٌ کلها أو منتزعة من الواقع. [18] وتظهر لنا الحکمة في دواوین الشعراء الجاهلیین مثل: لبید بن ربیعة، وزهیرإبن أبي سلمی، و طرفة بن العبد، وعبید بن الأبرص،و..

العصرالإسلامي

بعد ظهور الإسلام تطورت الحیاة الجاهلية في جمیع جوانبها الفکرية و السیاسية و الثقافية و الأدبیة أیضاً و قد لعب الإسلام دوراً بارزاً في تمهید هذه الحیاة الجدیدة.أما في عصرالإسلام، فکان للإسلام أثر کبیرفي حیاة العرب الفکرية و الاجتماعية ثم الأدبیة. و جاء مع الإسلام الدستورات الصالحة للحیاة و وضع فیه البرامج الإصلاحية للحیاة الجاهلي. لکن معانيهم کانت أغزر و أعمق مما کانت علیه في العصرالجاهلي.

العصر العباسي

ثم نصل إلي العصرالعباسي حيث کانت التطورات في هذا العصر مشهودة کثیرة و قد قیل إزدهر الأدب العربي في هذا العصر لأن الأعراب عرفوا أمة جدیدة ثقافتهم کالفرس و من الطبیعي أن یتأثروا بالثقافة الأمة الجدیدة و إنتشرت الثقافات الأجنبیة المختلفة في العالم العربي وکان لکل ثقافة نزعة خاصة و میل الأدباء إلی التأمل والتعمق.

یقول الدکتورشوقي ضیف في أحوال العصرالعباسي: « تتسع مع العصرالعباسي موجة اللهو والعبث والمجون، فالناس یقبلون علی الخمر و الغناء ومجالس الأنس. وهم لیسوا جمیعاً سواء، فمنهم من أضناه التفکیر في الحیاة وهمومها، وهو یغرق هذه الهموم في الخمر، ومنهم من یرید أن یکمل متاعه بدنیاه، فالحیاة لاتزور له و لایجد فیها مرارة. وقد عرف العرب ضروباً مختلفة من التفکیر في الحیاة، وترجمت لهم کتب الفلسفة.واتسع بکثرین التفکیرفي الوجود وفي الصلات الکائنة بین الإنسان وإلاهه و بینه بین الظواهرالمختلفة في الکون، و عجز نفرعن تبین هذه الصلات فضلا عن تعلیلها أو معرفة ما اختفی منها وبذﻟﻚ غاصوا في لحج من اﻟﺷﻚ والحیرة،فالتمسوا اللذة في الخمرة» [19]

العصرالأندلسي

في العصرالأندلسي، الذي هو جزء من الحضارة الإسلامية العربية إن الشعر فقد تأثر بالبيئة و الطبیعة هناﻙ و قد واجه الشعراء العرب في إسبانیا الحياة المتنوعة والأجواء المتغيرة و المناظرالطبیعة المختلفة من الخمائل و الأنهار والسهول و المروج .أما أغراضه فکانت في المدح و الغزل والرثاء والزهد والفلسفة والمجون والوصف الذي أبدعوا فيه أیما إبداع. [20] الشعرالأندلسي شدید الشبه بالشعر العباسي و لیس من الغریب أن تفوت الأندلسیین الدقة في الفکر، والعمق في المعنی، فإنهم لم یقتبسوا من الفلسفة و المنطق ما إقتبس منها المشارقة وفکانت معانیهم واضحة جلیة إلا أنها سطحية و تبدو هذه الظاهرة في حکمهم و استعملوا في حکمتهم مما تعرفه العامة و لایقتضي تفکیراً بعیداً. [21].

العصرالحدیث و المعاصر

في أواخرالقرن التاسع عشر تطورالتأمل والتفکرفي الأدب ولایری فیه صبغة القبلية وقام کثیر من الشعراء المعاصر في هذا الهدف و منهم: جبران خلیل جبران. ماذا تطلبون من الحیاة یا بني أمي؟ ماذا تطلبون من الحیاة والحیاة لم تعد تحسبکم من أبنائها؟ أرواحکم تنتفض في مقابض الکهان والمشعوذین، و أجسادکم ترتجف بین انیاب الطغاة والسفاحین. فماذا ترجون من وقوفکم امام الشمس؟ في هذا العصرإستحق الناس قیمة الحیاة و حاول الناس في البحث عن السعادة.

بعد البحث عن التأمل و علل وقوعه في الأدب و سیره في العصور المختلفة نعالج التأمل في زمن المعاصر.بحيث یکون للتأمل مکان خاص فيه و یعرض نفسه في غالب الفنون المختلفة الأدبية إما النثرية و إما الشعرية وقد إختص لنفسه قسماً کبیراً من الأدب المعاصر. حتی نستطیع أن نقول یکون له مدرسة خاصة.
ثم في تلك البلاد النائية إقتسم المهاجرون إلی قسمین و ذهب فئة منهم إلی الأمریکا الشمالية و فئة آخر ذهبوا إلی الأمریکا الجنوبیة و أسسوا الأدب الخاص لأنفسهم. میزة التأمل عند المهجریین واضحة جداً، و هي اُشهد وضوحاً وأبعد أثراً عند أدباء الرابطة القلمیة خصوصاً. کان هؤلاء الأدباء في تأملاتهم یتجردون من طبیعة الصلصال والطین، فیسمون فوق البشر والحیاة، ویطوفون بأخیلتهم في عوالم بعیدة مجهولة، یحللون النفس البشریة ویحاولون إماطة اللثام عن کنه الحیاة وأسرارها وطلاسمها. ویضیعون بین اﻟﺷﻚ والیقین باحثین عن الحقیقة الکونیة الکبری. وتتسع نزعة المهجریین التأملیة فتشمل الحیاة الإنسانیة والنظرة إلی الحیاة والوجود والمجتمع البشری ککل، وهي الحلم الأکبر الذي کان یراود أخیلة المفکرین والفلاسفة والشعراء، ومن معانی هذه الإنسانیة نثرالمباديء السامیة والمثل العلیا، ومحاربة النظم الفاسدة، والعمل علی إنشاء المجتمع الإنساني الأمثل، ومحبة الوجود وکل ما هو موجود دون تفریق أوتمییز. [22].

في هذا الطریق یستفید الشاعر من الطبیعة و جوانبها و مظاهرها و یضیف الدکتور واصف أبوالشباب أن الشاع ریری في الطبیعة:«مقراً للروح والجسد فوجد الطبیعة المکان الأنسب الذي یناسبه ویخفف عنه ضیق العیش وقسوة الحیاة والإنسان الذي ینسجم مع الطبیعة ويحل بها نفساً وجسداً یصبح جزءأ منها یعیش معها وتعیش معه. والطبیعة مصدر أصدارالشاعر یستلهم منها الحیاة وکل ما فيها من تأمل وفکر وفلسفه، فهو یضفي علي الطبیعه الحیاة بل ویتصور فيها روحاً کالإنسان یناجیها فتتجاوب معه و یناقشها فترد علیه نقاشه» [23] کان للتأمل في شعر المهجریین و نثرهم مکان خاص و عریض ولقد عني أدباء الرابطة بأسرارالحیاة وما بعدالطبیعة ومصیرالإنسان و وجوده ویعد أبوماضي من أبرز شعراء الرابطة القلمية في الشعرالتأملي، نشاهد في بعض آثاره تأثیره من الفلاسفة الشرق و الغرب أو من بعض فلاسفة المسلمین کما في قصيدته(العنقاء) و(دیوان) التي تحدث فيها عن (الحقيقة أو النفس) متأثراً بابن سينا في قصيدته عن(الروح) و ( دیوان) التي مطلعها: هبطت إﻟﻴﻚ من المحل الأرفع..

و قد ذکر أبوماضي في هذه القصيدة إنه فتش عن الحقيقة في کل مکان سائلا عنها الفجر والظلام و البحر و القصر. أما التأمل في أشعار الرابطة القلمية فیکاد یکون هذا المضمون السمة البارزة الأولی في شعر الرابطة القلمية.
ذكرنا آنفا أن الإنسان هو الموجود الذي قد أهدی الخالق إلیه موهبة الفکر والعقل.لذﻟﻙ يبحث عن فلسفة وجوده في حیاته دائماً و القصد من التفکر هو المعرفة من الخالق و الحیاة و فلسفتهما. یجب علی الإنسان أن یستفد من هذه النعمة للتعالي والترقية المجتمع .إیلیا أبوماضي هو الشاعر الذي يستخدمه کثیرا في قصائده.

یکون للتأمل أنواع و منها التأمل الفلسفي الذي نتناوله في هذا القسم من البحث. إن للتأمل الفلسفي أهمیه بالنسبه للمبدعین علی صعید الأدب و الفکر والثقافة؛ لأنه یساعدهم علی فهم الواقع والرابط بین العناصر والوصول للمقدمات والبحث عن النتائج، والتعبیرعن ذﻟﻚ کله بأسلوب مبدع وفکرمقنع.وعودة إلی التأمل الفلسفي أو الإبداعي، فقد کان له تأثیره الواسع عبر التاریخ في نشوء الفلسفات و الأفکار و المناهج المختلفه، لکنه لم یعد في عصرنا الحالي کذﻟﻚ، حیث لا یجوزالإستناد إلی التأمل في الوصول إلی الحقائق العلمیة سواء في العلوم الطبیعیه أو الإنسانیه، لأن حقائق العلم تحتاج إلی التجارب التي تثبتها، وإلی البحوث المیدانیه القائمه علی الوقائع و الأرقام.غیر أن هذا القول، لا یقلل من أهمیه التأمل الفلسفي والإبداعی في شيء، فهذه التأمل هوالذي ساق الفلاسفه والمفکرین إلی وضع أسس المنطق والتفکیرالسلیم والمنهج العلمي في حل المشاکل، وهذه الأسس و المناهج هي التي قادت إلی الاکتشافات والاختراعات العلمیه، وإلی التقدم في نتائج الأبحاث والدراسات الإنسانیه.علی أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت النظریات القدیمة تتقلص أمام نور العرفان والحضارة. [24]

کان إیلیا شاعراً متأملاً.أي بعبارة أخری أکثر أبوماضي من التأمل في شعره دائماً و التأمل الذي یطلق علیه الکثیرون صفة الفلسفة. کان إیلیا شاعراً ذوي رؤیة فلسفية أي له في کل شيء فلسفة في الکون و الموجود وفي السیاسة و في المجتمع و في الحب و الإنسان و کلهم موجود في أشعاره و دواوینه.
ویصطبغ شعره بالصبغة الفلسفية،و الاجتماعیة و الروحیة معاً، فهو إنسان مثالي، یحب البشر، و یحب الحیاة، ویستهدف سعادة المجتمع، و یرید تحبیب الحیاة إلی الإحیاء، و یدعوهم إلی تنقیة العمر من الأشواك والأدران. هو یحب الحیاة و یحب الأحیاء فيها و یصوّرها لهم نقیّة حلوة ویستهدف سعادة المجتمع، ویدعوه الی تنقیة الحیاة من الأشواك و الأدران والذي یزود شعر أبي ماضي بعناصرالحیویة والتأثیرهو أن شعره ینبع من قلبه و لعل أبرزما بقرب هذا الشعرإلی النفوس نواح ثلاثة: النزعة الإنسانية، و الدعوة الی محبة الحیاة، واستهلام الطبیعة. [25].
نری أبا ماضي متأملا متفلسفاً یعرض لمشاهدته، و مفرغاً آراءه في الکون وما فیه. و هي لاتخرج عن الإطارالوعظي اﻟﻣﺗﻣﺴﻚ بشغاف الروح، الحامل لإعباء الدنیا لیدل الناس علی طریق السعادة. [26] وأبوماضي في محاولته الإنسانیة، قد لا یکون من الذین قبضوا علی الرؤي البعیدة الکامنة في أعماق الإنسان، ولکنه استطاع، بالجدل والاستفهام و الخبر، أن یجسّدالفکرة التي رمی إلیها، وأن یکون مؤثراً و مقنعاً في آن واحد. [27] وإنا لنجد عند إیلیا أبي ماضي نزعة إنسانیة خالصة تسموعلی کل نزعات. وروحاً علیاً یفوق کل الأرواح إنه یحب الناس ویحب الحیاة التي أوجدتهم ویدعوهم جمیعاً إلی محبتها خیر وفيها جمال، من هنا جاءت نظرته الباسمة و روحة المتفائلة التي فاض تفاؤلها فغطی علی کل میزة أخری میزت شعره و طغی علی کل صفة یمکن أن نطلقها علیه. [28].
یبدو لنا إیلیا أبوماضي في شتی أطوارشعره و شتی مراحل حیاته رجل التفاؤل والدعوة و الطبیعة في إشراق وانفتاح قلما نجدهما عند غیره من شعراء الرومنسية الحدیثة، ونظرته الفلسفية في ﺫﻟﻚ أن الحیاة جمیلة، وأن الطبیعة حافلة بعناصرالجمال و المتعة، وأن ما مضی فقد مضی، و أن مالم یأت بعد لم یأت، فما للإنسان إلا أن یعیش في واقعية الوجود، وأن یملأ ناظریه بمحاسن هذا الوجود، فلا ینظر إلی ماضٍ زال، ولا إلی مستقبل لم یأت بعد، ولا یأخذ إلا باللحظة الحاضرة في تصرف وجودي و واقعي، ویعب من الحیاة و الجمال الکوني ما یستطیع عبه، وأن یکون کالطبیعة في عطائها الجمالي فيوزع النفع والسعادة علی الجمیع في غیر تمییز و لاتفریق. [29] وقبل أن یعلن هذه الفلسفة التفاؤلیة عانی الشاعر ما یعانیه کل إنسان عندما ینظر بعمق إلی مصیره، ولاﺷﻚ أنه واجه في داخله الصراع الذي یقوم بین عوامل التشاؤم وعوامل التفاؤل، و لاﺷﻚ أنه تقلب بین هذه و ﺗﻠﻚ، و رآی في آخرالمطاف إن الاستسلام للتشاؤم موت مبکر، وأن العیش في أجواء التفاؤل إبعاد للملل و الیأس و الإنتحار المعنوي. [30]

قلنا في السابق کان في أشعار إیلیا قصائد کثیرة عن التأمل في الحیاة وجوانبها؛ لإیلیا أبي ماضي ثلاث مطولات شعریة في الواقع؛هي: الطلاسم في دیوان الشاعرالجداول، حکایة الأزلیة، شاعر و سلطان الحائر في دیوانه الخمائل.

وهذه المطولة هي مجموعة تأملات متطلعة إلی البحث عن الحقیقة، یرسلها عقل کبیر، لاتقنع بالوقوف عند الظواهر والقشور، بل یحاول التغلغل إلی الأعماق ویبلغ مجموع هذه المطولة واحداً والسبعین مقطعاً، یتألف کل منها من أربعة أبیات، تنتهی دائماً بعبارة «لست أدری» و یستهل الشاعر طلاسمه التساؤل الحائر عن مصدره و عن سر وجوده. [31]
یحاول الشاعرفي هذه القصیدة أن یطرح السؤالات الفلسفية عن الحیاة و الوجود والإنسان و بدایته و نهایته؛ لأن یرید أن یداخل أفکارالقاريء في فلسفة الحیاة و نری أنه لایجیب نفسه عن هذه الأسئلة و یقف في موقف «لاأدري». الشاعر یترﻚ القاريء بین مجموعة من السؤالات و بین الحیرة و اﻟﺷﻚ.
هذه الأسئلة خطرت ببال أبي ماضي و بعد التأمل و التفکر يصل إلی أنه حائرة و حائمة و لایدري شیئاً. یبدأ الشاعر قصیدته بجهله في مصدر وجوده و بمصدرالوجود کله، إنه لا یعرف إلا حیاته، وهي حیاة لم یکن له فيها رأی ولا اختیارلا إرادة، و إیلیا أبوماضي یقف من حقیقة الوجود، في مصادره و مصایره، و في جوهره و ترکیبه، موقفاً لا أدریّاً مشهوراً.

یستمرالشاعرقصیدته علی هذا النحو محاولاً التغلغل في أعماق الحیاة و الوجود، ینهی أبیاته جميعاً بعبارة لست أدري وینتقل بین الأبیات في البحر والدیر والمقابر والکوخ والقصر، بحثاً عن الحقيقة، ولکن یرتد عنها جميعاً بعبارة لست أدري. یقوم في نفسه صراع بین الخیر والشر أو بین الملاﻙ و الشيطان و ما یثیران من سعادة أو شقاء و من حب أو کره و من حسن أو قبح و حین یقابل بین هذه الأمور کلها یظل حائراً لایهتدي إلی جواب فيسأم من التساؤل. و حین یمل الشاعر الطواف، و تسأم نفسه التساؤل، ثم لایقع علی شيء من الحقیقیة التی أجهد نفسه في البحث عنها، یعود من جدید إلی حیث بداُ. یعود إلی نفسه عن کنهما وعن حقیقتها، فلا یزداد الإ عمایة و حیرة فيهتف.

وهذا إیلیا أبوماضي في طلاسمه «بعد أن ﺗﺷﻜﻚ و تساؤل في شؤون اﻟﻨﺴﻙ والزهد والعبادة، و في ماهیة الموت والقبر والبحث، وبعد ما حار في أمر القصر وساکنیه والکوخ الثاوین فيه عرج علی نفسه المضطربة الهائجة فوجد فيها صراعاً وعراکاً کاد یعتقد علی أثره بإزدواج شخصیته. [32]

إننی أشهد في نفسی صراعاً وعراکاً وأری ذاتی شیطاناً وأحیاناً ملاکاً [33]
ولکن ما الذي یجب أن یعنی إلیه هو أن الشاعر لایقصد أن یجعل القاريء في اﻟﺷﻚ و الحیرة بل یرید أن یسيرالإنسان في طریق المعرفة واﻟﺷﻚ یصل إلی المعرفة و یتأکد أنیس الخوري المقدسي في کتابه أن: « فهو، وإن مؤمناً و بعیداً عن الکفر،لا یحجم قلمه عن بعض الفلتات التي لاتخلو من اﻟﺷﻚ والقلق العقائدي یکثرمن الاستفهام والجواب والنًّفي والنداء ملبّیاً بذﻟﻚ حاجة مباشرة في النفس تزول حالما ینتهي وقعها» [34]

والجدیر بالذکر هنا الرأي للدکتور سالم المعوش في هذه القصیدة الفلسفية: «فهناﻙ نوع من الناس یستکبرون أن یعمد إنسان إلی البحث في أسرارالحیاة و هناﻙ نوع ثان من الناس یتخذون من هذه القصیدة حجة علی عقیدة الشاعرالفلسفية، فينسبونه بکل بساطة إلی جماعة «اللاأدریین».و نوع ثالث من الناس يأخذون الأموربظواهرها، فيرون أن الشاعر یبدو هذه القصیدة کبدوي ساذج یدخل المدینة لأول مرة، فبهته أضواؤها و زیناتها وبنایاتها الفخمة، فيقف أمامها حائراً ملجوم اللسان، لایدرﻙ من معجزاتها شیئاً. أما نحن فإننا نری في هذه القصیدة رأیاً لایتفق بشيء مع هذه الآراء الثلاثة: فأصحاب الرأي الأول إنما یحسبون أن السعادة في الجهل والرضي بالظاهر وحده، وأن الشقاء هو في البحث عن المعرفة. وهذه هي فلسفة الکسالي الذین لایجدون في أنفسهم القدرة علی تحمل أعباء المعرفة الحقیقیة، التي هي وحدها سبیل السعادة الحقیقة، والتي یکون شقاء البحث عنها أهون بکثیر من شقاء الجهل، والقناعة بالمعرفة السطیحة. وأبوماضي أعلی نفساً أبعد همة من أن یجلس في هذه الحضیض کما تجلس العجائر حول مواقد کانون وأما الرأي الثاني فدلیل علی جهل أصحابه صبحة عقیدة أبي ماضي، ودوافعه النفسیة، فلیس أبوماضي، من اللاأدریین، ولا هو بالرجل الذي یحسب أن في اللاأدریة سعادة الروح و إن یکن في «طلاسمه» نحواً من خمسة وسبعین «لست أدري» في مختلف شؤون الحیاة الروحیة والدنیویة» [35] تکون مظاهرالحیاة متشابکة ولایمکن فصل بعضها من بعض في رأي الشاعر فالحیاة من حیث هي خیر و برکة أو شر و سوء، والحیاة من حیث هي هدوء و طمأنینة أو الاضطراب والخوف. وکان الشاعر یستفيد من مظاهرالحیاة الإجتماعیة لمعالجة موضوعات الحیاة.الحیاة في نظرإیلیا أبي ماضي سانحة من سوانح الوجود، علی الإنسان أن ینظر إلیها نظرة واقعية حافلة بالتفاؤل والاستماع، وهو یبدي شیئاً من الاستسلام للقضاء والقدر، و یجعل الرومنسية الجبرانية في أعماق نفسه و یغلفها بالرضی والبشاشة؛ والحیاة الإجتماعية في نظرأبي ماضي هي حیاة الواقع الإنساني التي یجب علی الإنسان أن یلبسها کما هي، والسعادة هي انطواء نفسية علی اللذات القانعة. [36]

إنَّ الحیاةَ قَصیدةٌ، أعمارُنـــــــــا

أبیاتُـــــها، والمـــوتُ فيها القافيه

متِّع لحاﻅَﻚَ في النجومِ و حسنِها

فلَسَوفَ تمضي و الکواکبُ باقيه [37]

أما نظرته إلی الحیاة فنظرة المتفائل المؤمن بجمال الحیاة، یرید أن یبشرﻙ أبشر في البرکات هذه النظریة.

عش للجمال تراه العینُ مؤتلقاً في أنجم اللیل أو زهر البساتین [38]

السعادة

ومن أنجع عوامل السعادة الإنسانية في هذه الحیاة أن یکون الإنسان، في قناعته،و هي مصدرعطاء، أي أن یشرﻙ الناس فيما یرضاه لنفسه، و أن یکون عطاؤه اندفاقاً ذاتیاً کاندفاق الماء من الینبوع والنور من الشمس. [39] یقتنع بما تقدمه، ولا یطلب من الناس أکثر مما یستطیعون أن یعطوا، علی أن الشاعر یرید أن یعرف الناس أنهم جمیعاً من طینة واحدة، و أن للجمیع الحق في العیش، و أن الجشع والظلم تجاوز للحدود الإنسانية، وخروج علی النظام الکوني، إساءة الی الطبیعة التي وزعت الطاقات و المناهل السعادة علی جمیع الناس. [40] وکان یری أن الإنسان مسؤول عن سعادته وشقائه، وبیده إستعاد نفسه و إستعاسها، فإن ابتسم، ابتسم له الکون، وأن تجهَّم اسودَّت الدنیا من حوله. وکان إذا رأی یائساً شاکیاً، خَفَّ إلیه یدعوه بشعره إلی التفاؤل والأمل والثقة بالنفس، وبشرح له کنه الحیاة، وسبل السعادة فيها. [41]

قصیدة «العنقاء» لإیلیا أبي ماضي والعنقاء طائرخرافي یعده العرب احد المستحیلات الثلاثة، وهي الغول والعنقاء والخل الوفي. والذي یبدو ان الشاعرقد إتخذ رمزاً للسعادة التي هي ضالة الانسان المنشودة. وخلاصة هذه القصیدة ان الانسان لجهله یقضي عمره في التفتیش عنها خارج نفسه فلا یهتدي الیها ولا یعرف ضلاله الا عندما یفوت. نعم إن السعادة «کالعنقاء» لیست ذات وجود حقیقي، ولکن وجودها النسبي في متناول کل إنسان، فعلیه أن لاینظر في الوجود إلا الی الناحية ومن ناحية التي تتیح له أن یجني فرحة الحیاة من غیر تفکیر في أبعاد الحیاة وآلامها.و هکذا فالإنسان هو المسؤول عن سعادته أوشقائه،هو یسعد نفسه أو یشقیها، فإن کانت نفسه جمیلة رأی الوجود جمیلاً، وإن کانت نفسه قبیحة رأی الوجود قبیحاً. [42] والسعادة الحقیقیة، کما ذکرنا، «عنقاء» و شبح وهمّي، فلا هي في الغنی، ولا هي في أي شيء خارجي. إنها في الرضی و الاقتناع بما قسم لکل واحد منا إنها انطواءة نفسیة علی الذات القانعة التي تقف عند الواقع الوجودي لا تطمع في غیره. [43]

لیت الذي خلق الحیاة جمیلةً لم یسدل الأستار فوقَ جمالها

بل لیته سلب العقول فلم یکن أحدٌ یعلل نفسه بمنالها [44]

بعد الکلام عن التأمل و التأمل الفلسفي في أدب إیلیا أبي ماضي نصل إلی تأملات الشاعر في الطبیعة لأنها تزدهر في الطبیعة کثیراً.ویلجأ الشاعر إلی الطبیعة لتأملاته لذﻟﻚ لابد لنا أن نعالج تأملاته في الطبیعة.
أدب الطبیعة یعنی تصویرالمشاهد الطبیعیة والتعبیرعما تثیره في نفس الإنسان. ولیس وصف الطبیعة جدیداً في الأدب العربي والوصف الطبیعي القدیم أي في الجاهلیة و صدرالإسلام؛ وثیق الاتصال بالبیئة البدویة من قفار و ریاح و أنواء و نبات و حیوان و ما إلی ذﻟﻙ. وهوعادة دقیق یمیل الی شرح الجزئیات. فإذا أراد الشاعر وصف حیوان کاناقة مثلاً کالحمارالوحشي صور ﻟﻚ أعضاءه و ألوانه و أوﻗﻔﻚ علی جمیع حرکاته وسکناته و کذﻟﻚ یفعل في وصف غیر الحیوان مما یألفه ویعرف أحواله.ومن أمثلة ذﻟﻚ وصف طرفة لناقته. [45]

أما وصف الطبیعة فلم یتخذ لوصف الطبیعة مکاناً خاصاً في الشعر القدیم و بعبارة أخری لم یحسب وصف الطبیعة مضموناً خاصاً في الشعر القدیم کالغزل و الهجا و المدح.کان وصف الطبیعة في سیاق غرض آخر.في هذا النوع من وصف الطبیعة لم یجد التأمل العمیق و ما یوحی إلی الشاعر الأفکار العمیقة.
وقد تطورت البیئة العربیة بعد استقرار اﻟﻤﻟﻙ العربي في الشام والعراق و مصر و الأندلس فتطور معها الشعرالوصفي، و هکذا انصرف عن الصحراء و أحوالها إلی الحواضرالجدیدة وما تحویه من بساتین ومتنزهات و فواکه و ریاحین و مجاري میاه وما إلی ذﻟﻙ من ظواهرالحیاة المدینة. [46]
أما بعد التطور البیئة الساذجة العربیة إلی المدنیة الجدیدة الصخبة فلجأ الناس إلی أحضان الطبیعة؛ لأنهم إعتادوا العیش الواسع و الطلیق و أخذوا بوصف الطبیعة و الحیاة فیه ویقول الدكتور.جورج صیدح: «و في هذا الإنتقال من الواقع إلی الخیال لایهربون من الوجود بل یزحزحون غشاء الزیف عن وجهه و یندمجون في الحیاة الطبیعیة ساعات هي ساعات الاستجمام و الاستلهام. إن شعراء المهجر تفوقوا في شعرالحنین. ولو حللنا أسباب الحنین الذي تدفق من قلبهم علی شعرهم لوجدنا إن افتقادهم جمالات الطبیعة التي خلفوها وراءهم، في لبنانهم. هوالعامل الأول، وشعرنا شعوراً أکیداً بان قصائد الحنین التي نظموها والتي تهز الوجدان برهافتها.إن حبهم للطبیعة التی ألفوا مشاهدها في بلادهم هو الذی جعلهم یشکون أول مایشکون ازدادت تلک الخصارة ضخامة وعتواً. فکأن الهجرة زادتهم التصاقاً بالطبیعة وکأن شعر الحنین اداة انتقام من البلد الذي أقصاهم عنها» [47]
لاﺷﻚ أن یتغیر وصف الطبیعة في الشعر الجدید للتطور البیئة العربیة.نری أن النظر في أدب الطبیعة الحدیث نظراً معنوياً یتجاوز أفق المشاهدات.

إن الطبیعة في الأدب الحدیث «حیویّة» عاقلة یحسّ بضربات فؤادها و یسمع رخیم إنشادها، ویلذّ له التحدث إلی أنهارها وغاباتها وجبالها و وهادها. فهذا باب في مناجاة الطبیعة لم یطرقه القدماء کما طرقه المحدثون و هو یدور کما تری علی تأمل فيها عمیق و وصف ها مقصود لذاته ل السواه. [48]
لجأ الشعراء في المهجر إلی الطبیعة عبرأشعارهم عن حیاتهم الساذجة و بعدهم عن الحیاة الصعبة المدنية.
أدباء المهجر جمیعهم من أخلص أبناء الطبیعة وعشاقها، فهم عمیقو الإحساس بها، عمیقو الحب لها، و الاتصال بها، فيرون في کل ما فيها أشیاء حبة: تحب و تکره، تسعد وتشقی، تفرح و تحزن، و ترجو وتخیب. و هم لذلك یناجونها، ویستلهمونها، ويتمثلون بها، و یبثونها آمال قلوبهم و آلامها، وأشواق نفوسهم وحیرتها. [49]

کانت النزعة إلی التأمل في الطبیعة عند شعراء المهجر کثیراً بنسبة بین شعراء المعاصر. البعد عن الوطن یسبب أن یلجأ الشعراء إلی الطبیعة و یدمجونها و منهم کان إیلیا أبوماضي شاعر المهجر الأکبر.
ولعل أکثر شعراء الرابطة القلمیة إیماناً بهذه النزعة الإنسانیة التي تتجلی في مظاهرالطبیعة المختلفة الشاعر إیلیا أبوماضي، حیث نراه یتأمل الطبیعة، و یطیل التأمل، و یتتبع کل ظاهرة فيها فيخرج من تأمله و تتبعه، بدروس في المنفعة و حب الخیر قد لاتجود بها علیه سوی الطبیعة نفسها، یعجبه في هذه الطبیعة أنها لاتفرق بین غنی و فقیر ولا بین خیر و شر فنجومها تضيء في اللیل و ترشد بضوئها کمن ضل الطریق سواء أ کان بائساً متحسراً أم هانئاً مسروراً، والنهر یبذل ماءه للجمیع لایبغی علی بذله جزاء ولاشکوراً. [50]

وهکذا تبقی اللوازم حاضرة: السؤال و مظاهرالطبیعة من ماء و زهر وشجر و طیر.تجتمع لتجیب عن تساؤل أبي ماضي الأبدي حول ماهیة الوجود. وهو سؤاله الذي طرحه في دواوینه السابقة ماضي دائماً یستنتج حکمه ونظریاته من مظاهر الطبیعه المختلفة.
فقد ذهب یطلب السعادة عند الطبیعة،عند الفجر و الدجی والنجوم والبحر، فسخرت منه. وهو یتأمل الطبیعة و یدرس مظاهرها و یتتبع أسرارها، شأنه شأن کل شعراء الرابطة القلمیة، فيخرج من دراسته و تأملاته بمقارنات و مقابلات و حکم شتی، أهمها أن الطبیعة صالحة تنفع الجمیع و تقدم النفع للکل دون أن تسأل، وهی لاتفرق في تقدیم نفعها بین غنی و فقیر، و کریم و بخیل، و صالح و طالح، فيا لیت الناس یقلدون الطبیعة في هذا العمل علی الأقل، هذه النغمة التی ظل یضرب علیها إیلیا في کثیرمن مقطوعاته و قصائده:النفع للجمیع وبدون تمییز أو تخیر. [51]

یتأمل الشاعرفي الطبیعة في کل جوانبها لیصل إلی کنه الحقیقة في الحیاة و الموجودات و الوجود.في رأي الشاعر،الطبیعة هي مصداق لکل ما یکون في الحیاة من الشر و الخیر.والطبیعة هي الملجأ الأمن لتأملات الشاعر.

فهرس المراجع و المصادر

  1. أنیس الخوري المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، بیروت، ط/2 ،1960م.
  2. أنیس الخوري المقدسي، ص323مختارات السائرة من روائع الأدب العربي،دارالعلم للملایین،بیروت،ط/5 ،1981م.
  3. جورج صیدح،أدیناوأدباؤنا في المهاجرالأمیریکية،دارالعلم للملایین،ط2،بیروت،1964م.
  4. حنا الفاخوري، تاریخ الأدب العربي،انتشارات توس،تهران،ط/3،1383ه.ش.
  5. أدب العرب في عصرالجاهلیة،حسین حاج حسن.
  6. خلیل برهومي،إیلیا أبوماضي شاعرالسؤال والجمال،دارالکتب العلمية،بیروت1993م.
  7. سالم المعوش، إيلياأبوماضي بين الشرق والغرب في رحلته التشردوالفلسفة والشاعرية،مؤسسة بحسون،بیروت،1997م.
  8. شوقي ضیف،دراسات في الشعرالعربي الحدیث،دارالمعارف،مصر،ط/10،لات.
  9. صلاح الدین الهواري ،دیوان إیلیاأبوماضي.دارالبحار،بیروت،2006م.
  10. صلاح الدین الهواري،شعراء المهجرالشمالي،دارومکتبة الهلال.
  11. عبدالمنعم الحفني،المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،القاهره:مکتبة مدبولي، 2000م.
  12. عزیزة مريدن،حرکات الشعرفي العصرالحدیث، مطبعة ریاض، دمشق،1982
  13. لسان العرب،أبوالفضل جمال الدین محمد بن مکرم إبن منظور، ،مج: 11بیروت،دارصادر،لات.
  14. حمد عبد العزیزالموافي، شعرالفکرة في العصرالعباسي.
  15. نادرة جمیل السراج، شعراء الرابطة القلمية،دارالمعارف،مصر،1957م.
  16. واصف أبوالشباب،القدیم والجدید في الشعرالعربي الحدیث،دارالنهضة العربیة، بیروت،1988م.
  17. وحدة أمین الجردي ،أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات،دارالفکراللبناني،الطبعةالأولی،بیروت، 2005.
مع التركيز عليه عند إيليا أبي ماضي

 إعداد: زهرا شهبازي
 الماجستير في اللغة العربية وآدابها
بجامعة آزاد الإسلامية في كرج


[1ابن منظور، لسان العرب، مادة أ م ل

[2Introspection

[3وحدة أمین الجردي، أدب التأمل عندالمنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات، ص17

[4عبدالمنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، ص52

[5Absorption

[6أنیس الخوري المقدسي، مختارات السائرة من روائع الأدب العربي، ص32

[7نفس المرجع، ص173

[8مختارات السائرة من روائع الأدب العربي، ص301

[9أنیس الخوري المقدسي،الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، بیروت، ط/2 ،1960م، ص323

[10وحدة أمین الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات، ص19

[11ن.م، ص21

[12محمد عبد العزیز الموافي، شعرالفکرة في العصرالعباسي، ص 18

[13وحدة أمین الجردي،أدب التأمل عند المنفلوطي، ص21

[14سوره ق،آیة 37

[15عزیزة مريدن، حرکات الشعر في العصرالحدیث، مطبعة ریاض، دمشق،1982م، ص3

[16أدب العرب في عصرالجاهلیة، حسین حاج حسن، ص46

[17علي سلیمان، الشعرالجاهلي و أثره في تغييرالواقع، ص59

[18نفس المرجع، ص64

[19شوقي ضیف، دراسات في الشعرالعربي الحدیث، ص179

[20أدب العرب في عصرالجاهلیة، حسین حاج حسن ص8

[21حنا الفاخوري، تاریخ الأدب العربي، ص802

[22خلیل برهومي، إیلیا أبوماضي شاعر السؤال والجمال، صص51 و50

[23القدیم والجدید في الشعرالعربي الحدیث، ص159

[24الخوري المقدسي،الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحدیث، ص302

[25حنا الفاخوري، الجامع في تاریخ الأدب العربي،الأدب الحدیث، ص596

[26أنیس الخوري المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحدیث، ص596

[27نفس المرجع ، صص595 و594

[28نادرة جمیل السراج، شعراء الرابطة القلمیة، ص333

[29حنا الفاخوري، تاریخ الأدب العربي، ص593

[30نفس المرجع، ص594

[31شوقي ضیف، دراسات في الشعرالعربي المعاصر، ص192

[32نادرة جمیل السراج، شعراء الرابطة القلمية،،صص137و136

[33دیوان، ص103

[34الاتجاهات الأدبیه في العالم العربي الحدیث، صص595 و597

[35سالم المعوش، إيليا أبوماضي بين الشرق والغرب في رحلته التشرد والفلسفة والشاعرية، مؤسسة بحسون، بیروت،1997م، ص289

[36حنا الفاخوري، الجامع في تاریخ الأدب العربي،الأدب الحدیث، ص590

[37دیوان،ص606

[38دیوان،ص515

[39حنا الفاخوري،الجامع في تاریخ الأدب العربي،الأدب الحدیث،ص595

[40نفس المرجع، ص594

[41صلاح الدین الهواري، شعراء المهجرالشمالي، ص23

[42حنا الفاخوري،الجامع في تاریخ الأدب العربي،الأدب الحدیث، ص593

[43أنیس الخوري المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث،صص 594 و595

[44دیوان، ص397

[45أنیس الخوري المقدسي،الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، ص348

[46نفس المرجع، ص349

[47جورج صیدح، أدیناوأدباؤنا في المهاجر الأمیریکية، ص207

[48أنیس الخوري المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، ص351

[49شوقي ضیف، دراسات في الشعر العربي المعاصر، ص270

[50نادرة جمیل السراج، شعراء الرابطة القلمیة،صص154و155

[51شوقي ضیف، دراسات في الشعرالعربي المعاصر، ص191


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى