الأحد ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم إبراهيم قويدر

الحجاب المكشوف الصدق..

كم نحن فى حاجة إليه!

عندما تتجول في كثير من مواقعنا الالكترونية العربية وفي صحفنا ومجلاتنا المقرؤة عربيًّا وكذلك إذاعاتنا المسموعة وإعلامنا المرئي ينتابك شيء من اليأس، حيث تجد المبالغة في التطبيل والبهرجة في الأوصاف هنا وهناك بسبب وبدون سبب، بل إنه في بعض الأحيان لا يقال الاسم المبجل إلا بعد جملة من الألقاب، وهم لو تمكنوا لذكروا له أوصاف الأسماء الحسنى، ولكنهم ما زالوا يخافون المد الروحي الإسلامي عند شعوبنا.

أضف إلى ذلك أننا أحسن من يفبرك الأخبار لصالح من يملك زمام أمر الإعلام في القطر العربي، ومعروف أن فبركة الأخبار ظاهرة قديمة، للأسف عرفناها بجلاء- بل صدمنا بها- في أخبار صوت العرب أيام نكسة يونيو عام 1967م، حيث كانت أخبار الهزائم تذاع على أساس أنها انتصارات طيلة الأيام الأولى، مما جعلنا نخرج في مسيرات فرح وتأييد لذلك النصر العظيم، وأتذكر كم صدمنا وبكينا عندما عرفنا الحقيقة واستقال الزعيم.

إن ما يحدث الآن أكثر بكثير مما حدث عام 1967، فكل ما يقدم باستثناء القليل خاصة في الإعلام الرسمي مفبرك لصالح فرد أو فئة أو نظام، وبالتالي يعيش المواطن في عالم إعلامي يتسم بعدم المصداقية، بل إن أصدق وصف له- بصراحة ووضوح- الكذب المفبرك الذي يجعل من الهزيمة انتصارًا ومن السارق أمينًا ومن الكاذب صديقًا.

وفي الجانب الآخر برزت ظاهرة مواقع إعلاميه الكترونية معارضة، وكذلك صحف حرة مستقلة، البعض منها- ولا أعمم سواء الصحف أو المواقع- تفننت في مهاجمتها لمن يعارضون، بل وبالغت في سرد الأحداث دون تريث، بل زايدت على الأحداث و"عملت من الحبة قبة" وتناست أنها بذلك تفقد مصداقيتها؛ لأن من يتابعونها يعرفون أن الخبر الصحيح يشكل 10% فقط من الخبر المكتوب، وأقدم مثلا بأنني قرأت في أحد المواقع شتيمة لرجل استغل موقعه، وهذا صحيح، ولكن الأحداث التي رواها الموقع عن ممارساته الفاسدة غير حقيقية؛ لأن أسماء الجهات والمؤسسات التي اتهم باستغلالها أعرفها جيدًا، ولم يتم فيها أي شيء مما كُتب، فالمفسد المستغل هذا يربح الرأي عندما تكتب المواقع والصحف روايات عنه يعلم جيدًا أنه قادر على نفيها، وأن ناسًا كثيرين يعلمون أنها غير صادقة، وبالتالي قام الكاتب أو الصحيفة أو الموقع بتقديم خدمة لهذا الإنسان لا يستحقها.

حقيقة افتقدنا النقل الصادق للأحداث والوقائع، وتحت حجج كثيرة وقعنا فى شباك الكذب والدجل والنفاق وعدم المصداقية، وأنا هنا بطبيعة الحال لا أعمم، لأن هناك من يلتزم في طرحه للحقائق فقط، ويتحرى الصدق فيما يقدمه، ويعتذر بشدة عندما تصدر عنه معلومات يكتشف بعد ذلك عدم مصداقيتها.
هذه اللخبطة المقرؤة والمسموعة والمرئية الكترونيًّا وغير الكتروني تسببت في قرف الناس من القراءة والدخول على المواقع السياسية والثقافية، واتجهت إلى المواقع الدينية الصرفة أو إلى عكس ذلك اتجهت إلى المواقع والقنوات الإباحية أو شبه الإباحية، وبالتالي فإن بعضًا من الذين يمارسون في كتاباتهم الأسلوب غير الملتزم بأصول النقل الأخباري وتحري الصدق- كانوا سببًا في انحراف بعض شبابنا أو تطرفه وابتعاده عن الوسطية وروح الإسلام السمحة، سواء كان ذلك بدراية منهم أو من غير دراية.

إن مسئولية نقل المواضيع وكتابتها أو التعليق عليها هي مسئولية أخلاقية لها علاقة كبيرة بالسلوك الأخلاقي، وتؤثر تأثيرًا مباشرًا وبشكل كبير في كيانات المجتمع، بدءًا من الأسرة إلى المؤسسة إلى الدولة، وبالتالي فإنها محرمة دينيًّا وممنوعة قانونيًّا، ولا يسعنا في هذا المقام إلا تقديم النصح لكل الصحف والمواقع بألاّ يكتفوا بأن يكتبوا: إن "الموقع أو الصحيفة لا تتحمل مسئولية ما يكتبه كتابها" وبالتالي فهي هنا وضعت نفسها كجدار الشارع في عدم مسئوليته فيما يكتب عليه، لأنهم أمام الله مسئولون بطبيعة الحال، فهم مشاركون في الإثم.

وعليه فأنا أقترح أن لا تنشر مداخلة إلا بعنوان بريد الكتروني واضح واسم ثلاثي لكي يفكر المتحامل أو الناقل للمعلومة ألف مرة قبل إرسالها، ولا يعني هذا كبت حرية التعبير، بل المراد تنظيمها ووضعها في الدولاب الأخلاقي السليم، وإذا كان لدى البعض الرغبة في تفريغ ما في جعبتهم من معلومات حتى الكاذبة، فليكن لهم ركن يسمح لهم فيه بالكتابة والتعليق كما يشاءون، وحتما إذا نظم هذا فلن يجد هذا الركن من يقرؤه.

نحن فعلاً في حاجة ملحة لأن نبدأ في زرع الثقة والمصداقية عند شبابنا وناسنا، وأن نعود إلى أنماطنا الثقافية والأخلاقية التي كانت أهم ما يميزها الصدق ونبذ الكذب والكذابين والنفاق والمنافقين.

كم نحن فى حاجة إليه!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى