الخميس ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم محمد موسى أبو خطوة

من قلب شاب في قلب مصر

سطع في السماء شئ من الضياء.... يبدو لمن يراه كوجه تهلل باللقاء.... بعد ان أعياه مراره الفراق... وتغنى الطير بألحان ساقها حب الصفاء.... فكأنه قضى ليله كله في شقاء... وظهرت في الأفق أنوار من شفق الشروق ...ظهرت مصحوبه بأرواح جميع الموجودات ..ذلك النور الذي ماهو إلا ضياء شمس الروح التي اكتسبت ضوئها من فيض الكمال الإلهي الذي أُغدق عليها...وتلقت القلوب نسمات الصباح ...فهدأت من طول البعد وطول الفراغ....فكأن الأرواح قد عادت بعد ان تغذت بأحلام النجاح ...فمُلأت النفس من جنباتها بأنوار الفلاح ..ولكن ..أبت ﺁلام الماضي ان تتخلى عن ثكناتها ...وقاومت ان تمحى بأنوار الرحمات .فرأيت في نومي وكأنني امشي في طريق مظلم تترامى على جانبيه أشلاء من الزمان تساقطت بسلاح الأيام ساقها من كهفها شبح الهيام فنقلها من ظلال الكهف الى ظلام الاكوان ..........وظهرت بعد الاشلاء شئ من دلائل البقاء ظهرت في صوره بحر من الدموع تساقطت من عين كشمعه تذوب في الظلام بجوار الشمعه هناك طفل يبكي من الآلام تركته امه بغدرة من الزمان فأصبح هو والشمعه سيان لايبدو ايهما جماد وايهما بإنسان .

ثم ظهرت بعد الدموع شجره جرداء فكأنها سيف سقط من السماء فانغرس سنه في رمال الصحراء .
تغذت الشجره من بحر الدموع فبدأ يظهر فيها بعض من الاوراق تبدو لمن يراها كمقله العين كثر من فوقها الندى ..وارتفع من غصنها شئ من الانين اصدره طائر تجاذبه الحنين... الحنين الى سماء تعلو فوقه فلا يرى حافتها بنور العين ولو سار ضوء عينه مر السنين ..فسقطت من عينه دمعه تداخلت مع دمع الاوراق الذي بقى حزنا على عمرها الذي ضاع .. فقد قرب موعد سقوطها ولم تستخدم في الشفاء او يستخدمها حيوان ليتقوى على البقاء او تتحد مع زميلاتها فتكون ظلال وسط الصحراء فتحمي ضائعا أحرقه شوق اللقاء .

ثم اكملت طريقي فرأيت نورا يظهر في أفق السماء فلا ادري ان كان حقيقه ام سراب .فكأنني بصوت طفل يضحك بصوت مبحوح فكأن ضحكه ظهر بعد صراخ وكأني بصوت حفيف طائر يرقى في السماء وكأنني بصوت غصن يهوى على رمال الصحراء..........يبدو وكأن الطفل فرح بأبيه ولكن هيهات ان ينسى الحنان وفرح الطائر بالسماء بعدما كسر الغصن من تحته ولكن هيهات ان يهوى اسفل مما كان ... وتوقفت الورقه عن البكاء فقد هوى عليها الغصن فخلصها من الاحزان وخلصها من مراره فوات الزمان .

فعلمت ان هذا النور ما هو الاسراب ساطع ظاهره مظلم باطنه مفرح ظاهره مبكي باطنه.
فاستيقظت من نومي على هذا الضوء وقد تكشفت خبيئته وشعرت بأنني علمت من الدنيا ما يكفيني ...نظرت من حولي فوجدتني ملقى على الارض مفترشا حصيره من سعف النخيل ما يغطيني سوى صفحه من جريده كتب عليها من الكلمات ما يفتح الحياه الى مد البصر- فإن من الكلمات ما إن تقرأها إلا وتشعر انك في الحياه سيدا او اميرا وان منها ما ان تقرأه الا وتشعر انك فيها وحيدا شريدا ليس لك فيها وليا او نصيرا- فنهضت من نومي ضيق النفس يبدو شعري كلهيب النار فكأنني كعقب السجائر استهلكتها الدنيا في فم عبد من عبادها سيدته عليها الدنيا فأنهاها ثم رماها فتلقفها طفل صغير اراد ان يعرف منها مايجهله ...فتلقفني يومي الجديد ولكنه هو من سيؤثر في ولست انا من سيكون له عليه تأثيرا فمثلي كمثل الثور مربوط بساقيه ما عليه سوى اللف والدوران ...يجري الزمان فألهث وراءه فلا أجد منه سوى الجلد والشتمان .....ولذا عقدت عزمي على ان اختار قيدي الذي يربطني بالساقيه وان ارسم بقدمي أثناء الدوران ما ينسيني كل لفه سابقه ويجعلني أتطلع إلى كل دوره قادمه لأتم على الارض ما ترسمه وتخطوه قدمي ..ولكني أعلم ما نهايه ما ترسمه فستمحى من على الارض بجسد من رسمها فمازال القيد في عنقه يجره بعد موته ليمسح به كل أفعاله وما زال الزمان يدور ويجري بدوران الشمس والقمر ...آه لو استطيع بجسدي قطع هذا المدار الذي تدور فيه الشمس فأغيرها عن مسارها ...أو اعود بالزمن آلاف السنين إلى الخلف حيث كان الزمن يمر سريعا ..لتمر أيامي علي سريعا لعلي اغفل عن مرارتها . ونظرت من حولي فلم أجد زادا ولا متاعا ....فحمدت ربي على أن حرمني مما يثقل على دوراني..توجهت نحو وعاء من المياه املأه كل ثلاثه أيام فحتى الماء الصافي يخدعنا بصفاءه فإذا ترك تعكر وخرج منهما كان يخفيه فما بالك بمن يتولى سلطه وتبدو عكارته من أول يوم فماذا سيصبح بعد عشرات السنين .

غسلت وجهي من اثار الزمن وليت لي مثل تلك المياه لأغسل ما علق بقلبي ....ولكنها تكفي لتشعرني بأني مازلت حيا........وتلقت ملابسي جسدي فأدخلتني مره واحده فهي تكفي لتذكرني بكفني ..ولا تصعب على من يغسلني أمر نزعها.
 حمص.......ياحمص...يلا يبني عشان تروح الكليه.

يا حسرتاه على لذه الوحده التي ضاعت

 يلا يبني قوم من نومك الساعه بقت 7
يا حسرتاه على عمري الذي يمر مر الضوء أمام بصر الكفيف
 ما بتردش ليه يبني لازم أكب عليك ميه كل يوم عشان تصحى
 ايوه ...ايوه يا أمه انا صاحي من بدري وخلاص لبست
 طب يلا تعالى كل لك لقمه عشان تلحق المواصلات
 لأ ...لأ ما تخافيش انا هاخد ميكرو باص النهارده .. الميكروباصات بتبقى فاضيه
 طب خلي بالك وانتى بتعدي وحاول تنزل عند الكوبري عشان تعدي من عليه...واوعى تستسهل وتعدي من الفتحه الي في الطريق

تمر أوقاتي وتدنو ساعتي ......ولست أنا لعهد الزمان بناقض
 انت هتغني يبني ولا ايه على الصبح كده .....يلا ومتنساش تاخد الباطو والكرنيه
 تأمري بأي حاجه تاني
 لأ بس متنساش تاخد المفتاح معاك عشان احتمال اروح اجيب ايجار الدكان من عمك حسن
 ليه ..متسبيه يا أمه هو الراجل بيكسب ايه عشان يدينا الايجار
 نعم يا يبني هوا الراجل بيدفع كام عشان اسيبهوله ...ولا احنا عندنا ايه غير الدكان عشان نتصدق بإيجاره
 هو احنا يامه بندفع ايجار الشقه دي
 لأ طبعا
 طب ليه
 عشان دي جدك الله يرحمه سبها بعد ما مات
 هوا الواحد يا أمه هيعيش حياته لنفسه و لولاده بس
 يا ابني لازم تفكر في مستقبلك و اولادك واحفادك
 طب يا أمه لو كل واحد فكر بس في مستقبله مين إلي هيعيش للبشريه...مين يا أمهإلي هيعيش لمستقبل سعيد إلي رمته امه في الورشه إلي تحتنا
 انتى إيه إلي هيحملك يا ابني حملك وحمل إلي حواليك...فكر في مستقبلك وربنا يخليك لولادك و أحفادك
 مش عارف أعيش لوحدي ....مس عارف أعيش وإلي حواليا بيبكوا
 طب يله يابني روح كليتك ...وابقى دكتور شاطر عشان تعالج الي حواليك

 يا أمه إيه لزمه أني أعالج واحد ..إذا كان مش لاقي ياكل أو يأكل عياله.. مش عارف يعيش .. ايه فايده إن الواحد يكون جسمه سليم إذا كان ملوش لزمه في الدنيا ..يا أمه إيه فايده إني أعالج واحد وبعدين من كتر المشاكل يروح ينتحر يا أمه دا السنه إلي فاتت في 104 ﺁلاف محاوله إنتحار..يبقى لزمته إيه الطب ...فلتذهب الأجساد إلى الجحيم إذا كانت ستعيش بين عجز وأنين
 يا أبني الحاجات دي كلها ذي ما بيقولوا سوف تتغير خليك انت بس في مستقبلك ويلا أنزل بقى قبل الزحمه.

قد طالت سوف كثيراً وأصبح الفرق بين سنون السين مئات السنين ومازلنا غرقي بين سنونها ...فلا أعلم إذا كان ينبغي لها أن تتحول إلى w فيمكننا أن نتزحلق على جدرانها حتى تمضي سريعاً ....أم تبقي س كما هي نسير فوق أشواكها حتى يتأتى لنا الوصول.

خرجت من بيتي ونظرت من حولي فوجدتني وحيدا بالرغم من هذا الازدحام الذي يحطيني ..ولكن حزني يُحيطني فلا يشعرني بمن حولي ..فأنا كالهارب من مصيده المكان ليكتشف انه داخل مصيده من الزمان والمكان فالزمن قد توقف بين الناس ........أردت ان اصرخ فيهم لأُعيدهم إلى وعيهم ...اردت ان أقول لهم لا تسيروا في طريقكم كالطفل السائر في ظلمه الليل فُقدت أمه صغيرا وأطلق على والده النار وهو بين أحضانه اولكن صوتي لم يخرج مني فشارب الخمر لايستطيع تحريمه.

من هذا السائر هناك ماسكاً طفلاًً في يديه يبدو الطفل متفائلاً بالحياه تظهر السعاده في عينيه يتمنى ان يجري به الزمن سريعا ليسير وحده معتمدا على نفسه يفعل ما يحلو له في الحياه ....يبدو الاب شاخص البصر ولكنه حاني رأسه إلى الأسفل ... وكأنه قد فقد كل معاني الحياه ..أصبح المستقبل أمامه وكأنه مرآه تعكس آلام الماضي فيتمنى أن يعود إلى أقصى نقطه يراها في المرآه لعله يجد مجالاًً للخروج مما وقع فيه....مثلهم كمثل الأعمى الذي يسوق عاجزا في كرسي متحرك فهذا يقود ذاك وذاك يرى لهذا ...فالاثنان يمثلوا معنى الحياه .

 جمله ..جمله

أشرت بيدي ...ففتح لي باب السياره وكأني مقبلاَ على الركوب في الكاديلاك خاصتي ..فشعرت بشئ من الفخر عندما رأيت زميلاَ لي واقف على الباب في إحدى الحافلات الماره بجواري ولكأنه يشعر ايضاَ بشئ من السعاده كأنه واقف بباب طائره تبدو السحب من اسفل منه ويتطاير من حوله اطراف البالطو يبدو لمن يراه كالبطل الخارق ينتظر ان يأتي المكان المناسب ليقوم ببمارسه رياضه القفز بالمظلات .
 متتفضل ياأستاذ ..انتى واقف مبلم ليه كده ؟
 اتفضل فين يا أسطى ..دا مفيش خرم ابره أقعد فيه !
 مفيش إزاي ..دا الكنبه فاضيه اهيه ما فيهاش غير اربعه ....متوسعوا شويه يا جدعان خدوا الأستاذ السُفيف ده جمبكم ....

الا ليت الأجساد قد صنعت من الدنيا نعيماً...ألم ترى الأحلام قد جعلت من الطفل زعيماً.
 جرى ايه يا أخويا.... يجي جنبنا إزاي ..انتى مش شايف الكنبه كلها حريم انتى فاكرها علبه سردين ولا إيه .

هربت من مصيده الفئران ...لأجد نفسي في بحر من الغيلان.
 خلاص يا أستاذ معلش أقف على الباب شويه لحد ميفضالك مكان .

 يا ريتني ما عيبت عليه.
 نعم ؟
 لأ مفيش حاجه .

اصطدم الهواء في وجهي فتذكرت أحلام الطفوله التي كانت تعصف برأسي ...حركت نسمات الهواء غبار أفكار التغير التي احترقت بفعل الأيام ...فانتشر ذلك الغبار في جسدي كله ...فرأيته يتمثل داخل عقلي ليأخذ اشكال الأحلام التي امتلأت بها رأسي صغيراً...فقد شهد سريري كثيراً من أحلام التغيير ...كانت تلك هي أحلام طفولتي ....ماذا ستفعل إذا اصبحت وزيرا أو رئيسا ؟كيف سأحل مشكله ازدحام المواصلات حفاظا على امي واخواتي ؟ .... كانت تلك هي أحلام طفولتي ...فأحاول أن اضع كل يوم جواباً مختلفاً....فإمتلأت رأسي بالأجوبه من كثره المشكلات

فأتخيل نفسي حينها وكأنني أتمنى ان اصبح مثل تلك البكتريا التي تنمو داخل امعاء الكانجرو وتساهم في علاج الاحتباس الحراري في جو الأرض

ولكنه الزمن .....الزمن الذي يغير كل شئ ...فقد رأيت احلامي واحلام من حولي تتغير ...فلا أعلم ان كانت هي من تتغير ...ام إن العجز قد شوهها ...فقد اكتظت ألسنه الناس بألفاظ التبرير..فإذا كثر التبرير فأعلم بأنه يستحيل التغير.
 ماشي اخر الكوبري معاك يا أسطى

ظهرت من أمامي أجساد المرضى وهي تفترش الرصيف -فقد إمتلأت جحور المبنى بالمرضى – وأمامهم ظهرت لي( الست عليه) أمامها حوض دائري صغير ممتلأ بالسمك البلطي الكبير ...بجوارها (عم السيد) صاحب الفرشه المملوءة بأجهزه التحكم الخاصه بالتلفزيون أو الدش والذي تصطدم به يومياً (الترولي) المحمل بأجساد المرضى والذي يتم إنزاله من سياره الأسعاف كل ساعه ،فمنهم من يجد له مكان داخل المستشفى ومنهم من يبقى بتروله على الرصيف.

فمددت قدمي أمامي وعيني قد امتلأت بالدموع ونسيت أن انظر على يساري لأستطيع الجري لأتجنب السقوط فحتى جسدي هو الآخرمقاوم للتغيير ...فسقطت من فوري على وجهي فتذكرت في الحال تلك الصوره التي كانت قد التصقت في ذهني قديما والتي أحاول نسيانها ولكنها تتجدد أمامي يومياً ...صوره ذلك الشاب أو ذلك الطفل أو تلك السيده أو تلك الفتاه التي يسقطها شيطان امامه سواء كان جندياً أو كلباً لدى جندي ..فلا فرق لدي....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى