الأحد ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم نازك ضمرة

فخري قعوار

في الليلة الاخيرة قبل سفري كنا نلعب الشدة، وليس لدينا لعبة اخرى نتسلى بها، حتى الرمل الذي كنا نلعب السيجة فيه لم يعد موجوداً في قريتنا، ولم يبق لأهل قريتنا ارض نعمل بها حتى ننشغل بامر مفيد لنا ولأبنائنا، يحضر وفد كبير من القرية للسلام علينا وتوديعنا قبل السفر في اليوم التالي، وبعد التسليم والقبلات العربية، انشغل الجميع في مواضيع مختلفة، وفي لحظة هدوء في القاعة الواسعة في منزل موسى عيسى وجه رضوان الخطيب حديثه لي، كان حسن الهندام طويلاً نحيفاً في الثلاثينيات من العمر، طلب مني أن أتصل بالسيد فخري قعوار صاحب شركة الباصات لأنني أعرفه، وذلك كي يعاقب سائق الباص الذي كان يقود مركبتهم بعد ظهر ذلك اليوم من رام الله إلى بيت سيرا، كانت جلستنا بحضور رجل قريتنا المعمر موسى عيسى أطال الله في عمره، قال رضوان يصف السائق موضوع الشكوى:

 سائق متهور كلما مرت دقيقة حمد الركاب الله على سلامتهم ونجاتهم حتى تلك اللحظة، لكن أكثر الركاب داخوا وتقيأت نساء وبعض الأطفال. فوجئ الجميع بصوت انفجار قوي دوى أثناء وصفه لسرعة الحافلة، اهتز المبنى الذي نقيم فيه، وأجفل معظم الحاضرين، لكن فزّ شاب قصير جداً من الزاوية البعيدة، فطمأن الناس أن بعض المتمردين من شباب القرية يجربون أسلحة بدائية، تلعثم رضوان، ولكنه لا بد أن يكمل حديثه حتى لا يتهم بالخوف والتخاذل.

اضطرب الجميع من رعب التمايلات الاضطرارية في منعطفات الطريق، وكلما احتججنا عليه أو شكونا من سرعته وبصوت مرتفع، زاد من سرعته وعناده، وأحياناً كنا نسمعه يتلفظ متمتماً

 أنني أريد الوصول لأهلي سالماً، وإن وصلت وصلتم معي أنتم أيضا سالمون، وحجته أن أحد المستوطنين الإسرائيليين قد يظهر فجأة في الطريق ليوقف الحافلة او يعيقها، ويقضي على ركابها أو على الرجال ومعظم الذكور.

وحين شعر الشاب رضوان بسكوتي وعدم اعتراضي على فكرة التشكي من ذلك السائق المتهور، غاب دقائق وأحضر رقم هاتف فخري قعوار، وفور ظهور صديقي فخري على الطرف الآخر من الهاتف، تغير موضوع حديثي معه، صرنا نتكلم عن التطور العلمي والحضاري، ولكن حديثنا تركز على التطور المبهر الذي حققه الأميركان وما زالوا يحققونه وينجحون في كل ما يخططون.

لم أنس وأنا أتحدث مع قعوار ما فعله أبو فايز بي قبل قليل، حين كنا نلعب الشدة، حصل تغير في بعض افراد الفريق، وأردت أن أكون مع الفريق الذي برز بعد فريق الجولة الأولى، لكن بدا من شخص آخر أنهم لا يريدونني أن ألعب معهم، ثلاثتهم جلسوا في الأماكن المريحه، وتركوا لي المكان غير اللائق لكبر سني، فعلقت حفظاً لكرامتي قائلا: أنني أريد العودة للبيت، فاجاب أبو فايز، (مين مانعك تقوم، الله يسهل عليك). نسيب كبير في السن وأقل مني علماً وثقافة وحتى عمرًا، كيف ينبذني هكذا أو هو القمع؟

أبلغني فخري قعوار أن الأميركان لا يتقيدون بأي تراث قديم، ولا يعيقهم شخص مهما علا مقامه، وكل ما يخطر على بال الشباب والعلماء يفعلونه، دون أن يكسروا قوانين الدستور الأساسية. والأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال يرحبون بالأفكار التي تزيد من غناهم، فيبادرون بتنفيذ ما فكر به العلماء وما ابتكرته العقول الشابة، لتحسين مستوى العيش أو القوة بكل اشكالها العسكرية والصحية والزراعية والصناعية، يرحبون بكل عقل سليم او مبتكر من اي منبت أو اصل على الكرة الارضية، وتزداد خيراتهم ومبتكراتهم ليظلوا في طليعة امم الأرض، قاطعني المشتكي وأيده ثلاثة آخرون، قالوا ما معناه: إننا نخسر يوماً بعد يوم، وأمورنا تسير من سيء إلى أسوأ، فكيف نخرج من أزماتنا القديمة المتأصلة والجديدة المتتالية؟

أجبته، ليتك تسمع معي ما يقوله فخري قعوار.

 وماذا يقول صاحب شركة الباصات؟

 استمعوا للشباب، أو دعوهم يعملون لإراحتكم دون اعتراض عليهم.

اما عن سائق الباص حين اثرت حكايته وشكوى المواطنين منه، قال فخري قعوار، اتصلت بي شركة صينية بتمويل أمريكي لتوريد مركبات تحلق على ارتفاع عشرات الامتار عند كل نزول حاد أو في اي منعطف خطر لتجنب الارتجاجات والتمايل الذي يعاني منه الركاب، وأفاد ايضا إن مندوب الشركة الصانعة قال، إن اختراعهم هو لراحة الإنسان، ولسرعة وصوله إلى الموقع الذي يريد دون عناء، وفي وقت أقصر، وحين اعدت السؤال عليه حول السائق المتهور، بادرني فخري قعوار قائلا ً: استغول المستوطنون الغرباءء وقرروا إيقاف استخدامنا للطريق التي اعتاد الناس عليها منذ اكثر من مائتي عام، وقبل فصل السائق أو عقابه، إننا نفكر كيف سنلتف بين الجبال وعبر الحقول لنوصلكم بالمدينة، احترت مذا أقول لصاحبي الشاكي، وحين كثر الهرج بين الحاضرين، نهضت للعودة لمنزلي الريفي، ورثته عن ابي الذي ورثه هو الاخر عن والده، وفي الطريق فكرت بما سمعت وبما فعلت، قلت في نفسي لماذا كان فخري قعوار# فارس فكري هذه الليلة؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى