الأحد ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم نازك ضمرة

نقـــد النقـــد

ملاحظات مبنية على الندوة النقدية التي جرت في القدس لمحاكمة رواية سامية عيسى المعنونة (حليب التين)

مقدمة: أحسّ بكثير من الفخر والاعتزاز بشعبنا وبإصراره على الحياة وإثبات وجوده على أرضه وخاصة في القدس العاصمة المقدسة، ورمز التواجد الفلسطيني وتماسكه. وإن كل قارئ لأي نشاط ثقافي أو نقدي في فلسطين يشعر بفرح خفي لا تعبر عنه الكلمات. وليسمح لي أساتذتنا وقرائي بإبداء ملاحظات نقدية على بعض ما ورد من نقد للرواية المذكورة أعلاه.

1) لاحظت إجماعاً عاماً على التحامل على الكاتبة الأديبة الفلسطينية سامية عيسى، وخاصة من أدباء مخضرمين وكتاب ونقاد، أو من رجال نضج فكرهم على نمط معين، يتمترسون بسلاح الصمود والمقاومة الأدبية التقليدي، أو إن الغالبية من الحاضرين غرفوا من تراث وثقافة تكاد تكون متماثلة أو متقاربة،

ثم أن أغلب من شاركوا في الندوة هم من الرجال (ولست متأكداً أن كان الدكتور إسراء أبو عياش هو رجل أم هي امرأة، وإن كانت امرأة لم نسمع لها رأياً)

2) رواية الكاتبة هي الأولى، وندر أن نجد الرواية الأولى لأي كاتب أن تكون كاملة مكملة ومحكمة خالية من الانبعاجات والشطحات ومن مخالفات القواعد التقليدية او المألوف أو التابوهات الدينية أوالتراثية . أو حتى الفنية المتعارف عليها، وما دام الكل يعرف ويعترف أنها الرواية الأولى فعلينا ان نبدي آراءنا لمصلحة الأدب والأديب، ولا نتمادى في تسفيه رأيها أو التعامل معها بروح ابوية أو تعليمية أو إرشادية، وكأننا الأوصياء على الأدب الفلسطيني والأدباء.

3) لست في موقف قوي للدفاع عن ألأديبة الفلسطينية التي أثارت هذا الكم الواسع من الأدباء الفلسطينين ذوي الصيت والتاريخ والعراقة، لأنني لم أقرأ الرواية، وكل ما أكتبه هنا هو من محتوى ما قرأت من كلام أدبائنا الأفاضل، ولهذا احب أن يفهم أنني لست مدافعاً هنا عن الرواية، بل عن الكاتبة المثيرة للجدل، والجريئة حد إغاظة الكثيرين، ولكل مجتهد نصيب، أما أن يصل الحد بأن يصف الإنتاج الأدبي لأديبة بأنه (وقاحة) فهذه مفردة لا يحق لأحد أن يواجه بها أي كاتب إلا إذا كان والده الحقيقي أو والدها، وأتمنى أن تتاح لأدبائنا قراءة مقال ترجمته مرة عن كتب كانت ممنوعة من النشر بسبب فضائحيتها أو أسباب مماثلة، وأصبحت بعد ذلك كتباً مشهورة وأشهرت كتابها

4) مادام أغلب من ابدى اعتراضات أو نقوداً جارحة لكاتبتنا (المحسوبة علينا) رضينا أم أبينا، يعترفون بأننا نعيش ضمن تيار العولمة، كثيرون يقاومون التيار ويصمدون، وآخرون يتوهون في خضمه ولا يدري أحد لهم رسواً، وفئة ثالثة تسايره وتحاول تحويره والتمازج معه وتجيير الكثير من مضراته أو منافعه إلى علاجات نفسية أو جسدية أو اجتماعية أو ثقافية وبالتالي علمية مثمرة منتجة فاعلة، ومن لم تصله هبات العولمة بعد، فسيجد نفسه ويجده الناس خارج ساحة الصراع العالمي والمحلي والإيماني، وكأنه في أزمة مرض زهايمر.

قصدت القول هنا أن نقدنا يجب أن يقتصر على محاكمة نص الرواية نفسها كنص أدبي متميز، وربما تتغير فكرتي بعد قراءتها، لكن ما قرأته من كارهي النص، والحجج المسرودة لتبرير التحامل والتخطيء، والتفنن في إبداء النصح والإرشادات لأديبة استطاعت أن تمتع القارئين لروايتها أكثر مما أثارت فيهم الاشمئزاز، ودعني آخذ رأي الأدباء والنقاد الأفاضل، في الموقف التالي: أتمنى أن يكتب كل واحد منكم صفحة واحدة عن طرد من الذباب لا يقل عن الف ذبابة تتجمع على وجه طفل أو طفلة أو على طبق فلسطيني أو فلسطينية جائعة تأكل من نفس الطبق أو تقف مريضه لا تقوى على الحركة وهش الذباب وهو ينهش في وجهها وأنفها ويدخل باب فمها المتهدل ويصل لأسنانها، ومع كل هذا تمتد يدها إلى طبق الطعام سواء طفل أو طفلة ، امرأة أو رجل ضعيف، يشارك الذباب في الطعام، وقد شاهدنا الكثير من تلك المشاهد في إفريقيا، فهل هذا مقزز مثل الرواية الخرائية التي نحن بصددها؟،
وهل شاهد أي منكم أماً تنظف مؤخرة طفلها، وكم خرقة أو مسحة تقوم بها في كل مرة لتنظيف الوسخ الطازج أو المتقادم بين ساقيه أو بعد أن اندد إلى ظهره؟ وقبل أسابيع قليلة شاهدت في التلفاز أباً ينظف لطفله وسخه من بين ساقيه ومما تساقط على ارض الغرفة، لأن الوالدين يتبادلان رعاية الطفل، فحين يعمل الأب تقوم الأم بالمهمة، وحين تغادر الأم لوظيفتها يقوم الأب برعاية ابنه، الخلاصة، شاهدنا الرجل ينظف الأوساخ والروائح الكريهة وهي يقيء ويتقزز، ولكنه ومع ذلك يكمل مهمته، ثم يغادر للمرحاض لإكمال إخراج القيء من أحشائه، ولمن أراد محاولة وصف أي من مثل تلك المشاهد فمن السهل ايجاد ذلك بنفسه على الشبكة العنكبوتية، أو الوصول إلى أي موضوع مثير، محزن، مؤلم، مفرح، جنسي، قذر، مقزز، ليثير القارئ، وحين ينجح الكاتب في إثارة القارئ فتلك قمة نجاح الكاتب، ويجعنا نتابع الحكاية لنعرف وجهة نظره أو مبرراته لذاك الطرح،
ودعني اتساءل هنا، لماذا يذهب بعض الناس لمشاهدة عملية قطع يد السارق، أو لمشاهدة قطع رأس المجرم المحكوم عليه بالموت؟، أو لحضور رجم الزاني أو الزانية وربما المشاركة مع الحضور؟؟؟ فلو ورد ذلك الوصف بأسلوب أدبي هل سيعيب الفن الأدبي؟ أم يجعله مثيراً ، وعلاجاً لكثير من أمراض متفشية في المجتمع أو النظام أو التراث أو التابوهات.

5) إن بروز هذا الكم المتلاحق أو في شبه إجماع على نقد نص ادبي، لا يقلل من أهمية الرواية التي كنتم بصددها، بل يبشر بخير، ويجعل من الشعب الفلسطيني والأدب رائداً ونموذجاً يحتذى، وهي بشرى تثلج الصدر، وغسان كنفاني ما يزال رائداً وقدوة، ومحمود درويش سيبقى رائداً وقدوة لأجيال، وكذلك إدوارد سعيد، وعنيت بذلك أن الشتات الفلسطيني أنضج الكثيرين من الأدباء وسينضج المزيد منهم لتشبعهم بآراء وثقافات مختلفة يطبخها الأديب في بوتقه عقله ليخرج لنا بنكهات جميلة فريدة أو خارجة عن المألوف متفوقة وفاعلة ومثيرة

6) نرحب بظهور أديبتنا (سامية عيسى) الفلسطينية على الساحة، ونتمنى أن تطلع بنفسها على النقود والملاحظات، لكنني أدعوها للتعمق في قناعاتها والتبصر بها، والإصرار على أسلوبها إن ظلت مقتنعة به، مع الأخذ بما يروق لها مما ورد في التعليقات والمقالات النقدية، وكم نحن بحاجة إلى نقاد يا ابنتي، أو يا أختنا، وأرى أن تكوني سعيدة بهذا الكم من الاهتمام بكتابك الأول، ولا تندمي على فعل انجز واصبح ملكاً للعامة وأضيف للتراكم الثقافي لشعبنا ولأدب أمتنا، والذي يشهد له العالم كله بأن هناك أدباً فلسطينياً متميزاً، ويعرف القاصي والداني أننا متأثرون كثيراً بما حاق بنا من ظلم واستعداء وغدر وخذلان من الغرباء والأقربين.

وأخيراً: إن ملخص البيان الذي صدر عن ندوة القدس: مختصراً في الجملة التالية:
(وقد أجمعوا على أن الرواية تحمل اساءات كثيرة للشعب الفلسطيني، وخصوصا اللاجئين والشهداء، وللقضية الفلسطينية)

وأعتقد أن هذا هو رأي قلة، وفيه الكثير من الهوى والمبالغة والتزمت، ويكفينا تخفي وهروب من الواقع، وكما يقول المثل الشعبي الفلسطيني (الشمس ما بتتغطى بغربال)، فإخفاء السفاهة والفجور وإنكارهما لا يعني انقطاعهما من أي مجتمع. ومن لم يصدق قولي فليتابع المحاكم في بلاد الأثرياء من المسلمين عن الزنا والمحرمات كل يوم، فكيف بشعب عاداه الزمان والمكان والإنسان وحتى السماء؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى