الاثنين ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

لا يُشقّ له غـُـبار

أقضّ مضجعي صديق عتيق، عندما أصرّ على وصف معاناته ؛ والتي تمثلت بحبه لفتاة، يندر وجودها في عصرنا هذا. يقول لي: أصبحتُ أرى وجهها في كل ما تقع عليه عيني، وتلون عالمي بلون وشاحها، أحببتها وتمردتُ على خوفي وارتجافي، أحببتها وهي بعيدة المنال كنجمة الصبح، وأنا (عار المناكب حافي). يقول: تبرأت من كل زيف عصري، وبحت لها بكل ما في قلبي، فأصبحتُ بذلك مدمنا لها ثملا بصوتها.

قلت له: من تكون تلك؟

قال: جدها فارس مغوار لا يشقّ له غبار، وأبوها هُمام لا يقلّ عن حسن سيرة والده وطيب خصاله، وأمها من نسل فرسان صناديد يفلون في غضبتهم الحديد، وقد كملها الله بجمال خلقة، وأدب، وذوق، وحسن خلق. سرد لي قائمة طويلة من مناقب ذويها، فتساءلت هل مازال في عصرنا مثل هؤلاء الجحاجح!.

أطرقتُ مفكرا، فظن صاحبي إنني أتفكر فيما قاله، لكني في حقيقة الأمر كنت أفكر بمعنى المثل "لا يشقّ له غبار"، ونسيت معاناة صاحبي، ولم أفكر في الذهاب إلى كتب الأمثال وتفسيرها، لأني أريد تفسير ذلك المثل حالا، وليس لدي من الوقت متسع، فاعتمدت في تفسيره على ما تختزنه ذاكرتي من عهد الصبا في حياة البداوة. حيث كان الحصان يعدو بسرعة ويثير خلفه الغبار وتعدو خلفه أحصنة أخرى لا تستطيع اللحاق به، أو حتى تشق غباره أو تدخل في ذلك العجاج الذي أثاره، وعند رجوعي إلى بعض كتب الأمثال وجدت المعنى ليس ببعيد عما ظننته. سألت صديقي عندها: أأنت وأسلافك لا يشق لكم غبار أيضا؟ فردّ علي متبسما، الحمد لله نحن في عصر الحضارة والمدنيّة ولم يعد هناك من الغبار ما يُثار، وبذلك أصبح الناس كأسنان المشط، أقصد المشط في عصرنا الحالي، ففيه طرف أسنانه طويلة تختلف عن تلك القصيرة في الطرف الآخر، لكن المهم أنها كلها في نفس الصف.نظرت إلى ساعتي فوجدتُ الوقت قد تأخر، فاستأذنتُ منه وركبت سيارتي بسرعة، نظرت خلفي في المرآة ولم ألحظ أي غبار، فرثيت لفروسيتي وفروسية صاحبي.

كلمات لها معنى:

الصديق عتيق: هو من يلازمك مهما اعترى علاقتكما من العواصف والغبار.

المعاناة: هي قدرتك على شراء حلة العيد، لكن بعد حلوله.

الزيف: أن نـَعِض غيرنا في العلن ونمارس نفس سلوكه في سرنا.

الصناديد، جمع صنديد، وهو السيد الكريم، كما قال ابن منظور في (لسان العرب).

القائمة الطويلة: هي ما تكتبه الزوجة للزوج من مستلزمات يجب أن يشتريها عند ذهابه للسوق.
الجحاجح: جمع جحجح، وهو السيد السمح ، وقيل : الكريم ، ولا توصف به المرأة. هذا ما أورده ابن منظور في (لسان العرب).

عهد الصبا: هو تلك من العمر، الذي التي نحسن الاستمتاع بها نتوق لما بعدها.

الحصان: ما يركبه الفارس، و أفضل أنواعه الحصان العربي. ومنه حصان خشبي كبير كان السبب في سقوط طروادة؛ المملكة اليونانية الشهيرة، حيث خلد ذلك الحدث الشعر اليوناني هوميروس، بملحمته؛ حصان طروادة.

الأمثال: هي كلام أسلافنا، الذي نأخذه على عواهنه, ولا نفكر به أبدا، وأنه حقيقة لا تقبل الجدل.
الحضارة: ما يجعلنا نسرع في فتح باب الشقة، كي ندخل بسرعة خشية أن يدركنا الجار الذي يصعد على الدرج، ونتبادل معه التحية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى