الجمعة ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم حسن لختام

البحث عن فكرة

كنت اقضي جل وقتي داخل مكتبي الصغير المزدحمة اركانه بكتب وروايات وقصص من مختلف الاجناس الادبية. كنت ابقى متسمرا امام الالة الكاتبة علني انهي مشهدا او مشهدين من احدى سيناريوهاتي السينمائية، خاصة سيناريو الاسير. كنت دائما في صراع مع الشخصيات والاحداث التي ينسجها خيالي والتي كانت دائما لاتريد الخضوع لي وللقالب الدرامي التي كنت اضعها فيه.. شخصيات كانت دائما ثائرة ضدي وغير معترفة بسلطتي تحتقرني،، وغالبا ما كنت اسمعها تقول ساخرة مني:- انت عاجز على ان تخلق لنا عالما نعيش احداثه ومغامراته ولو لفترة من الزمن. من عادتي اني كنت اضع سلة المهملات بالقرب مني، فغالبا ما كنت امزق الورقة التي اكتب عليها مشهدا او مشهدين، فاتوقف رغما عني بسبب عجز لعين يمنعني ويخنق انفاسي. بعد عملية التمزيق كنت كاني اسمع قهقهات الشخصيات ساخرة مني ومن عدم قدرتي على الاستمرار في الكتابة. كنت كاني اسمعها تقول لي وباستهزاء كبير:-

خيالك قاحل وضيق كضيق مكتبك هدا. دلك العجز كان يثير اعصابي فاشتم نفسي بعصبية وعنف قائلا:- شخصيات قصصي وسيناريوهاتي على حق. انا عاجز كل العجز عن فعل الكتابة. قضيت سنوات لاباس بها في حصار حصونها الموصدة ولم افلح في دخول مملكتها الاسطورية. هل اعود ادراجي!? ام افكر في حيلة كحيلة حصان طروادة لدخول مدينتها!? او اهجر عالمها الغامض والمعقد نهائيا لاني لااليق بها. لكن، لمادا الكتاب والروائيون يكتبون قصصهم ورواياتهم بسهولة مطلقة!? مادا ينقصني انا?. لقد التهمت- بما فيه الكفاية- كتبا وروايات من مختلف الاجناس الادبية ولم تساعدني في شىء. ادن ما سبب هدا العجز اللعين الدي يمنعني من فعل الكتابة!? لمادا لااملك الخيال الواسع الدي يجعلني ابدع في عالم الادب بكل سهولة ومرونة كما يفعل الكتاب والادباء الكبار!? اسئلة مؤلمة كنت اطرحها على نفسي وكم كانت تلك الاسئلة تعدبني وتقض مضجعي. في احدى الليالي، قررت الدهاب الى احدى الحانات المفضلة عندي لتلدد بشرب بعض القنينات و لنسيان هموم الكتابة ومتاعبها. جلست في احد الاركان الخلفية من الحانة حتى اتمكن من مراقبة كل شىء فيها.. شخصياتها اكسسواراتها وكل ما يدور فيها. كانت الحانة ممتلئة عن اخرها. اشخاص كثيرون يرتادون الحانات ليلا للتفريج عن مشاكلهم وهمومهم ولتحدت بكل حرية عما بداخلهم. الخمر يجعلنا فعلا نفرغ ما بداخلنا من اهات ومكبوتات وعقد ونزوات.

اننا نؤدي البعض من طقوسنا فليباركنا الاله ديونيزوس. في تلك الحانة كنت ارى الاشخاص عن حقيقتهم بعيدا عن الكبرياء والتصنع.. كانت الاقنعة تتساقط الواحد تلو الاخر. كنت احس بمشاعر الاشخاص واحاسيسهم، ببرائتهم وطيبة نفوسهم، بعدوانيتهم وشرورهم. ما روع ان تستمع الى الاشخاص وهم يتحدثون بلغة اعماقهم ودواتهم الداخلية. بدات اشرب القنينة تلو الاخرى وخيالي وافكاري تشرب معي. كم يعجبني دلك الجو الليلي في الحانة.. ضجيج الزبناء، رنين دراهم بائعي السجائر، صياح بائعي الفول والحمص، موسيقى راديو كاسيط ..الكل يؤلف سيمفونية ليلية عجيبة ليست كباقي السيمفونيات. سكرت بما فيه الكفاية. احرقت كل المبلغ الدي كان بحوزتي دخانا وبيرة. سكرت معي افكاري وشخصيات قصصي، ربما تفصح لي عن سبب عجزي عن اخراجها من العدم الى الوجود. غادرت الحانة. كان الجو ينبىء بنزول بعض الامطار، حتى السماء شحيحة كشح خيالي.

كانت الشوارع فارغة الا من مرور بعض سيارات الاجرة وبعض دوريات الشرطة. توقفت لانادي على سيارة اجرة لتاخدني الى بيتي. فقدماي كانتا لاتطيقان المشي. تدكرت ان جيوبي خاوية كخواء خيالي، فاطلقت العنان لرجلي لتاخدني رغما عنها الى منزلي، كما اطلقت العنان لخيالي لعله يجود علي بفكرة اجعلها قصة سينمائية او رواية ادبية. بدات امشي ببطء تائها في صحراء خيالي علني اعثر على واحتي المفقودة اروي منها عطشي. كنت تارة امشي بخطوات بطيئة، وتارة اخرى بخطوات سريعة. كنت امشي على ايقاع احداث القصص التي ينسجها خيالي. عندما تتصاعد الاحداث اسرع في المشي. وعندما تتراجع تتثاقل خطواتي. مايحيرني هو انه عندما اكون خارج مكتبي يراودني خيالي، ويطاوعني فيجود علي بقصص انسج احداثها بسهولة، وحتى اني اسمع الشخصيات تتحاور فيما بينها، بل اشعر انني اتحرر من الرقيب الدي يسيطر علي وعلى خيالي. لكن عندما ادخل مكتبي، فغالبا ماتختفي الاحداث، وتتبخر الشخصيات، ويشهر الرقيب علي سيفه المسلول.

بعد فترة من الزمن، وجدت نفسي امام منزلي. لم اعرف كيف وصلت بتلك السرعة. كان الحي هادئا الا من مواء بعض القطط ونباح بعض الكلاب المتسكعة. تلك اللحظة لم تكن لي رغبة في النوم، فقررت ان اتجول قليلا في الحي، لعل سكونه وهدوءه يساعدني في اصطياد الفكرة التي ابحث عنها. فبدات امشي تارة يمينا، وتارة شمالا من دون وعي. لحسن حظي عثرت على فكرة. نزلت علي بشكل تلقائي. اعجبتني، فبدات في تطويرها واعادة خلقها وزرع الحياة في شخوصها. مااعظم عملية الخلق والابداع. عدت ادراجي باتجاه بيتي. امتلكتني رغبة جامحة في الدخول الى مكتبي، وتحرير ما جاد به علي خيالي في تلك اللحظة السحرية من الليل. فجاة، توقفت بالقرب مني دورية للشرطة. نزل منها شرطيان بخفة فائقة كانهما يبحثان عن مجرم خطير. خاطبني احدهما قائلا:- اش كتدير فهاد نصصات الليل!?، ثم اضاف بنبرة حادة:- لكارط. بدات افتش باندهاش في جيوبي الخاوية عن بطاقة الهوية قائلا:- انا ابن الحي..ابحث عن فكرة..ماجاني النعاس.
خاطب احدهما الاخر سكران ..معربط..طلعو يمشي.

احتجت عن قوله بشدة لكن الكلمة الاخيرة كانت لهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى