الأحد ٢٠ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم عمر حمَّش

عَلَىْ جَناحِ طَيرِ الْوَعْدِ

ويغورُ المخيمُ في الليلِ البهيم؛ والحالمُ يستدعي جناحَ طير الوعدِ، فيقبضُ على رسنِ اللجام، ثمَّ يصعدُ الريح؛ ليستحمَّ ظمآن في حُزم الشمسِ الكاوية تحت نجيماتٍ ضاحكاتٍ، وكويكباتٍ تشير!

ويسرُّهُ أن تزفّهُ أجراسٌ؛ فيبتسمُ لسعدٍه الآتي؛ وهو بواتي الديارَ من عالٍ مهيب؛ فينسابُ عبْرَ الحدودِ مثلُ شهابٍ، وقد ترك حراسها في الغرابة مشدوهين، لا تنفعهم في حصونهم صيحاتُهم المتأخرة، ولا ما رشقوه من صليات!

والحالمُ سهمٌ محمومٌ؛ يستنشقُ من قبلتِهِ الطِيْب، ويملأُ رئتيهِ بشذا الحقول، وقد يخمنُ أشجارَ كرمِ أبيهِ تأتيهِ، فيتصاعدُ زهرُ برتقالها في غيماتٍ، ثم الغيمات يتشكلن عرائس، بأياديهن باقات، ويتبخترن في ثيابِ زفافٍ!

وعادةً ما يُحلّقُ مع الطيرِعلى ذات الطريق التي عبرها صغيرا ليلة التهجير، فيستعيد نحيب النساءَ من خلفِ الأحمالِ، ومن على أكتافهن بكاء الصغار، وتطعنهُ حيرةُ عيونِ الكهول، وتعودُ سيقانُ الشيوخِ؛ تترنحُ مثلُ البوص بصحبةِ عصيٍ قطعوها قبل طردهم من الكروم!

ويظلَّ الحالمُ على هذا؛ ودمعُهُ يفيض، حتى يأتيه مدخلُ مجدل عسقلان، فيشتدُّ الأمرُ، وقد هبَّت جيوش، فيتطايرُ من تيهٍ إلى تيه، حتى يلامسَ أسطح البيوت!

ويغامرُ؛ فينزلُ أو يكاد، والسماءُ في عربدةٍ، والأرضُ تكزّ على الأنياب، فيمرقُ مثل طلقةٍ، ليستقرّ على رأسِ نخلةٍ تعتلي سطح بيتهم، فيداعبُه سعفُها؛ حتى يرويه، ويُحدّقُ حتى يكاد يقتله التحديق، وتلقيهِ سعفةٌ إلى جدار؛ فيتمرغُ على دهانِ الطوبِ مثل فراشة متجرأة!

وجدُّهُ يظهرُ من حفرة؛ ليتمطى وهو يقفُ، ثمَّ يخطو، ليعود يجالس جرار الفخار في زاوية، والجدَّةُ تعودُ مع الدنيا العائدة، فيصيحُ الحالمُ:

(جدتي!)

لكن القاطنين الجدد في الفناء يعوون:

( عربي!)

ويطيرُ الحالمُ في اهتياج، يطيرُ؛ ويحومُ، وطيرُهُ يدفعهُ من ميدانٍ إلى زقاق، ومن جدارٍ يعرفه إلى جدار؛ حتى تقومَ المجدل تراقصه!

ويرغبُ بلقاءِ المسجدِ المملوكيِّ؛ فيزحفُ كالفاتحِ إليهِ خببا؛ حتى يشهقَ على بابِه مثل عصفورٍ فقد الضوء، وقد وجد واجهة المسجدِ قد قُسّمت محلاتٍ لبيع الخمور!

وينادي الحالمُ، ينادي الله، وهو يقفزُ للداخلِ؛ وينادى فرسان التاريخِ، ويتحسس زخرفةِ صحن المسجد؛ فيردُّ عليهِ الخرابُ رجعَ صوتِه، وعناكبُ أعشاش سوداء تطلُّ، ويبكي؛ يبكي الحالمُ ويحاول العثور على آخر أنفاس الأكسجين، حتى تستحضرَ أذناهُ دقّ نواقيس، ثمُّ شدوَّ مزامير؛ ونورٌ الشمس يواتيه؛ يُمطرهُ بآلافٍ من طيور الوعد، تُلوّحُ مناقيرُها بالمفاتيح، والحالمُ يلهثُ مُستعرا في الفراشِ، يلهثُ بأنفاسٍ حَرى، أنفاسٍ تتعارك، ويداهُ حائمتان، ترسمَان آواخر مشاهدَ تسكنه لمجدل عسقلان!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى