الاثنين ١٤ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم أمان أحمد السيد

سجـــــــــــــــــالات

إلى كل من يتــــاجرون بجسد بشري..

هــــــه.. هه ..ماهذا..لا يعقل..طيخ .. طاخ..
كنيزك ٍ فجأة سقط َمن بطن الغيب ِ.. سقط َ فجأة ..كريح ٍ مجنونة ٍعابثةٍ.. كزوبعةٍ استغفلتِ الرّياح الهُوج َ.. كمـُـدمـّرةٍ استهاجتْ أقداحَ السُّكر..سقط َ..ومن بعيد لا يمكنك أن تقدّر ماهو،ولا يمكنـُك أبدا أن تدرك أنه جسدٌ آدميّ ٌ إلا إن اقتربتَ منه كثيرًا وكيفَ لكَ أن تقترب فبينك،وبينه الأسوارُ، وأمجادٌ من الحصون..أبهذه البساطة أنتَ أيها الجسدُ تسقط ُهكذا كرفـَّة جفن ٍ أوارتعاشة ِطيف؟..ما أثقلك وأنت تهدرُ فوق الأرض تخرق ُبطنها،وما أخفـَّك،وأنت َتسقط فوقها تنسلخ ُعن الروح!..

انتفضَ الماءُ في البركة، وقذف الصّياحَ في سماكتها، وفي جدران قتيمة ارتفعت حوله تشرئب ُّإلى عنان الارتحال..

بركةٌ صغيرة تقعُ في مستنقع عددٍ من بناياتٍ أُعدّت ْلاستقبال من نُسمّيهم آدميين نصّبوا أنفسَهم متفوقين عن البشر،ومن ْ همُ البشرُ في سائرهم عنهم؟ إنهم أصلاً لا ينتمون إليهم..عالمُهم عنهمْ غائم ٌ.. لهم محيطُهم،ولهم أكوانُهم،ولهم مداراتهم.. أهكذا ببساطة يُلقى بجسد آدمي في الماء المُعدّ أصلا لرفاهة الأجساد.. جسد ٌغريبٌ في منبته،ولونه.. جسدٌ ارتكب َأكبرَ المعاصي والآثام..ألا يكفيه أنه فقير،وأنّه في جواز سفره "خادمة"؟ !

هو ممسحة قذرة تطؤُها أقدام ُسيدات صدّقن أنفسَهنّ حينَ ابتدعْن َكذبة ً ضخمة أسمينها السيادة.. سيادة المال، والعنصرية، وسطوة الغرور..

تشظّى الماء،وتقاذفته جدران ُ البركة،والجمادات ُحولها،وهوى الجسدُ الآدميّ في القاع شريدًا كما هو في الحياة اليباب.. جسدٌ لامرأة سوداء الإهاب.. وصمتها الفقرُ،وعارُها الخدمةُ،وأسيادُها الكفرُ،والاستعبادُ..
ما الذي دفعها إلى الغوص في تلك البركة التي هي مُنفسَح ٌلنادٍ من أرقى النوادي؟! أتراها رغبتْ أن تتسيّد لحظةً، وأن تتمنطق بإهاب البيض ولكنة الأعاجم؟ أتراها استلعنتْ قدرها الأكحل َ ذات غفلة؟أتراها أشهرت ِالثأرَ لإنسانيتها ذات ثانية،ورفضت وصمتها فلمْ ترَكبرياءها إلا في تلك البركة الصافية..في ذاك المسبح الذي يتلألأ كوجه إلهٍ ليكون لها المثوى..

وكـــــان صباحًا..وكعادةِ من يعملون في هذا النادي دخلت ْسائرةٌ أخرى في دروب الاستعباد إليه تمارسُ اعتياد عملها اليوميّ، تنظيفَ المسبح الممثّل ببركة صغيرة، وتنسيقَ النادي لاستقبال القادمات ِإليه من واجهات ِالثريا وأبراج ِ النجوم..

تصعقُ .. إذ لا تميزها في بادئ الأمر..تبدو مجرد شكل يطفو مفترشًا الماء..ثيابه منتفخة بزرقته، متأوهة بجهنميته.. يبدو كضفدع شاسع ٍ قادمٍ من أرض الأساطير، وكأنه قضى ليلته يقاصصُ أسفل َالبركة في محاولة لجمع عالمين اشتركا في السفلية..

وتصيح العاملة بصوت يختنق بالصعقة:

"الحقوني .. آدمية في الماء.." لكنة المرأة غريبة لا تنتمي إلى دواوين العرب،ويترذرذ ما حول البركة برجال يرتدون الزيّ الرسمي لرجال الأمن وبسحوب من الدخان..

فـــــي المساء.. تطلّ امرأة بثوب متجلجل بالْفوق..أسودَ اللون، ومن خلال وشاح رقيق يستضيء وجهها النوريّ ُ السحنة بهالة من الادلهام ..

" إنها خادمتي الأثيوبية أظنها قد انتحرت بإلقاء نفسها في البركة..لم أكن وقتها في البيت عندما حدث ذلك..لم يعد ينقصنا إلا الخدم ..كل هذه الفوضى صارت بسببها؟!"..

أيـــــام ثلاثة يشمّع فيها النادي بالأحمر ..وما تلبث بركة السباحة لتعود تستقبل عالمها الفوقي بينما صفحة وجهها السفلي ما تزال في سجال مع الدّون حتى إشعار آخــــــر..

إلى كل من يتــــاجرون بجسد بشري..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى