الخميس ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

انتقام مظلوم

أكثر من عامين قضاها صلاح وهو يوفر ما يستطيع من مال حتى وصل المبلغ إلى عشرة آلاف دولار. فمنذ هاجر إلى الولايات المتحدة عام (٢٠٠٥) وهو يحلم بعشرة الآف دولار، لكنه بعد أن وفر ذلك المبلغ عرف أن قيمتها الفعلية في الولايات المتحدة ليست كقيمتها في مصر.

لم يكن صلاح يوفر فلوسه في البنك، فهو يتقاضى معظم أجرته نقدا ولا يصرح بها لمصلحة الضرائب كل عام لأنه لو فعل ذلك فلن يوفر شيئا، لذلك كان يخفي أمواله في صندوق أمانات استأجره داخل البنك.

وفي أحد الأيام سمع صلاح أن دائرة التحقيق الفدرالية (إف، بي، آي) قد قامت بتفتيش أحد المواطنين العرب، وصندوق أماناته في البنك بتهمة التهرب من الضرائب فخاف على فلوسه من الضياع، لذلك قرر نقل المبلغ من الصندوق في البنك وإيداعه أمانة لدى أحد أصدقائه الذين يثق بهم. بدأ يستعرض أسماء أصدقائه واحدا واحدا حتى استقر رأيه على خالد التاجر ورجل الأعمال، فهو بذلك يضمن أن لا تضيع فلوسه وأنها بيد رجل موسر صاحب محلات تجارية يعرف كيف يحتفظ بها ويصونها.

فتوجه إلى خالد وعرض عليه الفكرة، فرحب به خالد واستعد حفظ أمانته في عيونه، فأودعها صلاح إلى صديقه خالد لحين استردادها.
بعد شهرين كان خالد يراجع حساباته في مكتبه وبينما كان الموظفون مشغولين دخل المحل أحد اللصوص حاملا سلاحه الناري مهددا بإطلاق النار إذا لم ينصاع الجميع إليه. رفع الموظفون أيديهم إلى الأعلى‪،‬ فطلب منهم أن يديروا ظهورهم، وعدم النظر إلى خلفهم. دخل اللص إلى المكتب وطلب من صلاح رفع يدية وفتح الخزنة. وعندما حاول صلاح تأخير عملية فتح الخزنة الحديدية أطلق اللص النار قرب قدميه فأرعبه ففتح له الخزنة فورا، حمل اللص كل ما بها، وحذر خالد من اللحاق به ثم ولى هاربا.

اتصل خالد بالشرطة التي باشرت بالتحقيق دون فائدة فالمتهم غير معروف ولم يتعرف عليه أحد، وكاميرات التسجيل في المحل لم تلتقط أية صورة واضحة لوجه المتهم الذي يلبس طاقية تخفي أجزاء من وجهه.

ادعى خالد أن اللص سرق منه (١٥) ألف دولار كانت في الخزنة الحديدية.
كما قدم لشركة التأمين تقريرا بالحادث موثقا بتقرير الشرطة.
علم صلاح بالحادث فجاء يطمئن على صحة صديقه وسلامته، وحمد الله أن اللص لم يعتد عليه أو يطلق النار عليه، وقال له:
 في المال ولا في العيال.
خلال الحديث بينهما قال خالد لصلاح.
 كان ضمن المبلغ الذي سرقوه الأمانة التي أحتفظ بها لك.
 لا حول ولا قوة إلا بالله ، أرجو أن يعوضك التأمين عنها.
فقال له:
 وما علاقة التأمين بذلك؟
 حتى لا تخسر المبلغ من جيبك.
صمت خالد لحظة ثم عدل من جلسته وقال:
 اللص سرق (١٥) ألف دولار، خمسة مني وعشرة لك، التأمين ليس مسؤولا عن الأمانة.
 تغير وجه صلاح وقال.
 ماذا تقصد أفصح وأوجز.
 لقد وضعت عندي أمانة ولا أنكر ذلك، ولكن اللص سرقها وأنا غير ملزم بتعويضك عنها فقد سرق فلوسي معها.
 يا عزيزي أنا أودعت لديك أمانة، أصبحت مسؤولا عنها لحظة قبولك بها، وسرقتها لا ينفي عنك المسؤولية، اللص سرقك ولم يسرق أمانتي لديك.
 هذا غير صحيح يا صلاح لماذا أحضرت لي أمانتك؟
 يا خالد أحضرتها لأحفظها عندك.
 كان بإمكانك حفظها في البنك أو في أي مكان أمين.
صمت صلاح ثم قال غاضبا:
 ألم تقل أنك قدمت تقريرا للتأمين بالمبلغ المسروق؟
 صحيح ولكن إن عوضوني فالمبلغ لي.
 كيف؟
 أقول لك، لنفترض أنك لم تضع أمانتك عندي، وسرق اللص مني ألف دولار. كنت سأدعي أنه سرق (١٥) ألف دولار (قيمة التأمين) لكي أحصل عليها، أنا أدفع لشركة التأمين لأكسب منها وليس لأدفع لك.
 عجيب أمرك يا خالد تريد أن تتخلى عن واجبك عن أمانتي التي احتفظت بها لديك، وتقبض من شركة التأمين زورا وبهتانا... كيف لي إذن أن اقتنع أنهم سرقوا الأمانة؟
 أتتهمني جزاء معروفي لك؟
 خالد أنا لا أتهمك ولكني أرد على ادعاءاتك، وأقوالك، على كل حال أنا وأنت ولجنة التحكيم، ما رأيك أن نحتكم إلى إمام الجامع الشيخ مسعود؟
 الشيخ مسعود؟ ما علاقته بالأمر؟
 لنستمع إلى رأي الدين.
 المسألة واضحة ولا تحتاج إلى رأي رجل الدين.
 هي واضحة فعلا ولكني أرى وضوحها بغير ما تراه.
 هل تريد أن نحتكم لدى محكمة أمريكية؟
 محكمة أمريكية سيسألونني عن إثباتات بأنني أودعت المبلغ لديك، وليس عندي سوى ثقتي بك
 أشكرك على ثقتك وأقول لك بأن أمانتك سرقت وليس لك عندي شيء.
 هل ترفض أن نحتكم إلى إمام المسجد؟
بعد تفكير قال خالد:
 حسنا اتصل بإمام الجامع وحدد الموعد وبلغني وسأحضر وأبدي وجهة نظري، أنا متأكد أنه سيحكم لصالحي.

لم يرض خالد بقرار التحكيم وظل على رفضه إعادة الأمانة إلى صاحبها، مما زاد من غضب صلاح خصوصا أنه كان يعد خالدا صديقا عزيزا عليه.

كان محتارا ماذا سيفعل؟ هل يضربه؟ كيف يضرب صديقه لأجل المال؟ ماذا عن الأمانة التي أمضى أكثر من عامين يوفرها دولارا إثر دولار؟ كان أحيانا يجوع، وأحيانا يشتري أسوأ أنواع الأكل ليوفر المبلغ، هل يتنازل عنه؟ هل يتركه لعل ضميره يصحو بعد حين؟ أي ضمير وأي صحوة؟

هذه فلوسي ويجب أن تعود، لن يعود حق لا يطالب به صاحبه.
لقد رفض خالد تحكيم إمام الجامع فماذا بقي بعد؟
ليس أمامي سوى اللجوء لبعض أصدقائنا المشتركين.

لم يقبل خالد بقرار أي صديق حكم لصالح صلاح، ولكنه سعد برأي صديق له من الجزائر يدعى يزيد واستند إلى موقفه في دفاعه أمام صلاح وطالبه الاحتكام إلى يزيد. فقال صلاح:
 ترفض قرار إمام الجامع المتخرج من الجامعة بقسم الشريعة وتريد تحكيم شخص لا يصلي ولا يعرف بالشرع.
 ولكنه درس الدين في المدرسة، وهل الدين يحتاج إلى شهادة جامعية، الشيخ عمرو خالد لم يتخرج من قسم الشريعة.
 وهل ستقارن هذا بذاك؟
 على كل حال قراري الأخير ليس لك عندي شيء وإن أردت نحتكم إلى يزيد.
 أمانتي في عنقك ولن أسامحك وسآخذها يوما ما.

افترق الصديقان وساءت العلاقة بينهما وصار كل منهما يتهم الآخر ويصفه بأبشع الصفات.

بعد شهور من الحادث دخل محل خالد موظف أمريكي من شركة يحمل صندوقا وقال للموظف العامل في المحل، هل السيد خالد هنا؟
 لا ماذا باستطاعتي أن أخدمك؟
 لديه هذا الطرد من شر «سي آي».
 ماذا به؟
 لا أعرف، هل يمكنك التوقيع هنا.
 بكل تأكيد.

وقع الموظف اسمه وأخذ الطرد ودخل به إلى مكتب خالد وتركه هناك فيما غادر الموظف المحل.

عاد خالد بعد ساعة ليجد الطرد، فسأل الموظف من أرسل الطرد؟
 لا أدري جاء به أحد الأشخاص وقال إنه خاص لك أنت طلبته.
 غريب لم أطلب شيئا.
 ربما دعاية من إحدى الشركات.

فتح الصندوق فوجد قميصا وكرت معايدة، قرأ الكلمات المكتوبة بخط اليد بالانجليزية.
 مبروك، وصلت الهدية.
رفع القميص فوجد تحته صندوقا صغيرا حمله وفتحه فوجد به بودرة بيضاء. بدا يقلب بها ويتساءل:
 ما هذا؟ هل هذه مخدرات؟
قبل أن يصحو من المفاجأة، كان عشرة أشخاص من الإف بي آي يهاجمون المحل،
 إف بي آي، لا تتحركوا انبطحوا على الأرض ارفع يديك وراء ظهرك.
 ارتمى الموظفون على الأرض وثلاثة زبائن كانوا موجودين فيما دخل أفراد من المجموعة المهاجمة مكتب خالد الذي فوجئ بسرعتهم.
 أوكي أوكي.
 انبطح على الأرض.

بعد انبطاحه قيدوه وحمل أحدهم كيس المخدرات، بعد التدقيق به عرفوا أنه مادة الكراك فاقتادوه إلى السجن، وأطلقوا سراح البقية وأغلقوا المحل.

حلف خالد لهم الأيمان أن المخدرات ليست له وأن الصندوق جاءه من خلال شركة شحن لا يعرف من أرسله. لكنهم لم يصدقوه، ولم يجدوا أية علامات على الصندوق يوضح اسم الشركة التي شحنته، وقرروا تقديمه إلى المحاكمة وإغلاق المحل حتى الانتهاء من المحاكمة.

خرج بكفالة مالية مقدارها خمسون ألف دولار. حاول فتح المحل لكنه فشل، فخسر زبائنه وعجز عن سداد ديونه المتراكمة على المحل، وتلفت البضاعة داخل المحل فقد منعوه حتى الدخول إلى المحل فيما ظل صاحب العمارة يطالبه بالأجرة الشهرية.

في الجلسة الختامية برأت هيئة المحلفين خالدا من التهمة وحكم القاضي بالافراج عنه.
حاول خالد من خلال محاميه المطالبة بالتعويض عن إغلاق المحل لكنه فشل، واصيب بانهيار واكتئاب.

التقى صلاح بخالد بعد المحاكمة فقال له متهكما:
 مبروك البراءة. كنت أعرف أنك بريء.
 الله يبارك فيك.
صمت ثم قال له:
 أريدك أن تحلف يمينا أنك لم تدبر لي تلك المؤامرة.
 مؤامرة؟ أية مؤامرة؟ تتاجر بالمخدرات وتتهم الناس؟
 أنت تعرف أنني لا أقوم بذلك.
 هذا ما كنت أعرفه، لكن بعد أن أكلت الأمانة، لم أعد أثق بك ولا بأيمانك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى