الأحد ٢٠ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

وراء الغيب

نــــــاديـــة بيـــروك

وراء الغيب

ارتعدت فرائص منى عندما أشارت إليها العرافة بإيماءة من رأسها، اقتربت وهي تكاد الاختناق من هول البخور ومن كثرة الأدخنة الغريبة المتصاعدة، لم تكن لتقدم على عمل كهذا، إنها متعلمة وناضجة. ورغم ذلك ساقتها الحيرة وقادها الشك إلى حيث هي الآن.

 إني أرى الثعابين تحيط بك من كل جانب رجل يبغي حتفك، امرأة قصيرة تتربص بك الدوائر. و حظ عاثر في الحب و الشغل.

كادت منىأن يغمى عليها من هول المفاجأة، إن العرافة، صدقت وأوجزت، تراها تعلم الغيب؟ تململت العرافة في مكانها وهي تتمتم بتعاويذ غريبة لم تفقه منها منىشيئا. كان جبينها يتصبب عرقا وكانت يداها مشدودة إلى صدرها المنقبض. عندها صرخت العرافة:- اقتربي و اطلبي السلامة "لرجال البلاد".

تمتمت منى بألفاظ غير مسموعة وهي تقترب. كان يبدو أن هذه العجوز المخيفة تعلم الكثير. ولكنها لم تقل شيئا، لم تخبرها عما حل بأخيها الحبيب؟ لم تطلعها عما إذا كانت ستجد عملا أم لا؟ عما إذا كان زوج أمها الذي يبغي حتفها سيقلع عن ملاحقتها ومطاردتها رغم أنها ربيبته؟ عما إذا كانت تلك المرأة القزم ستكف عن الإساءة إليها وإغرائها؟ عما إذا كان أحمد سيتقدم لخطبتها، لقد وهبته كل شيء. وأصبحت تخشى غدره أكثر مما كانت تخشى حبه؟ فجأة يقتحم صوت العرافة المرعب حبل أسئلتها الملتاعة:

 إن الحظ سيبتسم لك. ستنجلي أحزانك. سيتزوجك شخص نبيل لم تشاهديه من قبل.

 ماذا؟ و أحمد؟

 اصمتي حتى لا يغضب "رجال لبلاد" لا تقاطعيني، سامحوها إنها لا تفقه شيئا!؟

 حاضر.

 ستعملين قريبا والغائب لابد وأن يحضر، ولكن احذري المرأة القصيرة وزوج أمك لن يتركاك و شأنك!

صعقت منى. إن هذه العجوز الشمطاء تتحدث بثقة غريبة وكأنها تملك مفاتيح الغيب. تراها صدقت؟ و لكن من أين لها كل هذا؟ فجأة، تنتفض العرافة كالديك المذبوح معلنة نهاية الجلسة الرهيبة، زاعمة أن "رجال البلاد" قطعوا حبل الغيب وأن على السائلة أن تنصرف حالا بعد أن تقدم لهم الهدايا و القرابين. نهضت منىكالمعتوهة وإمارة الدهشة

والرهبة بادية على محياها المتعب. هل صدقت العرافة؟ أعليها أن تنسى أحمد؟ ماذا بشأن الجنين الذي بدأ يتحرك بين أحشائها؟ إن العرافة لم تتحدث عنه! أعليها أن تصدق ما لم تصدقه أبدا؟ كانت منى تمشي الهوينا وهي لا ترى المارة من هول ما تعانيه، عندها ترتطم بشخص لم تتوقع مجيئه:

 أحمد! أعرف جئت لتتنصل من وعودك، لتغدر بي لتتركني وابنك لنضيع.

 ما الذي أسمعه؟ لقد حضرت لأتزوجك الساعة ولنرحل من هنا إلى الأبد. فما قولك؟

لم تجب منى ولكن دموعها أجابتها، دموع الفرح والخوف، أومأت برأسها علامة الموافقة. و كلما خطت خطوة نحو المستقبل أدركت أن لا قدرة لإنسان على الوقوف وراء الغيب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى