الاثنين ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم عبد الجبار الحمدي

همسة

سنلتقي قريبا هكذا قلت لي في خطابك الأخير، الذي استلمته مع طيور الحب التي جاءت تحمله، رمت به على وسادتي الخالية إلا من عطرك، تسربت إلى شغاف قلبي اسطوانة الهمس، تلك التي كنا نتبادلها في خلوة من زمن، على ضفاف نهر تغزل بنا كثيرا، ومشط ضفافه جدائل طفلة في ليلة عيد، فألبستها الأنوار الملونة أجمل ما لديها، ثم افترش يستمع معنا حين همس حب لأغنية أم كلثوم بعيد عنك حياتي عذاب، هكذا قلت لك قبل رحيلك وبعد زواجنا بشهرين، إنك ستتركني لوحدة وغربة، لم يؤنس وحشة ليلي، وفراغ نفسي بعدك أي شيء، سأعتزل الحديث بعذوبة كلماتك، التي صغتها قلادة بعقد فريد، حتى أني قمت من فرحي أتراقص على سلم عزفها وموسيقى الشوق، غدا سيصل حبيبي، سأعود كما أنا فراشة أتنقل على ضياء ونور طلعتك، أريد لروحي أن تحترق وتذوب بين ذراعيك كقطعة ثلج، وأقول لك تنفسني كما أتنفسك، يا نبع أيامي، يا سؤدد العين، يا نبض قلبي، هيا استمع لضرباته التي وقفت إجلالا لهيبة سلطانك، شدني ودعني أرفل من ذكريات سطوري التي رأتك وتلمستها قبلِ، ألا زلت يا حبيبي تشم عطري؟ ألا زلت تستظل بروحي؟ التي أمنتها أن تظلل عليك من حرارة شمس، هيا قل لي.. لا لن أدعك تتكلم، سأغفو على أنفاسك، بل سأستنشقها على مهل، حتى أتذوق أحاسيسك في غربة ووحدة، لقد كنت تخبرني أني الدنيا بالنسبة لك، وقد جعلت كل أفلاكك وبما تحمله من أيام تدور حولي، تحرسني تمد أصابعها نسمات باردة، كالتي أحسها حين جلوسنا في شرفتنا معا، كم كانت أيامنا ليال مفعمة بالحب، غمرتنا بمياهها، حتى فضنا جوا، أغرقنا فيه لواعج حب، يا لك من قاسٍ! تنتظر أن تحملك طائرة حتى تصل إلى ذراعي، ولو كان الأمر عائد لي، والأمر معكوس، لطرت إليك من ساعتي ووصلت بضعة بضعة، لتجمعني وتشكلني كما تشتهي، وترسمني بألوانك، ترمي نورك انعكاس لخانات في زوايانا، تلك التي نقشت أسمي واسمك عليها، يا الله ما أطول هذه الليلة؟!!

أتراها تختلف عن تلك الليالي التي فارقتني فيها؟! أم عن تلك ألليال التي سرقت مني دفء روحي في دنيا عمل؟ لا أدري رغم حبي لليل ونسماته المتراقصة على ذكريات حبنا، أحسها اليوم ثقيلة، أتراها تغار مني لأنها أدرك انك ستعود في الغد!!؟ لذا ألجمت خيول سير عربته حتى يبقى معي ليراني في حالتي هذه؟ يا لحرجي لقد غدوت كطفلة تنتظر أمها الرءوم، لتحنو وتمسح على رأسها، ثم تضمها إلى صدرها، هل تراه فعلا يحبني كما أحبه؟؟ هل يهفو إلى حضني وعطري؟؟ هل ....؟؟ لا.. يكفيك يا ليل، لست بحاجة إلى هواجسك المرعبة والمخيفة، لا تزرع ظنونك السوداء كردائك الذي لا تحب أن تلبسه مع ليل عاشقين، دع لألئك تنير بوحك للعاشقين، فأنا قد أخبرتك وهو كذلك، لا يمكن أن تربك مشاعرنا هواجس من كان الحب عندهم نسمة ليل مظلم، إننا تعاهدنا أن نحيا في روح واحدة بجسدين، أنظر ... ومدت يدها إلى صورته التي خبأتها قرب قلبها، وخبأتها بقلادة على شكل قلب من ذهب، أنه هنا في قلبي، فقالت كأنها تحدث الليل.. لا .. لا تنظر إلى هذا القلب الذهبي، ادخل إلى صدري لتراه قد تربع على عرشه، ومن حوله براعم العشق التي ترقص وتغني له، في كل لحظة عزفا سرمديا بنبضنا، هيا أرجوك خذ مساحاتك المظلمة بعيدا، وأدعو لي الصباح، وأخبره أني انتظره على أحر من الجمر، فسوف يصل حبيبي، وأريده أن يتأنق دون غيوم، مرتديا شعاع شمسه الذهبية، وليحض معه نسيمه البارد، وليحدث الشمس بأن لا ترمي بأشعتها على وجه حبيبي، حتى يستطيع أن يراني بوضوح، دون أن يظلل على عينيه بيده، أو يلبس نظارته، أريده أن يراني كما شاهدني آخر مرة، ومن ثم يغمض عينيه على صورتي، هكذا أتمنى عليه أن يراني، بثوبي الحريري ذو اللون ألسمائي، أتَذكُر أيها الصباح، حين امتدح لون ثوبي، وقال: انه كلون السماء الصافية، و لونه كمياه البحر حين ترمي بنفسها على مسطحاته الواسعة، هكذا أريد أيها الصباح، تحتفل معي وتخبر عبر نسائمك أوراق شجر، لتعزف سمفونية الحفيف، مع اوركسترا طيور الحب، لتستقبله معي، هيا أذهب ...

كانت قد لبست ذلك الثوب الذي يحب، وركبت السيارة توصي أخاها أن يهم فقد أقترب وصوله، كان يشعر بلهفتها إلا أن طول طريق المطار هو السبب، كما إن الوقت لازال مبكرا، فهناك ساعتان قبل وصول الطائرة، قالت له: هل لك أن تسرع؟ أجابها : نعم.. فقط اهدئي يا همسه .. لقد اقتربنا فذاك هو المطار، وسيكون علينا الانتظار حتى تصل الطائرة، ومن ثم تهبط والإجراءات، ماذا تقول!!؟ كل هذا الوقت يسرقه الزمن مني أيضا وأنا أنتظر، إلا يكفيه عام من عمرينا، لابد من طريقة لجعل الروتين قصيرا، ضحك حين سمع ما قالت وشعر بلهفتها، فهز رأسه لم لا سنرى ماذا يمكننا أن نفعل، هرعت فور توقف السيارة إلى صالة استقبال المسافرين، وعيناها مسلطة على لوح وقت وصول الطائرة، نظرت إلى ساعتها، يا لك من زمن!! تسرع دوما في لحظات الوداع، وتبطئ في لحظات اللقاء، هكذا أنت منازع، تتجسد دوما في ساعات عمر، يا لك من حاقد، ها أنت تركت وليدك الانتظار يقلق ويؤرق لهفتي بلقاء حبيبي، حتى فضحتنِ أمام أخي، وها أرى الناس تتلفت إلي، لعلي صرخت من مللً دون شعور؟ كما أن أخي أراه يمسك بيدي بقوة، كأنه يحاول أن يمسك روحي، عن القفز قبل جسدي متى ما رأيته، أشفق الزمن عليها على مضض وقال: هيا دعها لا تنتظر كثيرا، فقد أوشكت أن تفارق الحياة لهفة وشوق، تسارعت عقارب الساعة جريا حتى هبطت الطائرة، جرت مسرعة إلى صالة الاستقبال، تحرك قلبها عيونا، مرسلة لهفتها ورود لقاء، هبط الجميع إلا هو!!، والوقت يمضي مسرعا التفت إلى أخيها أين هو؟؟ أين حبيبي عماد؟؟ لا يمكن أن يكون قد تأخر!! فقد قال لي: انه سيكون معي اليوم، احتار أخوها بلهفتها وفزعها في آن واحد، ومر الوقت فقال لها: هدئي من روعك، ربما هناك صالة استقبال أخرى، أو ربما خرج دون أن نراه، قالت: مستحيل فقلبي يقول لي انه هنا.. لقد وصل، وبينما هي تلتفت نحو اليمين والشمال تتفرس بالوجوه القادمة، لمحت عائلة عماد، وأهلها، وهم يجرون نحوها، وما أن وصلوا قالت لها أمها: همس حبيبتي لقد وصل عماد، ماذا؟؟ وصل!! أين هو؟؟ لقد أحسست انه قد وصل، ولكن من أين خرج.. لماذا لم يأتي من هنا؟؟؟ أشارت أمها نحو اتجاه مكانه، والذي ما أن رأته همسه، حتى سقطت صارخة لا.. لا يمكن أن يكون عماد..!!!! أني أريده هنا معي، خذني إليك ورمت بنفسها على نعش عماد الذي أُخرج عبر البوابة الأخرى من المطار، كان معه صديقه في الغربة، والذي احضره دون أخبار أي أحد من الأهل، إلا ساعة وصول كما أوصاه عماد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى