الخميس ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم فيصل سليم التلاوي

طار الحمام

 يحشر أبو مصطفى نفسه داخل البدلة الإفرنجية بدل قمبازه الواسع المريح، ويواري صلعته ببرنيطة عصرية بدل كوفيته المرقطة، حتى لا يلفت الأنظار وتتطلع إليه عيون المتطفلين، إذا قارن أحدهم بين كوفيته تلك وكوفية طيب الذكر ياسر عرفات.

يجلس على مقعد خشبي وإلى جواره تجلس أم مصطفى مذهولة عما حولها، تتابع أسراب الحمام التي لا حصر لها، تتنقل بين أقدام السابلة، وتغطي طرقات الحديقة العامة الفسيحة.

 وربما راق لواحدة منها أن تحط هنيهة فوق مقدمة برنيطة كهل يجلس جلسة تأمل، أو على كتف سيدة بدينة، فلا تلاقي اعتراضا من أي نوع.

تتعجب أم مصطفى وهي تتابع ببصرها حماما لا حصر له:

 ( ما شاء الله، ما شاء الله، والله حمام الحرم اللي شفناه في الحج ما هو قد نص هذا أو قد ربعه. منين جابوا كل هالحمام، يا الله يهدهم)؟

ويرد عليها أبو مصطفى:
 يمكن عمرهم ما ذاقوا طعم شوربة الزغاليل, ولا الحمام المحشي بالفريكة, وإلا كان قطعوا أثره.
 لو خبّرنا مصطفى، كان حملت معك فخ، أو خرطوش الصيد بحاله. 
 ما بدها صيد يا بنت الحلال, لو بدنا نمسكهم بأيدينا بنمسكهم، لكن اسألي ابنك 
الأفندي والخواجاية مرته إن كان بياكلوا حمام محشي حتى ننقي هالصغار الصغار.

 توجهت أم مصطفى إلى المقعد المقابل حيث يجلس ابنها وزوجته الأوروبية لتستشيرهما إن كانا يحبان الحمام المحشي الذي ينوي أبوه أن يمسكه لهما، وأضافت متسائلة إن كان معهما سكين صغيرة لذبح الحمام، وكيس بلاستيكي لوضعه فيه.

ذهل مصطفى مما سمع من والدته، واندفع مسرعا نحو والده ليحذره من ارتكاب حماقة كهذه.

 الناس سيعتبروننا برابرة متوحشين لو أقدمت على فعل كهذا، سينشرون ذلك في صحفهم وإذاعاتهم، وستكون في نظرهم أول إنسان في التاريخ يعتدي على حمامة سلام، احذر يا والدي أن تمس حمامة بسوء، وإلا فضحتنا على رؤوس الأشهاد.

وعاد مصطفى إلى أمه ليكرر تحذيره لها, و يعيدها للجلوس بجانب والده حامدا الله ألف حمد أن زوجته لم تفهم شيئا مما دار بينه وبين والديه، محاولا اختلاق تبرير يفسر به لها سبب هذا الانفعال الشديد الذي أصابه، ويذهب الدهشة العارمة التي ارتسمت على محياها دون أن تفهم شيئا مما حدث:

 إن والدي يحب رؤية الحمام، وكان يرغب لو أخذنا زوجين لنربيهما في المنزل طلبا للسلام والبركة، وقد أخبرته أن ذلك أمر غير ممكن، فهنا موطنهما الذي ألفاه، ولا داعي لانتزاعهما منه والتضييق على حريتهما.

 لبد أبو مصطفى على المقعد الخشبي وبجانبه أم مصطفى و قد عقدت الدهشة لسانيهما عن الكلام، لكن لسان حالهما كان يسأل متعجبا:

 أكل هذا الهياج من أجل حمامة؟

 وسرح أبو مصطفى بخياله إلى أيام طفولته الأولى، يتذكر نفسه و أقرانه من أبناء جيله إذا قدم فصل الربيع، وحان موسم تزاوج الطيور وبناء أعشاشها، فكأنما ينبت لكل منهم قرن استشعار مهمته الحدس المرهف في تمييز العصافير المتلاقحة عن غيرها، من ارتعاشة أصواتها،وتغير نبرة زقزقتها، فيحد كل منهم سمعه وبصره لمتابعتها، والفوز بملاحظة القشة الأولى في منقار أحدها، وتتبعه عن بعد, بصبر و أناة، وربما أفشى أحدنا السر لأخلص أصدقائه في الحارة المجاورة لمتابعة رحلة العصفور أملا في تبادل الأسرار لمنفعة متبادلة:

 إن عصفورا من نوع كذا ( يقشش) وعلينا التعاون لاستكشاف موضع عشه.

 ما إن تفلح المتابعة عن بعد في تضييق الدائرة حول المكان الذي حطّ فيه الطائر بقشته، حتى تتم الخطوة التالية في الاقتراب سريعا لمحاصرة المكان الذي تم رصده كدائرة محتملة لموضع العش الموعود، والانتظار طويلا أو قصيرا لمتابعة الطائر عندما يعود في رحلة ثانية وثالثة وعاشرة، حتى يتم التثبت من ثقب الجدار الذي يوالي العصفور دخوله إليه بقشته, وخروجه منه دونها, أن كان العصفور ( دويريا) يألف البيوت ويأنس لساكنيها فيعشش بينهم أو غصن شجرة ناءٍ في علوه وتطرفه إن كان من الطيور الحذرة التي لا تأتمن إلا شواهق الأغصان في أطراف القرية على بيضها وفراخها. أما إن كان الطائر قبرة فربما اهتديت إلى عشها بقدميك بعد أن أعياك البحث عنه بنظرك، حيث لا تأنس إلا لوهدة صغيرة تسويها في الأرض على مقاسها ومقاس بيضها وفراخها بين حقول القمح أو الشعير.

حتى (عصفور الشوك) و(الفسيسي) ما كانت أعشاشهما بمأمن من غزواتنا ومطارداتنا، رغم أن أحدها – على كثرة صريره الذي يملأ البرية – لايزيد في حجمه كثيرا عن عقلة الإصبع. لكنه كان مغريا لنا بتفننه في بناء عشه المكتمل في تجويفه وسقفه وإحاطته الكاملة، حيث لا منفذ إلى داخله إلا بويبة دائرية مفصلة على مقاس الطائر نفسه.

إن عشه تحفة فنية نادرة، رغم ان هذه اللمسة الفنية لم تكن لتخطر لنا على بال آنذاك، فما كنا نتتبعه إلا لأمر غير هذا.

فإن تم التثبت من المكان فما عليك بعدها إلا المتابعة عن بعد, فالطائر قد بدأ ببناء عشه, وقد يستغرق ذلك منه أسبوعا أو نحوه. ويجب أن لا يغيب عن بالك طيلة هذه الفترة وما بعدها عنصرا الحذر والتمويه في سائر حركاتك و سكناتك، فلا يشعرنّ بك طير ولا بشر. الطير صاحب العش، لأنه سيهجر عشه ويستعيض عنه بآخر تجهل مكانه إن لاحظ ترددك عليه، والبشر أي بشر لأنه سينافسك في السطو عليه عندما يحين أوان ذلك. إنه الآن (يبدي) أي يبدأ البناء وعليك إمهاله فقد أمنت عشاً وعليك البحث عن أعشاش أخرى لتستطيع التنافس مع زملائك عندما يقول أحدهم في المدرسة يوم غد:

 أنا أعرف خمسة أعشاش. ويرد آخر:
 أنا أعرف عشرة. ويتفاخر ثالث:
 وأنا أعرف ثلاثة عشر عشاً.

وعليك أن تباهي برصيدك بينهم دون الإفصاح عن أماكنها، فقد يكون الكثير منها مشتركا بينكم، وأنتم لا تعلمون.

 ينقضي أسبوع البناء وبعده يومين أو ثلاثة وأنت على أحر من الجمر، حتى تسارع فتقتنص لمحة خاطفة إلى العش بعد أن تطمئن إلى أن صاحبته قد غادرته للتو، وتابعتها بنظرك حتى ابتعدت واختفت عن ناظريك.

تطمئن إلى بيضتين أو ثلاثٍ تستقران في قراره, فتنسل منشرح الصدر قرير العين. إنها تبيض، فلتمهلها أياما أُ خر حتى تكمل بيضها.

 عندما تمر بضعة أيام وتلاحظ أنها لم تعد تغادر عشها إلا نادرا، توقن عندها أنها( تُسخن) أي تُدفىء البيض ليكتمل نمو الأجنة و تفقس. لكن أنى لك أن تصبر و أنت لم تُحص بيضها عدا، وهي لا تبرح مكانها أبدا، ولو اقتحمت عليها المكان ونفرتها لتعد بيضها، فقد (تشنيه) أي تشنؤه وتتجنبه فلا تعود إليه، وتبيض في عش جديد، ويقسم بعض أصحابنا أنها تنقل البيض تحت جناحها واحدة إثر واحدة إلى عش جديد آمن عن عيون الرقباء أمثالي، لكنني لا أمل الانتظار، أظل لابدا ملتصقا بجذع الشجرة المقابلة دونما حركة تشي بوجودي، مسائلا نفسي:
7.ألن تغادر لحظة لتأكل او تشرب أو تقضي حاجة؟ فما كنت أميز أن ما نجده في الأعشاش من مخلفات تتركها الفراخ أم أمهاتها.

أربع بيضات، خمس، وقد يكون الخير عميما، ست، فمن يدري؟

لقد رفعت رأسها و جالت ببصرها ترصد المكان من كل اتجاه، لتأمن عيون الرقباء،كتمت أنفاسي وازددت التصاقا بجذع الشجرة. فلما اطمأنت إلى خلو المكان من الرقباء، غادرت العش، تابعتها بناظري وهي تحلق بعيدا حتى اختفت عن ناظري.

عندها قفزت مسرعا، وتسلقت أغصان الشجرة الشاردة في علوها بخفة عفريت حتى أدركت العش وألقيت نظرة عجلى، واطمأننت إلى أنها خمس، خمس بيضات مرقطات. ألقيت نفسي أرضا من شدة الفرح، فليس عندي وقت للنزول تسلقا مثلما صعدت، فقد تفاجئني بعودة سريعة، وتضبطني متلبسا بجرم مراقبة بيضها، فتعمد إلى هجره أو نقله.

أنفض الغبار الذي علق بمؤخرتي بكلتا يدي، وأعدو مسرعا نحو هدف جديد.

فإذا انقضت فترة الأسبوعين أو نحوهما، وأوشك البيض أن يفقس على عيني لطول متابعتي له صباح مساء، والتأكد من أن أمه لم تهجره لأي سبب، وأنها تواصل تسخينها له ليل نهار. عندها تصبح المهمة الجديدة ليست التأكد من فقسه أم لا، فهذه يمكن التعرف عليها من مراقبة الأم وهي تغادر العش لفترات أطول من السابق، وملاحظة منقارها عند عودتها وقد حمل جندبا أو دودة أو غير ذلك مما لذ و طاب لفراخها.

المهمة الآن هي التأكد من عدد البيضات التي فقست – فقد يتلف بعضها –. وإلقاء نظرة تطمئن القلب على أفواهها الفاغرة التي تكون أبرز ما تتبينه العين منها، وهذه المهمة أسهل من الأولى حيث فترات غياب الأم عن عشها في بحثها عن الطعام لصغارها أكثر طولا من فترات غيابها أثناء تدفئة البيض.

ويطمئن القلب إلى أنها خمس، فقست جميعها.

يبدأ الآن التخطيط ليوم اقتناصها، والصراع النفسي الطويل بين تركها أطول مدة لتكتسي ريشاً وتمتلىء لحما، وبين انتزاعها صغيرة،( قطمات) من لحم لم يكسُ الزغب أطرافها بعد. خشية أن يسبقك إليها سابق، يتصارع في ذهنك الرأيان وتغلب أحدهما قائلا:
 آكلها صغيرة، ولا يأكلها غيري كبيرة، فكم من مرة ضاعت عليّ الفراخ وأنا أنتظر تكبيرها.
تباغت العش، وربما تحاول الظفر بالأفراخ والأم معا، فتجرب اقتحامه أثناء إطعامها فراخها، لكنك لم تفلح مرة في اقتناص الأم رغم تكرارك للمحاولة.

وتظل تلاحقك بزقزقتها ورفيف أجنحتها التي لم تكن يومها تحرك في نفسك أي شعور يصرفك عن شهيتك المتفتحة لالتهام هذه المِزَع الصغيرة، دون أن تنسى أن تكثر الزيت في المقلاة.
أما اليوم فإنك تتصور تلك الزقزقة الحرّى من الأم نعياً وولولة على صغارها التي انتزعتها من حضنها.
 يواصل أبو مصطفى رحلته مع ذكريات طفولته وأيام صيده و قنصه، وإن بدا للناظر شارد الذهن، ذاهلا عما حوله، يسائل نفسه:
 أكل هذا الثوران الذي أحدثه مصطفى من أجل حمامة؟

كيف لو عرف و عرفت زوجته والحاضرون حولنا جميعا عن مصير عشرات، بل مئات الحساسين الملونة و( سرّاق حِنا أمه ) بصدره الأحمر، والتي كنا نصطادها بفخاخنا وشباكنا لنلتهمها. لقد قطعناها قطيعة! وما عرفت قيمتها إلا منذ مدة قريبة، وحيث وجدت نفسي فجأة في صبيحة يوم جمعة في سوق الطيور في وسط عمان دونما قصد. وكم أذهلتني المفاجأة عندما سألت عن أسعارها من باب الفضول، لأجد أن زوج الحساسين التي كنا نصطاد منها العشرات بفخاخنا ونسطو على أعشاشها، وقد ( نمصع) رقابها (مصعا) إن لم نجد أداة حادة لذبحها ونتعجل شواءها في البرية قبل الوصول إلى المنزل. إن الزوج منها يباع بخمسين و بستين دينارا. فيرن في أذني على بعد الزمان والمكان صوت عبدالله خنين، صياد العصافير وبائعها عند نبع (الفوّار):
 عصفورين برغيف... عصفورين برغيف.

ويهمس أبو مصطفى في سره:
 كيف لو علموا بمطارداتنا لطيور ( الشنار) الحجل، وبحثنا الدائب عن أداحيه.

لقد كنا نفنيه إفناءً، لا نسمح للبيض أن يسخن أو يفقس كباقي الطيور، ما إن تضع الأم عشرا أو خمس عشرة بيضة، وقبل أن تكمل وضع بيضها نبادر إلى نهبه وسلقه. إنها لوليمة حقيقية للعائلة أن تسطو على أدحية حجل, فينال كل فرد بيضتين حجمهما ما بين بيضة الحمامة وبيضة الدجاجة الصغيرة المبتدئة، وقد ينال ثلاثا إن كان العدد وفيرا.

ما كنا نمهل الشُنّار ليهنأ بتدفئة بيضه حتى يفقس، بل كنا دوما أسبق منه إلى بيضه بدعوى أن فراخ الحجل لا يمكن اصطيادها، وأنها إن فقست تستطيع الفرار والإختباء بين الحشائش وفي الجحور وفي شقوق الأرض من يومها الأول فلا تدركها يد قنّاص مطارد مثل سائر فراخ الطير، ولذا فضلنا أكلها بيضاً على ظفرها بسلامتها من بين أيدينا فراخا.

 وماذا لو عرفوا عن الطيور المهاجرة التي تغادر بلادهم هربا من برد الشتاء، طالبة الدفء في ضيافتنا، وكيف كنا نتلقفها!
 لو كان (السمّان) و( الفرّي) ينطقان لنطقا بالأعاجيب من حيلنا في اقتناصهما. حتى طائر اللقلق ( أبو سعد) بساقيه الطويلتين، ومنقاره الحاد، والمتخصص في حماية مزروعاتنا من الجنادب والديدان الضارة أثناء زيارته القصيرة، مع كل خدماته الجلى التي يسديها لنا مجانا، فإنه لم يكن ليسلم من أذانا مع أن لحمه لايؤكل. لكننا كنا نطارده ونكسر سيقانه لمجرد الظفر بالحلقة المعدنية التي ثبتها حول إحدى ساقيه واحد من مراكز الأبحاث ودراسة الحياة الفطرية في أوروبا، منتظرا مواصلة أبحاثه عليه بعد عودته المتوقعة سالما بعد انقضاء الشتاء. وأنى له أن يسلم من بين براثننا!

لم يكن طائر أبو سعد لينجو حتى من أمنياتنا بقتله، و قطع رأسه في مواسم بهجتنا و أعيادنا حيث كنا ننشد جذلي:
 ( يوم العيد بنعيد، بنقطع راس أبو سعيّد).

يواصل أبو مصطفى إطراقته وحواره الداخلي، فيحدث نفسه قائلا:
 بعد أن كبرت واغتربت، وطفت في مشارق الدنيا ومغاربها، واطلعت على ما تسنه الدول من قوانين لحماية الحياة الفطرية، ومنع للصيد بكل وسائله في مواسم تكاثر الطيور والحيوانات. وعندما أطبق علينا ليل الاحتلال، فمنع حمل وحيازة بنادق الصيد منعا باتا لسنوات طوال، ورأيت كيف صارت طيور الحجل تغزو مزروعاتنا لكثرتها, رغم مواصلتنا لحربنا غير المعلنة عليها في السطو على بيضها، لكن الجانب الذي كان يسقط ببنادق الصيد هو وحده الذي نجا، وأحدث هذه الوفرة الكثيرة، حتى صرنا نحتال عليها بالحبوب المدوّخة، نرشها لها فيُغشى عليها ويسهل الإمساك بها.

وعندما أتذكر أسراب الغزلان التي صرنا نشاهدها في البرية، وما كان لنا عهد بها من قبل،إلا ما كنا نسمعه من الآباء والأجداد عن سابق تواجدها في ربوع بلادنا.وكيف صارت تملأ البرية! واستمر ذلك الحال حتى عاد ( النشامى) مع اتفاق أوسلو بكلاشينكوفاتهم التي لم يجدوا لها هدفا تصوب نحوه غير أسراب الظباء، فتكفلوا بإفنائها من عامهم الأول.

عندما أستعيد كل هذا الشريط وغيره من فنون الإبادة لعالم الطير والحيوان التي كنا نمارسها، أتساءل متعجبا:
 أي وباء كنا ولا نزال؟

فلو عرف هؤلاء الذين حولي أي آفة من الآفات نحن، لترحموا على الجراد ودعوا له بطول البقاء.
ما أخرج أبو مصطفى من شجونه القديمة إلا صوت ابنه مصطفى وهو يحث والديه على النهوص استعدادا للعودة إلى البيت، فهو لم يعد يأمن أن لا يستطيع أحدهما مقاومة إغراء الحمام المنتشر في كل مكان، فيبادر دون إرادة منه إلى الإطباق بكلتا يديه على واحدة منها، فيتسبب لهم بفضيحة مدوية.

 نهض أبو مصطفى وأم مصطفى وسارا يجران خطاهما خلف ابنهما وزوجته صوب مدخل الحديقة.

عندما حطت حمامة رحالها هنيهة على كتف أم مصطفى، مطمئنة إلى خطوها الوئيد، متأملة منديلها الأبيض الوحيد بين سائر الرؤوس النسائية المكشوفة، لم يتمالك أبو مصطفى نفسه و تخيل نفسه الأسد المدافع عن عرينه, فاستعاد ذكرياته في مغافلة الحمام، عندما أطبق بيديه الخبيرتين على الحمامة، فما أمكنها الإفلات من قبضته، ومد يده منتشيا يقدمها هدية لأم مصطفى.

ما كانت حركة أبي مصطفى تلك إلا رعشة انتفض لها الحمام كله, فحلق عاليا مغطيا سماء الحديقة، وإذا العيون كلها مصوّبة تبحث عن الذي أفزع الحمام، وتسبب في هياجه، فتحط نظراتها ساخطة مستنكرة على أبي مصطفى، والحمامة لما تزل بين يديه، فقد أذهلته المفاجأة وعقدت العيون المتطلعة إليه أصابعه مثلما عقدت لسانه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى