السبت ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم هيثم نافل والي

الصرخة

يقفزُ أخيها أكرم من مكانه كالملدوغ صارخاً، سأقتلها!.
ودمدمَ قائلاً، بعد أن غلى الدم في وجه فصارَ بلون الجمر، لو مسكتها بأصبعي الصغير هذا، لأزهقت روحها، والشيطان وحده يعلم ما يدور في رأسي الآن!.

تمسكهُ الآم بقوه من يده، كما يمسك الضرير عصاه، وتقول منهكة والقلق يبدو عليها، متوسلة من خلال دموعها: أرجوك يا بني لا تتهور، أعطنا فرصة كي نفكر لنتدارك الموقف، ما هذا يا ربي..!،

أنك تبدو كالمجنون، تجعلنا لا نستطيع أن نحدد ما علينا فعله، قل لي ما هذا الذي تحمله بيدك المرتجفة ارني إياه؟!.

يشدُ أكرم شعره ويضربُ صدره ويطقطقُ أسنانه كالكلب المسعور، وقد بحَ صوته، فيرددُ ما قالهُ للمرةِ الألف: سأقتلها، سأطهر شرفنا من عارها الذي لحقَ بنا، سألقي لحمها بعدَ أن أقطعه صغيراً للكلاب الضالة، سأنظف سمعتنا التي لوثتها بفعلتها المشينة، لا يمكن لي الجلوس هكذا وشرفنا وسمعتنا ملوثة، قولوا لي كيفَ سنعيش بعد اليوم؟، كيفَ سنواجه الناس وبأي شكل؟، لقد كتبت لنا أختنا العزيزة الجميلة الدلوعة تاريخاً أسوداً بلا رحمة أو شرف ، سأقتلها لأكون رجلاً يستحق الحياة بكرامة؟!.

ينظرُ لهم الأب بوجه شاحب وبصمت قاتل دونَ حراك وكأنه ميت، فصرخت به زوجته بأسى قائلة: ماذا عنك يا تحسين، لماذا لا تقولُ شيئاً؟، فإنك ومنذُ أن عرفت بالمصيبة لم تبدِ تعليقاً سوى جلوسك الصامت هكذا كالصنم!، فطأطأ رأسه، وصرَّ على أسنانه بقوة كالذئب عندما يريد أن يهجم على ضحيته، حتى بدا الحقد والغيظ يخنقه، فقالَ باكياً كما يبكي السكران: اصمتي يا أمرأة، أنَ الذي حصلَ لابنتنا سعاد كانَ بسببك، والآن تريدين مني أن أتخذُ قراراً، كيفَ ذلك؟!. لقد جعلتِها مدللة، لاهية كالطفلة بل كالدمية لا تفقه من الحياة سوى طرفٍ من ظل، وعندما أخطأت وأصبحت حاملا دونَ زواج وبهذا السن، رأيتكم تنتحبون وتتوعدوها بالقتل غسلاً للشرف الملطخ، كيفَ هذا؟، إنها أمور لا يستقيمُ لها العقل، فكلما تدخلت في حياتكم قليلاً تذمرتم صارخين: لا تتدخل، نحنُ أعلم بما نفعل، لا تجهد نفسك، يكفيك عملك و.......... والنتيجة هي أن ابنتي تموت، بل أنها ماتت، ماذا تظنون؟!، وأنت قل لي ( ينظرُ إلى أبنه باشمئزاز) ماذا تحمل في يدك، ها.....؟، أتريد أن تقتلها؟، ألم تقتل نفسها في اللحظة التي وثقت بها بذلك الرجل الذي أغواها وعشمها بالزواج كذباً؟، لقد ماتت أختك فعلاً، فلا داعي بعد من قتل الميت!. فنكسَ رأسه ودخلَ إلى حالة الغيبوبة والصمت المرعب الذي كانَ فيه من جديد ليبدو كالحجر.

تدخلُ سعاد الغرفة صامتة كالظل، وبطنها منتفخة وكأنها في الشهر التاسع من حملها، تتعثر بخطواتها مثل الذي يساق إلى ساحة الإعدام، بدأت شاحبة وضعيفة ومنهكة وهي تلهث ونفسها يكاد ينقطع، كأنها انتهت من ارتقاء درجاً عالياً للتو، فقالت بصوت مرتبك غير مسموع، وكأنها تحدث’ نفسها:

أنا أعترفُ بجرمي أمامكم، لكنني لم أكن قد أخطأت بمفردي، فقد ساعدتني أمي بدلالها المفرط اللذيذ، وأخي بتهوره وعدم السماح لي بمصاحبته، لم يحاول يوماً أن يفتح لي قلبه أو حتى أن يكسبُ ودي، كما أنه لم يعاملني كإنسانة لها مشاعر وأحاسيس، ما كانَ يؤمن به شيءٌ واحد، هو، أنه الرجل، لقد كانت نظراته لي سما وكلماته خنجرا، لأبقى لا شيء في عرفه، لقد فعلت ما كانَ يفعله كل يوم، لكنه يحرمُ عليّ ما يحلله لنفسه، حتى بتُ أهيم بلا معنى وأعيش دون جدوى كدمية كما قالَ أبي بالضبط أحيا بلا حياة، ثم أردفت، أنا لا أدعي بأني غير مخطئه، بل أنا فاسدة، زنديقة، كافرة وحقيرة، بل لا أستحق منكم حتى أن تلوثوا أيديكم بدمي، لأنني في عرفكم يجب أن لا أكون، إلا كما ترغبون فأحيا بلا قلب، خاوية مقفرة كالقبر، إذن سأقتل نفسي بإرادتي ودون مساعدتكم، سأعدم نفسي لأكون نسياً منسيا، تتقهقر، تتشنج، فتنهار ساقطة على الأرض........

تصرخ الأم باكية، سعاد ابنتي.........

لم يعد أخيها أكرم الصبر أو الانتظار، يهجم عليها كالأسد حاملاً سكينهُ الحادة التي تلمع كلمعان الذهب، يمسك بقبضته الحديدية رأسها، فيلوي عنقها، يتدخل الأب في هذه اللحظة الحاسمة الحرجة، ليقف كما السد الذي يحجز المياه، ويقول صارخاً، كفاكم كفراً وغباء،
دعوها......... أنها............

تخرجُ من غرفة سعاد صرخة عارمة مدوية تهز أركان المنزل كله، فتهرع الأم راكضة إلى غرفة ابنتها التي تجاور غرفة نومهم، فتفتح الباب على ابنتها النائمة، بقوة وبخفة ساحر، بينما يدخلُ أخوها مسرعاً وكأنه يود إطفاء حريق قد شب في الغرفة، بينما كانَ الأب يقفُ على رأسهم كالصقر، ليجدون سعاد وهي جالسة على سريرها تبكي بهلع جنوني، تتقدم أمها نحوها، فتقول لها وهي تمسح الدموع من على وجنتيها، ماذا جرى لكِ يا ابنتي؟، أنه مجرد كابوس، لا تقلقِ أبداً، خذي أشربي هذا الكأس من الماء، بللي ريقكِ أولاً، نحنُ وكما تشاهدين جميعنا بجانبك، هدئي من روعك، يتوجه الأب نحوها ويقول مبتسماً كالطفل، لقد شغلتنا عليك يا ابنتي وجعلتنا نركض كالغزلان، نظرت سعاد لهم بعيون لامعة فاضت فيها الدموع، فتقول ضاحكة، أنا أعتذر منكم يا أحبائي، لم يكن في بالي قط أن أيقظكم في ساعة متأخرة من الليل ولكن للنائم عذر فيما يحلم به!.

يأخذُ أخيها يدها فيقبلها بحنان أم، ويقول باسماً كالصبح، سوف ننتظر بفارغ الصبر وعند الإفطار أن تخبرينا بقصة الكابوس اللعين هذا، لكي نضحك معك وعليك يا دلوعة!. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى