الاثنين ٢ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم فاطمة حجازي

البحر الحزين

انتَظرت القارب طويلا ليقلها إلى جانب الشاطىء الآخر، وكان الهواء البارد يرتطم بوجهها بنفس قوة ارتطامه بالأمواج التي كانت تًنظر إليها بعمق.

فتاهت بين تلاطمها تفكر، هل تتلاطم الأمواج احتفالا بزيارة الرياح لها أم أنها تقاومها لأنها آلمتها بتعكير صفوها وهدوئها ؟؟ اُنتزعت من تفكيرها لحظه حينما بدأت السماء تُمطِر ماءَها بغزارة معبرة عن نفسها هى الأخرى، وناهيك طبعا عن أصوات الرعد والبرق التى تَنتزع القلوب رهبة و خوفا مِن بطشها، كانت سيمفونية من التناغم القوي بين وحدات الطبيعة..احتارت فتاتنا فى فهمها أهو غضب أم احتفال!

شعرت للحظة أنها تشبه هذا البحر كثيرا فكلما وقفت علي شطه شعرت بالألفة والقرب .. حينما بدأت تفكر بذلك، ارتفع موج البحر عاليا فجأة ليغرقها بمياهه كأنه سمع حديث نفسها.. فرفض المقارنة وشعر بالكبرياء والعزة و شعرت هى للحظة بعدم رغبة البحر بوجودها أمام شاطئه استنكارا لأفكارها، ولكنها ظلت متسمرة بمكانها تتأمل بعمق ما يدور حولها ولم تبالى أستاخذها الأمواج إلى أعماق البحرأم ستكتفى بإغراقها بالمياه...

بدأ البرد يدق عظامها دقاً وهى تنظر إلى الأمواج المتلاطمة وتناجيها لما هذا التلاطم يا عزيزتي ليتنى أعرف مغزاه فأفهمك أشعر بك أيها البحر العظيم أحيانا تكون لى نعم السند والعون فتقلنى بمياهك الصافية الرقيقة وبأمواجك الحنونة إلى شاطئك، كأنك أمى التى لا أشعر بين يديها إلا بالحنان والعطف وأحيانا أخشاك وأخشى بطشك وقوتك وبالرغم من ذلك فأنا استمتع بالنظر إليك في كل الأحوال ....

لمحت بعد لحظات قارب بعيد به إناس يستغيثون، منهم من يقذف نفسه في البحر ليختفي بين غياباته المظلمة ومنهم من يتمسك بأطراف القارب وجسده متدلي خارجه يصارع من أجل البقاء، فبدأت تجرى يمينا ويسارا، وتنادى بأعلى صوتها أن يتماسكوا لعلهم يسمعون فيتوحدون ويصمدون، ولكن بعد برهه لم تجد للقارب أدنى أثر، فتوسلت إلى الله أن يلطف بهم ويرحمهم وينجيهم مما ألم بهم، فنظرت الى البحر العظيم ودموعها تنهمر على وجننتيها التي تشربت بحمره رقيقة من أثر الجو البارد وهى تعاتبه وتلومه أين هم الآن ماذا فعلت بهم ألا تستطيع أن تكون ذلك الحنون الذي آلفته فتنقلهم إلى بر الأمان كما نقلتني يوما ؟؟ ألا تستطيع؟؟
ظلت تلوم فتاتنا البحر كثيرا ودموعها تنهمر أسفا علي ضحاياه وبدأت تشعرأنه قاسي القلب فلم يكن ذلك الحنون الذي عهدته

ولعبت دوما علي شطه مع أقرانها والفرح يملأ قلوبهم الصغيره.

همت فتاتنا بالرحيل فالوقت يمر ولا أمل من وجود قارب يقلها لوجهتها..... هنا بدأت أمواج صغيرة تلامس قدميها كأن البحر يرجوها ألا ترحل ولكنها لم تبالى وأصرت علي الرحيل فلامست قدميها موجات أخري صغيرة ورقيقة ... فجثت الفتاه علي ركبتيها ونظرت للبحر مليا وسألته والدموع تنهمر من عينيها ماذا تريد أنت لا تناجيني كما أناجيك لا أعلم ماذا بك حتي استطيع فهم تمسكك بوجودي بقربك وفهم أفعالك الغريبة .

وهنا شعرت الفتاه برياح عاتية هبت بقوة لتنتزعها من مكانها فتلقيها بعيداً .... وصاحب ذلك ارتفاع آخر لموجات البحر وتلاطم أكبر للأمواج ولمحت قارب آخر يصارع من أجل الحياة بين الأمواج العالية وكان هناك تصارع هائل بين الأمواج كأن البحر يحاول ترويض أمواجه من أجل أن تصفح عنه فتاته ...محاولاً إنقاذ من بالقارب ولكن للأسف لم يتمكن من ذلك واختفي هذا القارب أيضا ليلحق بالصرعى القدامى، هنا فطنت الفتاة أن هياج البحر ما هو إلا سبب لهبوب الرياح العاتية ... وأن ما يفعله بالقوارب ما هو إلا رد فعل طبيعي لتأثير الرياح عليه وهبوبها فبدونها ما كانت لتتلاطم الأمواج ولكان البحر متمتع بهدوءه وصفائه ولكان استطاع إنقاذ ضحايا القارب من الغرق بين أمواجه.

فشعرت حينها أنها آلمت البحر كثيرا حينما إتهمته بالقسوه فعادت لتجلس علي المقعد الخشبي تتأمل البحر مرة أخرى لعلها تفهم منه ما لا يريد أن يقصه عليها وتمنت من كل قلبها لو تستطيع أن تخفف من آلامه و معاناته و تعيده ذلك البحر الحنون الصافي الذي عشقت دوما لمس صفحاته بيديها أخذتها أفكارها بعيداً فشردت بذهنها قليلاً فوجدت نفسها تناجي البحر قائلة "أتستطيع أن تأخذني بين أمواجك لأكون جزء منك فأُطمئِنك بقربي فأنا أثق تماما أنك لن تخذلني مهما كانت قوة الرياح"


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى