الخميس ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم سامية إدريس

سموك: حب أمريكي

ــ أوه عزيزي جون الطيب: كم هو ظريف! انظر إلى عينيه الوديعتين النجلاوين، ما أجمله! يبدو حزينا.

ــ ما اسمه؟

ــ سموك (دخان)

ــ اسم جميل لا يخلو من موسيقى وجمال. بحق السماء، لا تقل إنك تحن لعهود التدخين يا عزيزي الكولونيل.

ــ كلا يا عزيزتي، مطلقا؛ القصة وما فيها أن المسكين سموك كاد يهلك من فرط الدخان. أوه صغيري المدلل(يربت على ظهره) أحبه يالورا، إنه جميل وظريف، سنعتني به جيدا. سنمضي وقتا رائعا برفقته، لحسن الحظ أن البيطري أكد سلامته، إنه بخير، فقط يحتاج لبعض الراحة والغذاء الجيد. أتذكرين كم عانيت من الشوق، بعد عودتي إلى بسطن، ثلاث سنوات وأنا أتقلب على فراش من شوك وجمر، لا يمكن نسيان تلك الساعات الرهيبة وليلها الطويل. شكرا لوقوفك إلى جانبي في هذه المحنة يا لورا، شكرا لكفك الدافئة التي أعادتني إلى الأرض، لكم بت يقظا أفكر فيه، هل أكل؟ وهل شرب؟ وهل زاره الطبيب ؟أتراه نجا من القصف والقنابل؟ أعرف أنه لم ينم جيدا بسبب الانفجارات، ثم إنه يعاني كالأطفال من الكوابيس الليلية، فينهض من نومه وينهقق في منتصف الليل، ولولا حنو كفي لكان قضى.

ــ تعال هنا يا صغيري(تضم لورا رأسه)

ــ لا تبك نحن معك، ولى زمن الخوف. سماؤنا صافية واكلنا وفير وماؤنا عذب فما الذي يشغل بالك يا صغيري؟.

ــ أنت تفرطين في تدليله.

ــ هذه هي طريقة شفائه: الحب.

ــ أمزح فقط يا عزيزتي.

أنسيت الثلاث سنوات التي مرت؟ لكم فكرت فيه وحيدا مهملا في بغداد. تصوري، يوم التقيته، لم أصدق أبدا أنه سيبقى على قيد الحياة على الرغم من توصياتي وإلحاحي تلك البقعة من الأرض تشتعل وقد تحرق كل شئ ، هي كالإعصارتقلب جميع الحسابات، ثم إن الناس هناك يأذون الحيوان والحمير بصور خاصة، آه يا عزيزتي، بل يذلونه، والأدهى أنهم يحرمونه حق العيش، فقد يقتل الرجل حماره بسبب الغضب، من يدري؟

حين رأيته وسط الدخان والأشلاء، خفق قلبي بعنف للجحش الصغير الذي راح يقتفي آثار قدمي أمه، أمه قضت أثناء القصف والأحمال فوق ظهرها، هناك لا أحد يرفق به أو يرق لحاله، حتى الصبية الصغيرة التي كانت تتبعها لم تشفق عليها ولا على وليدها الأبيض كالبراءة، المسكينة قضت في الغارة، حتى في لحظاتها الأخيرة كانت تنظر بأسى إلى جحشها لعلها كانت تبحث عن وجه تعرفه لتستأمنه سر طفلها الصغير الوادع، نظرت إلى الصبية فلم ترها ، كانت أشلاؤها قد تناثرت في كل الجهات، نظرت لصاحبتها الأم فرأتها ملقاة على وجهها .

ولأن الموت كان مستعجلا حيث تراكمت المهام لم يتسن لها أن تعرف في الحياة غير هؤلاء القرويين الأشقياء، ولسوء الحظ أنهم ماتوا جميعا فلمن تعهد بصغيرها؟ ثم فجأة وفي لحظات الوداع الأخيرة كأنما انتبهت إلي، وأنا حدست الأمر، فيما يشبه الإلهام. تصوري رأيت البريق الخاطف في عينيها، نعم لقد فعلت يا لورا، نظرت إلي ثم نظرت إلى سموك الصغير وأشارت بنظرتها الواهنة، ظلت تنقل بصرها بيني وبينه حتى نفدت آخر ذرة أوكسجين وتمددت كما النائم. وأنا فهمت الرسالة، وأقسمت أن أتعهده بالرعاية المطلقة مدى الحياة مثل حفيد لي

ــ أليس جميلا يالورا.

ــ بلى يا عزيزي كالحلم الأمريكي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى