الأحد ٢٩ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

ذئابُ الشوق

بالأمس عندما تخاصمنا، نهشتْ قلبي ذئابُ الشوق، أتيتُ إلى سياج حديقتك كي أضع لك وردة حمراء، فتشت في حديقة منزلي فلم أجد وروداً حمراء، جرحتُ يدي وغمستُ الوردة البيضاء في الدم.. تذكرتُ شيئا؛ ما ذنب هذه الوردة حتى أخنقها بكرياتي الحمراء، تساءلتُ؛ هل صَبغـْتِ أنتِ تلك الزهور بكريات دمك البيضاء حتى أصبح لونها كذلك؟ وكريات العشق تلك التي بلا لون، نعم كريات العشق التي تجري في الدم بلا لون..

لكِ أسماءٌ منقوشة على الآجرّ في سور الحديقة، أجيد قراءتك بلا حروف.. قبل أن نلتقي أكتب رسالة شوق، لأن ألم الفراق يعتصر قلبي قبل اللقاء، دموع العناق جمر يحرقنا.. تذكرت ذلك الذي قال للمتنبي : الغبي من لا يعرف أن للسيف مئة اسم، وأجابه المتنبي للسيف اسم واحد فقط، وتلك كلها صفات له.. أنتِ لكِ اسم واحد فقط؛ حبيبتي مع تضخيم "ياء النسبة"، كي تحتوي أنانيتي في العشق والتملك. أخطئ دائما في عدّ أسمائك، لأن للطين في جسدي شراهة مؤجلة، أكبح جماحها دوماً كي أبدو متحضراً، و"عصرياً"، و"صبحياً" و"ظهرياً"، كـَثـُرتْ الأقواس وضاق عالمي، أريدك أن تخرجي معي خارج أسوار المكان، حيث انعدام الوزن، كي أقول لك كل ما أخاف منه. كم أخاف الفخاخ، ترعبني منذ طفولتي عندما أهيل عليها التراب، ألمسها بالخطأ فتطبق على يدي.. الخوف منها أكثر بكثير من الألم الذي تحدثه. هكذا كانت ترد الرسائل منك، خوف تشوبه اللذة.. أقف كطفل شقي يقشر بطيخة بأسنانه، يتذوق مرارة القشر قبل أن يصل إلى لذة اللبّ، ربما يفاجئه أحد فتسقط من يده، ولم ينل إلا مرارة القشر، لكنه سعد بتخيل الثمرة. كم أنت ندية يا ابنة الغيم ويا أخت الماء، لكنك تختلفين في خواصك؛ لا تتبخرين أبدا، ولا كلماتك كذلك، في قسماتك وضاءة الصبح، وبراءة النرجس في عينيك، شموخ يعلو هامات السحب. أختزن أدق تفاصيلك للأبد لأني أودعتها في بنك قلبي، ونسيت أن ليس له مفتاح على الإطلاق. لن تشعر ملامحك بالضجر في وحدتها، فهناك نسخة من رحلة "جلجامش"، وأبجدية "أوغاريت".

رسائلي الملونة لك لا زلتُ احتفظ بها، رسمتُ في زواياها أشجاراً، ووضعت فوقها عصافيراً، كم تعبتُ كي أظهر تغريد العصافير في الرسم، لأني لم أكن أجيد الاستفادة من العلامات الموسيقية إلا حينما كبرت. كنت دائماً أرسم لك عربدة المياه في الربيع.. تحاشيت اقتسام كآبات أيلول معك.. لأن الرماد يكثر فيه، عند احتراق القش إيذانا بحراثة الحقول.. أشطب رماد العالم بقليل من بياض يديك.. أخال الزرازير تصبح بيضاء حينما تنظرين إليها.. لماذا أنا صريح معك حتى آخر قطرة، أو ذرة تراب! وأنتِ لستِ أمي!

لماذا تصرين على إطلاق الرصاص على جثة حبنا بعد قتله، أزحف على الأرض كي انتشله، وأدفنه في مكان مجهول خلسة، خشية أن تـُرى آثار التعذيب عليه، ولأني لا أستطيع تقبل واجب العزاء من أصدقائي، الذين لم يسمح لهم بالسير بالجنازة. لن أطلب النصرة من جمعية الرفق بالعاشقين خشية الطعن بصدق عشقي. ألقي بنفسي على سريري دفعة واحدة.. تثب الحروف من الورق، والمعاني من الكلمات، تقفر أحراش اللغة، وتشعر القواميس بالصلع، يخاف جميع الكتاب في هذه اللحظة، يشعرون بالعري، كأنهم أمام "سكنر"، تـُرى من خلاله كل تفاصيل أجسادهم بدقة، وعندما يعودون إلى الوطن يروون لزوارهم جمال الإجازة وعذوبتها، دون التطرق لذلك الأمر.. قائلين: لا بأس من إخفاء الخيبات طالما يظنها الآخرون انتصارات. هؤلاء تخدمهم التقنية في معظم نواحي الحياة، قال صديقي؛ أتعرف إن القانون الجديد في مطارات الوطن هو قطع خصية لكل من يمتلك أكثر من خصيتين.. قلت لا بأس ولا خوف إذا فنحن حسب النظام، وتحت مظلة القانون. ردّ صديقي: المصيبة إنهم يعدون بعد أن يقطعوا. عندها أدركت السرّ وراء مدح الوالي من قبل جميع الكتاب، وجثث المقالات التي تطفو فوق نهر الصباح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى