السبت ٤ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم هيثم نافل والي

قرار

في مساء صيفي حار، هواءهُ خانقاً وساكناً كالمصلوب، عندما اتصلَ بي مهدي غاضباً، معلناً سأطلقها!

وأردف، ليسَ لدي بعد أيّ خياراتٌ أخرى، وأنتَ تعلم جيداً، لا ينقص حياتي الزوجية شيئاً، سوى الأطفال، ورفضها القاطع للعلاج مجدداً أثار حنقي وغضبي، لذلك قررت الانفصال عنها، فما رأيك أنت يا صديقي؟!

أستغفر الله قلت لهُ، ماذا عسا أن أقول لك يا صاح؟ ما أنصحكَ به لا تطبقه، وما توعدني لا توفي به، لقد أزهقت روحها، عش حياتكم دونَ حلم جديد، ستكونون سعداء أكثر لو اقتنعتم بقدركم هذا، ولكنك لحوح كالذبابة، فلماذا تسألني اليوم أو تزفُ لي البشرى وأما طبعك غريب حقاً!

أجابَ مثرثراً كالساهي، لقد تجاوزت المائة وعشرون كيلو غرام، وهي ترفض تخفيف وزنها، باتت لا تتكلم معي وكأنها خرساء، وجهها شاحب كوجه الميت، والكآبة تعلو محياها، لقد فارقها الضحك منذُ سنوات، لم يعد في منزلنا شيء يدعوا إلى الفرح أو السعادة، حتى تيار الهواء باتَ يتحرك في منزلنا كأرواحٌ ترقص! ماذا أفعل قل لي أرجوك؟ أنا أطلب منك النصيحة فهل تبخل عليّ بها؟ وأنا أعرفكَ جيداً لم تكن يوماً خبيثاً، فلا تمثل معي دور الشيطان الأخرس!

أجبتهُ ضاحكاً، سامحك الله، لقد قلت لكَ للمرة الألف، السمنة كانت نتيجة تغير الهورمونات في جسمها، وذلك لتعاطيها الأدوية الكثيرة خلال سنوات العلاج، ولكنها لم تجدي نفعاً كما ترى، بل سبب لها كآبة حادة وسمنة مفرطة، اعترفت بذلك تواً فلا داعي للإنكار، وأردفت بشكل صارم، أنها تموت أمامك دونَ أن تشعر، وكل ما يدور برأسك الخاوي هذا هو وهم الأطفال الذي تبتغيه! ما هذا .. أعوذُ بالله، أيّ نوع من الرجال أنتْ ؟!

تغيرت لهجته، فقالَ جاداً، كلامك خناجر تطعنني، لا تقل مثل هذا الكلام يا صديقي، فأنا لا أملك في الحياة سواك أستأنسُ برأيه! فخففت قسوتي عليه وقلت، أنا لا أريد أن أضحك عليك يا عزيزي، وما أقوله هو الحق، كما أني أتفهم غضبك وثورتك، ولكنك سبق وأن حدثتني عن سبب ذلك النقص لم يكن من طرفها فقط، بل الموضوع يتعلق بكَ أيضاً، فلماذا تحملها المسؤولية كاملةً ؟ هذا ما لم أفهمه!

سأتزوج بامرأة شابة آخر حلاوة قال، تستطيع أن تنجب لي الأولاد الذين أحبهم ، أنهم في عقلي وقلبي، بل يسيرون معي أينما ذهبت كظلي، ماذا عسا أن أفعل، إن كنت أعشقهم بهذا القدر ألجنوني؟!

لا شيء يا صديقي، قلت له بحزم القادة، طلقها ، فهذا قرارك، لكنكَ ستندم !

بعدَ شهرين تقريباً عاود الاتصال مجدداً، وهو متذمر قائلاً : لمن أشكو همي؟ فأنا لا أبثه إلا لسواك يا عزيزي، فقد تجاوزت السادسة والأربعين من العمر، ولم أعثر على فتاة تفهمني كما كانت زوجتي، وكل اللاتي الذين التقيت بهم، لم أجد فيهن منْ يزرع الثقة في داخلي، وكلما قارنتهن بزوجتي أجدُ نفسي خاسراً، لقد كانت زوجتي عسلاً مصفى يا أخي، ماذا أقول، لم أعثر ولا حتى على طرف من أطرافها فيهن! كما إني لا أعتني بنفسي الآن كما في السابق، ولم أعد أذهب إلى العمل إلا عند الضرورة القصوى ! فقد أصبحتُ شارداً كالمراهق العاشق، بتُ وحيداً بعد أن هجرت زوجتي وطلقتها، أسكن مع أمي في منزلها الآن، لكنها أمرآة مسنة وكما تعلم، لا تستطيع أن توفر لي أبسط أنواع الراحة لرجل مثلي( بدأ يبكي بصوت عالي ومستمر كأنه يصهل ) لقد فشلت في كل شيء، لم أعد أنفع لأي عمل أقوم به، أنا .. أنا الآن نادماً كثيراً لما اقترفت من أثم بحق زوجتي ونفسي، أرجوك قدم لي النصيحة كما عودتني، ولا تتركني لوحدي أصارع الوهم، أرجوك .. أوعدك بأنني سأنفذ كل ما تطلب مني بحذافيره، دونَ تردد، أنتَ تأمر وأنا أطيع، وأردف لم أعد أفكر بالأطفال، بل لا أريد أن يكون في حياتي بعد اليوم أطفالاً، لا أريد ..!

قلتُ له والحزن يملئ قلبي، هون عليك يا صديقي، ولا تفكر بهذا الشكل القاتم بلون الليل، أنسى ما فعلته في الأمس، وأنظر إلى اليوم، فهو الآن بين يديك، قدم لزوجتك دعوة عشاء، وصارحها بصدق مشاعرك وما تضمره من حب كبير نحوها، قل لها بأنك رفضت الارتباط بامرأة أخرى لأنك تعشقها، وقد كنت غارقاً في الوهم، وقد قتلت نفسك قبلَ أن تؤذيها، وأنَ ولعك بالأطفال هو الدافع وليسَ شيءٌ آخر، أوعدها بأنك قد ألغيت فكرة الأطفال من عقلك نهائياً دونَ رجعة، وأنك ستعيش لأجلها فقط، عندها ستوافقك الرأي، وأنا متأكد مما أقول، فهي طوال فترة الانفصال لم تفكر بالهجرة إلى أهلها المقيمين في استراليا على أمل لقاءك مرة أخرى، لقد كانت أذكى منك بكثير يا صديقي، لقد انتظرتك بصمت وصبر دونَ أن تبحث عن رجل آخر كما فعلت أنت، يتوجب عليك أن تعوضها الآن وغداً عن كل آلامها التي سببتها لها بلا رحمة، لقد كنت أناني معها، خذ يدها وقبلها وأطلب منها السماح، وعندها سوفَ لن تحتاج بعد اليوم إلى نصيحتي.

يضحك بصوتٍ رنان وكأنه مطرب، وقال صارخاً تحيى الصداقة، سأتصلُ بها الآن، سوفَ لن أنسى فضلك هذا ما حييت!

أتصلَ بي يوماً بعدَ ستة شهور، متذمراً وقلقاً وفي حالة متذبذبة بينَ البكاء والضحك كالمجنون وقال: صديقي العزيز لقد رجعنا إلى العيش معاً من جديد، ولم ينقصنا شيء أبداً، وقد اشترينا منزلاً جميلاً قبلَ فترة وجيزة، بحديقة يفوح منها عطر الزهور ليلاً، لكنه واسع جداً ويحوي على غرف كثيرة، لكنها فارغة، تدور في رأسي الأفكار الشريرة عندما أشعر بالوحدة القاسية والوحشة الكبيرة والسكون الرهيب وكأنني في قبر، عزيزي ماذا أقول لك، ففي حديقتنا نافورة كبيرة تشرب منها العصافير كل يوم، أنظرُ لها فتنمو حسرة في داخلي تكاد تنفجر، خاصة بعد أن رأيت في الأمس ثلاثة أطفال يلعبون في الساحة التي تقابل منزلنا، فضعفت وشعرت بالحنين لأن أكون أباً، أنا أعلم بأنه شيءٌ مخجل ما أقوله، ولكن ما رأيك أنت؟!

عدلت من جلستي، وقلت هازئاً من نفسي خجلاً منها، ما هذه الأفكار التي تراودني، لقد كبرت وعجزت فعلاً، فالأحلام باتت تراودني حتى في صحوتي، ما هذا؟ أعوذ بالله، إذن لأتصل بصديقي مهدي وأسأله عن أحواله، لعله يحتاج إلى نصيحة ..!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى