الاثنين ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم نمر سعدي

مجموعة قصائد

رجلٌ في الثلاثين
 
يتأمَّلُ أحلامَهُ واحداً واحداً كأصابعهِ...
وبهجسِ الغريبِ يحدِّثُ آخرَهُ
ثمَّ يحفنُ في شغفٍ طائشٍ باليدينِ وبالمقلتينِ
الذي يتقطَّرُ من ضحكاتِ الصبايا ومن أوجهِ السابلةْ
رجلٌ في الثلاثينَ يغرقُ في ذاتهِ
ها هنا في الصباحِ الربيعيِّ في صخَبِ الحافلةْ.
 
********
 
ليسَ لي
 
ليسَ لي أن أمشِّطَ أمواجَ عينيكِ
بالنظرةِ المستريبةِ والقبلةِ الغائبةْ
ليسَ لي أن أطوِّقَ مرجانَ خصركِ
في الشارعِ العامِ باللهفةِ الصاخبةْ
قلقي كائنٌ ليسَ يوصفُ
قنديلُ شمعٍ فمي
ودمي لا تروِّضهُ نسوةُ الكونِ....
مثلُ الحصانِ العنيدِ تعذِّبهُ المهرةُ السائبةْ
ليسَ لي من حلولِ الحمامِ بفتنةِ جسمكِ
أو في عروقِ الخزامِ...
سوى البسمةِ الكاذبة.
 
ندَمٌ أعمى
 
ندَمٌ أعمى هو الشعرُ
بكاءٌ دائمُ الرؤيا
ونبعٌ من فراشاتٍ ومن نارٍ تواسيني وتكويني
رذاذٌ قاحلٌ ينهلُّ كالطفولةِ البيضاءِ من ضحكةِ مزمارٍ...
ثغاءُ الرغبةِ المبحوحُ
بستانُ خرافاتٍ
هلالٌ ناحلٌ أو قاتلٌ كالخنجرِ العاشقِ في خاصرةِ الكونِ
سماءٌ من قرابينَ
حليبٌ زاجلٌ في أخمصِ القلبِ
وماءٌ ذابلٌ في بسمةِ العينينِ
أشياءٌ تجرُّ الروحَ كالخيولِ في المجرَّةِ الخضراءْ.
 
تكوين
 
تنهلُّ عيناها
من عالمِ السِحرِ... من أوجاعِ معناها
 
أمشي إلى سقَرِ الدنيا وإيَّاها
ولا أثوبُ ولا ألوي لأشيائي
وفتَّحتْ في يديها وردَ أهوائي
يعبُّ قطرَ دمي في يقظةِ السحَرِ
يربُّهُ.. فعليهِ شبهُ لألاءِ
ورعشةُ القلبِ في الأغصانِ والزهَرِ
تمشي تضعضعُ أحلامي وترضعُها
ودربُ عينيَّ مشبوبٌ بأضواءِ
 
العمرُ خلفي هواءٌ لا يُعدُّ ولا
يطفو ويرسبُ في ميزانِ إغوائي
وليسَ يبرقُ في عينيَّ مخملُها
ذاكَ الذي نجمهُ في مهجتي تاها
وكانَ صخرةَ معراجي وإسرائي
 
تنهلُّ عيناها
من عالمِ الشِعرِ... من غيمِ النعيمِ ومن
رؤى الجحيمِ ومن أبوابِ أعضائي
ومن ظلالِ الأفاعي السودِ في زمنٍ
رمادُهُ نابضٌ في ألفِ عنقاءِ
وحلمُهُ خافقٌ في ألفِ عذراءِ
 
لكنَّنا آهِ محرومونَ منكِ ولم
نُسقَ السعادةَ والأوهامَ أمواها
معذَّبونَ نجرُّ الروحَ في دعةٍ
محطَّمونَ على فردوسنا الخالي
وفي خرابنا العالي.. نجرُّ سدى
قلوبنا في حروبِ النارِ والماءِ
 
إنَّ الحياةَ التي عبَّتْ شراييني
ماءٌ ترقرقَ في نفسي فأظماها
من قبلِ تكوينكِ الأسمى وتكويني
وفاتني الوِردُ من عينيكِ والصدَرُ.
 
أُنوثة
 
أبحثُ في سريَّةٍ موغلةٍ في الحزنِ
مثلَ الناسكِ الممسوسِ بالحكمةِ والصمتِ
فلا أعثرُ في قلبي على حقيقةٍ ملساءِ
كالدُرَّةِ أو كالخزَفِ الرخيصِ
لكنِّي أرى أنوثةَ الأشياءِ في مخدعها
واضحةً جليَّةً حمراءَ مثلَ زنبقِ الهواءْ
ورغمَ ما في الكونِ من ذكورةٍ
لستُ أرى سوى نساءِ الماءْ
 
في سوريا
 
في الشمالِ المدجَّجِ بالنارِ والغضبِ المشتعلْ
ليسَ في مصرَ أو تونسَ الكبرياءْ
في الشمالِ المدجَّجِ أعني سوريا.. شمالِ الدماءْ
يسحلونَ الصغارْ
يسحلونَ ملائكةً نائمينْ
وأسمعُ تكسيرَ أضلاعهم تحتَ دبَّابةِ الظالمينْ
في الشمالِ المفخَّخِ بالانتصارِ... ونارِ القُبلْ
الدماءُ تدقُّ النوافذَ دقَّاً عنيفاً
تدقُّ الهواءَ تدقُّ العيونَ تدقُّ السماءَ
وتغتصبُ الفرَحَ المكتملْ
 
في الشمالِ العصيِّ على ما يخطُّ الرصاصُ
على أضلعِ الحالمينْ
والسياطُ على أوجهِ الناسِ...
ثلَّةُ شرٍّ من الخائنينْ
يقتلونَ الحياةَ بأوجِ الربيعِ وكاملِ فتنتها في الصغارْ
لا مغولٌ همو أو تتارْ
فلماذا إذنْ يزرعونَ الرصاصَ ويغتصبونَ الأمَلْ؟
 
الدماءُ تدقُّ النوافذَ أو شاشةَ التلفزيونِ
عبرَ قناةِ الجزيرةِ
تلكَ التي لا تُراعي الأحاسيسَ لحظةَ تصويرها للجحيمِ...
اختنقتُ بدمعي... احترقتُ بعاري
وفي الشامِ شبِّيحةٌ وزبانيةٌ غامضونْ
يحرقونَ الرجالَ على مسمعِ الكاميراتِ
ومرأى جميعِ الدُوَلْ
وشبِّيحةٌ يذبحونَ النساءَ كما يذبحونَ فراخَ الحجَلْ
وشبِّيحةٌ يطحنونَ عظامَ الضحايا التي نبتتْ في الشوارعِ
مثلَ سيوفِ القُرنفلِ...
شبِّيحةٌ دمُهم أسودُ اللونِ مثلُ العناكبِ
والعالمُ الحرُّ ينظرُ مثلَ الذي يتفرَّجُ في ساحةِ السينما
على فيلمِ رعبٍ قديمٍ قديمْ
بكلِّ حياديَّةٍ.. وبغيرِ فضولٍ وغيرِ خجلْ
 
وداعاً وداعاً لأرضِ الأملْ.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى