الاثنين ١١ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم محمد أسعد قانصو

طهاة الحصى ..

.. تجتمع العيون حول الموقد، يؤرقها الجوع، وتشرئب الرقاب نحو دخان خاو، الأنوف المزدحمة تحاول عبثاً ادراك النكهة، ماذا يرقد في جوف القدر؟ البطون الغرثى تتساءل ولا تملك إلا الصبر، الصبر جميل، لكنه مرٌّ!.. مرٌّ جداً .. ويطول الموقف، فلا تقوى الجفون على الصمود وتسترخي، لينتفض الحلم من بين ركام البؤس، وتجود الروح الهاربة بكل المشتهيات المرجوة، علّها تشبع نهم المنتظرين على وقع عقارب جامدة تجتّر الزمن الملعون، وتعاود كرّتها ثانيةً نحو المجهول ..

ثمّةَ طفل متمرّد .. لا يستسلم للنوم، يحاول أن يعرف سرّ الملعقة الخشبية، ويراها تقلّب في القدر الساخن واثقة، لا تقنعه دورتها المثقلة، ذاك الطفل الحذق كما الفطر يفضح عذرية أرضٍ عصماء!..

الفقر المتجمّل في القدر - مهما تبجّح - يدركه الأطفال، أوليست أغنية النوم هراءً ليليا؟ فحمَامات الأمِّ الموعودة لم تذبح، ونجوم الليل العالية ما سقطت بإناء..و«ريما» نامت بعد، ولن تحبَّ النوم القسريّ!..

على ضفة نهر الأوجاع يكثر طهاة الحصى، محاولة يائسة لسدِّ رمق الجوعى، لكن عبثا، فالفكر المتضوّر لا تشبعه الأوهام، لا يقنع شعبٌ حدّق بالشمس فأخجلها بمزيج كلام، لا يرضى المذبوحون من الخلف بنشيد سلام ..

يا سادة هل سمعتم يوماً بسياسات السقف ؟ بدوزنة الأحلام ؟ حين تعيش لتأكل قوتاً ملكيّا، وتُسبّح شكراً للرحمن، حين يحاصرك الخوف من الظلّ، وتخاف شريكك في الحب أن يفشيَ سرّك للسلطان!..

والإعلام الهزلي .. معضلة أخرى، تخال حين تذوق حلاوته أنّك في جنات الخلد تعيش، وأنك سيد هذي الأرض المطلق، تنعم بالحريّة، بحقوق الإنسان، لا تشعر أنك مكتئبٌ، منسيٌ، أو أنّك غابة أحزان..

والشعب يصفّق، يهتف بحياة الحاكم، بالدّم بالروح، نشيج قروح مزمنة لا تشفى، نفاق موروث!..

ومساجدنا تبتهل لربِّ العزة: ارحمنا.. ويشيح الخالق وجه الرحمة عن داع - أسِفٌ جداً- ديوث..

عذراً يا سادة، أثقلت مسامعكم، أعرف أنّ الإحباط يحاصركم، لكن لا بدّ لهذا القلم الناقم أن يكتب، أن يرسم فوق جدار الصمت أمانيه، أن يحفر في ذاكرة الأجيال وصاياه، قلمٌ يتنشّق هواءً طلقا، أفقاً منسرحاً لا يُختم في هامشه: "محظور" .

أعرف أنَّ الكلمات لها ثمنٌ.. في زمن الممنوع!...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى