الاثنين ١٨ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم أبو الفضل يدالهي أصلان, حامد فتحعلياني

النظرة العابرة إلی خلفية الشعر السياسي عند العرب

الملخّص

إن الشعر السياسي هو الشعر الذي يتناول بالنقد حيناً و بالتّفريط حيناً آخر، فيتحدث عن الحكّام و مخططاتهم و أعمالهم مدحاً أو ذمّاً، ويشارك في بحث الحقائق السياسيّة و النزعات القوميّة، و يدلي برأيه في معترك الدّول و يُعبّر عن الخوالج الوطنيّة و ما يدور في صفوف الشعب من أمان سياسيّة و غايات يسعي إلي تحقيقها.

و الشعر السياسي إذاً، هو الفن من الكلام الذي يتصل بنظام الدّول الداخلي أو بنفوذها الخارجي و مكانتها بين الدّول. (2)
الکلمات الدّلیلیة: الشعر- السیاسی – العصر- العرب - العراق

العصر الجاهلي

و قد اتّصل الشعر العربي بالسياسة منذ العصر الجاهلي، حيث إنّ قبائل الجاهلية في صراعٍ مستمرٍّ، تتناحر فيما بينها و تتغازي من أجل الحصول علي مقوّمات الحياة، سواءً لبني البشر أو لأنعامهم، فيؤدّي ذلك إلي حروبٍ تدوم طويلاً، و قد لاينحصر النزاع بين قبيلتين اثْنَتين، بل يتعدي إلي عدّة قبائل، فتتعقّد معها السياسة القبليّة. (3)

و في هذه الأجواء كان الشعراء كمحامين يذودون عن مصالح قبائلهم و سياستها. فلذا كان القبائل في الجاهلية يعتّز بشعرائها النابغين و تحتفل بظهورهم. « و كانت القبلية من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل الأخري فهنّأتْها، و صُنْعِتْ الأطْعمة و اجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، و يتباشر الرّجال و الولدان ؛ لأنّه حماية لأعراضهم، و ذبّ عن أحسابهم، و تخليد لمآثرهم، و إشادة بذكرهم، و كانوا لايهنّئون إلّا بغلامٍ يُولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرسٍ تنتج».(4)

و من الطّبيعي أن تكون فنون الشعر السياسي أو معارضه هي الحماسة، و الفخر، و الهجاء، ثم المدح، و الوصف، و الرثاء؛ لأنّ الشاعر البدوي لم تتكوّن عنده الأصول المذهبيّة و النظريّات الاجتماعية تكوّناً منطقّياً يقوم علي الشرح و التعليل. (5)

العصر الإسلامي

جاء الإسلام فزهـق كثيــر مـن السنـن الجاهلية، منهـا العصبيّة القبليّة و عواملها و نتائجها. فلا بُدّ من الإشارة أنّ الدين المبين وقف من الشعراء موقفاً طبيعيّاً واضحاً، فالشّعر من حيث إنّه فن رفيع يُعدّ من مقوّمات الحياة، لايحظره الإسلام، و إن نهي عن الشعر الذي يتغنّي بالفسق و الفجور و الـزناو شـرب الخمر و إتيان المعاصي. و قـد سمع الرسول ـ صلّي الله عليه و آله سلّم ـ الشعر الرفيع و أثاب عليه كعب بن زهير ببردته، و حمل حسّان و زملاءه من الأنصار و غيرهم علي أن يردّ و اعلي قريش و ينصروه بألسنتهم كما نصروه بأسلحتهم. (6)

فجوهر الشعر السياسي في أيام النبي ـ صلّي الله عليه و آله و سلّم ـ كان هجاء الأعداء و مدح النبي و صحبه و ذكر مآثرهم و فضائل الدين.

لم يكد عصر الراشدين يؤذن بالزوال حتّي عادت السياسة من جديدٍ تفرض نفسها علي الشعـر، فتصبـح دواوينه سجّلاً للمنازعات التـي سادتْ ذلك العصـر؛ و لقـد كـان إزدهـار الشعر السياسي في تلك الحقبة الزمنيّة ظاهرةً طبيعيةً دعتْ إليها الحياة الجديدة، و ما فيها من صراع بين الأحزاب، و جهاد بين آرائها المتعددة في نظام الحكم و في الأشخاص الناهضين به، و اتّصال كلّ من هذا النّظام و هؤلاء الأشخاص بالدين الذي هو أساس الحكم عند المسلمين.(7)

و لعلّنا لانعدو الحقيقة إذا ما ذهبنا إلي أنّ الأدب السياسي الذي أثمره الصراع في العصر الأموي أضخم تراثٍ سياسيٍّ في الأدب العربي منذ نشأته إلي العصر الحديث. (8)
في هذا العصر ظهرت أحزاب سياسيّة و من الطبيعي أن كانت الأحزاب مصبوغة بصبغ سياسيٍّ خالصٍ خالٍ من المناهج الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و التعليميّة، لأنّ أحوال العصر و المجتمع هي التي أملت عليها ذلك.

علي أنها كانت تمزج السياسة بالدّين لأنّ محورها الذي تدور حوله هو الخلافة، و هي منصب سياسيٍّ دينيٍّ، و لأنّ نظام الحكم كان قائماً علي الدين، يعتمد عليه، و يستمدّ منه أحكامه و سلطانه.(9)

و رسالة الشعر السياسي هي مسايرة هذه الدولة في تكوينها الدّاخلي، و سلطانها الخارجي، و حروبها الأهليّة، و أحزابها السياسيّة. (10)

العصر العباسي

إن الصراع العنيف الذي عرفه العصر الأموي بين الأحزاب السياسيّة و الفئات المتحاربة أدّي إلي استتاب الأمر لبني أميّة فترة من الزمن، و إلي ضعف « حـزب الخوارج » و « حزب الزّبيريين » في نهاية القرن الأول للهجرة. أمّا الشيعة فلم يتوقفوا عن الجهاد في سبيل إسترداد الخلافة من بني أميّة ؛ و قد ساعدهم في ذلك فريقان: العباسيون و الفـرس، حتّـي تسلّم الحكمَ بنو العبـاس، و من اقتسام النفـوذ بين الفـرس و العباسين إزدهرتْ الشعوبيّة،(11) و صارت المسألة لجاجة و أدّت إلي إزدراء العرب عند الشعوبيّة؛ و هذا الحزب ساعد علي الإيرانيين في حياة المسلمين أوّلاً ثمّ إقامة الدولة الفارسيّة أخيراً. (12) و سيتمّر الصراع فيقف جماعةٌ من الشعراء العرب موقف المعتّز بالعنصر العربي، المدافع عن قيمة المتوازنة و عاداته و تقاليـده مـن أمثـال « البحتري» و «أبي فراس» و «المتنبّي».(13)

العصر التركي

إن الشعر السياسي في هذا العصر ـ في معظمه ـ كان ردّة فعل لازمت الحركات العنيفة و الحروب المضطربة و حمل ـ في مجمله ـ التعبيرعن فرحة النصر و تأييد الحكّام، و مهاجمة خصومهم و الشماتة بهم.

و من طبيعة هذا العصر أن حركة الشعر فيه لم تدخل في صراعات حزبيّة أو حتّي شعوبيّة، كما كانت الحال في العصرين السابقين: العبّاسي و الأموي. و جُلّ ما هناك تأييد و تعضيد لسياسة الدولة المملوكية و العثمانية في حربها مع أعداء الإسلام، و الذود عن حياض الديار الإسلاميّة التي كانت في كنفها، و معظها، من البلدان العربيّة.(14)

العصر الحديث

لوتتبّعنا الشعر السياسي منذ مطلع النهضة الحديثة التي بدأت معها مرحلة الصراع الفعلي بين القوي الرجعية و بين قوي الشعب الذي أخذ يتطلّع للتحرّر و إلي حياة أفضل، لرأينا أنّ هذا اللّون من

الشعر يمثّل المجال الأوسع بين أغراض الشعر الأخري الّتي طرقها الشعراء إبان تلك الحقبة(15)

بما أنّ البحث یختصّ بالعـراق، لأجل ذلك انحصرت دراسـة الشعـر السياسي في العـراق مع إهمال البلدان الأخـري.

و تشغل السياسة و الأحداث السياسيّة مكانة مهمّة من حيـاة العـرب خـاصـةً فـي العـراق. بحيث يمكن القول إنّها تمثّل الوجه البارز للنشاط الفكري و الثقافي و الاجتماعي فـي العـراق.(16)

و إنّ أبرز مشكلة في العراق هي المشكلة السياسيّة. فقد اكتوي العراقيون بالأعمال السياسيّة و ذاقوا العذاب و المرارة من السياسة، و قد أثرت السياسة في حياة الشعب العراقي و أثرّت في حريّته و فكرته و أسرته، فهو يتألّم للأحداث المؤلمة في البلدان العربيّة، و يبكي علي من مات في السبيل الحريّة، لأنّه مرّ بأدوارٍ كَبَتَتْ فيها الحريّات و مُنع الشعب العراقي من أن يتلفّظ بكلماتٍ و ألفاظ حُدِّتْ من الجهات المسؤولة ؛ لأجل ذلك اتّسع الجانب السياسي في الشعر و الأدب، يزيده اتساعاً التحوّل في مفهوم الأدب بحيث أصبح يدور ـ في معظمه ـ حول معالجة الشؤون الاجتماعية و واقع الأقوام و الأنظمة، متوقّفاً علي مشاكل الحريّه و القوميّة و الاستقلال و الوطنيّة و الانتفاض علي الضعف و الاستكانه. (17)

فلقد كان متغيّرات العصر و مفاهيمه الجديدة في الإستقلال و تحرّر الشعب و العدالة و الديمقراطية و ما يتبعها من انتخابات و مجالس نيابيّة، و ما تركته حركة الاستعمار العالمي و تفكّك الإمبراطوريّة العثمانيّة و قيام الحرب العالمية الأولي، كان لكلّ ذلك آثاره الواضحة في مضامين هذا الشعر السياسي و نضجه و ارتقائه. (18)

إذا أردنا أن نتعرف إلي دور الشعر السياسي في العصر الحديث، قلنا إنه عالج أهم الموضوعات التي تتعلّق بالكيان السياسي للأمّة العربيّة، و التّي يمكن حصرها في محورين أساسسين. المحور الأول هو الدعوة إلي مكافحة الاستبداد العثماني، و المحور الثاني هو: الدعوة إلي بعث كيان الأمة العربية و استرداد مجدها ثُمّ الدعوة لتوحيدها.(19)

و هنا علينا أن ننص علي حقيقة واضحة من تاريخ الأدب العربي من العراق، ذلك أن الشاعر هناك كان دائماً ينازع خطيب الثــورة مهمتـه و مسئوليتـه. فكـان لكـلّ انتفاضـة ثوريةٍ في العراق، شعراءها الذين يقفون في الشوارع و يخاطبون الجماهيـر، و يدفعونهــا في الاتجاه الثوري، بخلاف في الأقطار العربية الأخري.(20)

و جديرٌ بالذكر أن موضوع الشعر السياسي ليس موضوعاً جديداً ظهر في بدايات العصر الحديث، و إنّما هو امتداد للتحولات السياسية التي تبلورت تباشيرها في المجتمع الإنساني في العصور المنصرمة ؛ و إن كانت الأغراض التي عالجها السياسيون في العصر الحديث عامة و الشعـراء الجدد عامة كانت حديثة من حيث حداثة هذه الأغراض ذاتها. و لذلك كان من الصعب أن يتخلص الشاعر من تأثرة بالقديم و أن تفصم العلاقة بيـن القـديم و الحـديث.(21)

الملاحظة:

*Department of Persian Literature Malayer Branch,Islamic Azad University, Malayer , Iran.

* الکاتب عضویة هیئة التدریس برتبة المربّی في جامعة الحرة الإسلامیّة بمرکز ملایر (مربی دانشگاه آزاد اسلامی واحد ملایر).

** Department of Theology Malayer Branch , Islamic Azad University, Malayer , Iran.

**عضویة هیئة التدریس برتبة المربّی في جامعة الحرة الإسلامیّة بمرکز ملایر (مربی دانشگاه آزاد اسلامی واحد ملایر).

الهوامش:

1- جوزيف الهاشم و أحمد ابوحامة و ايليا حاوي، المفيد في الأدب العربي الجزء الثاني، ط: 1، بيروت، المكتب التجاري للطباعة و التوزيع و النشر، 1964، ص 701.

2- ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر و آدابة و نقده، ج 1، لاطا، بيروت، دار مكتبة الهلال، 2000، ص 37.

3- أحمد الشايب، تاريخ الشعر السياسي إلي منتصف القرن الثاني، ط: 5، بيروت، دارالقلم، 1976، ص 90.

4 - عبدالقاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، لاطا، بيروت، دارالمعرفة، 1981، ص 9.

5- جوزيف الهاشم و أصحابه، المصدر نفسه، ص 703.

6- أحمد محمد الحوفي، أدب السيّاسة في العصر الأموي، لاطا، مصر دارنهضة للطبع و النشر، 1979، ص 10.

7- المصدر نفسه، ص 540 – 541.

8- أحمد الشايب، المصدر نفسه، ص 93.

9- جوزيف الهاشم و أصحابه، المصدر نفسه، ص 705.

10- أحمد الشايب، المصدر نفسه، ص 273.

11- جوزيف الهاشم و أصحابه، المصدر نفسه، ص 706.

12- ياسين الأيوبي، آفاق الفي العصر المملوكي، لاطا، لبنان، جروس برس، 1995، ص 286.

13- عربيّة توفيق لازم، حركة التّطور و التجديد في الشعر العراق الحديث، ط: 1، بغداد، مطبعة الإيمان، 1971، ص 121.

14- يوسف الصائغ، الشعر الحرّ في العراق منذ نشأته حتي 1985، لاطا، بغداد، مطبعة الأديب البغدادية، 1978، ص 74.

15- جوزيف الهاشم و الآخرون، المصدر نفسه، ص 706.

16- علي عباس علوان، تطوّر الشعر العربي الحديث في العراق، ص 112.

17- عربيّة توفيق لازم، المصدر نفسه، ص 121.

18- نقلاً من مجلة الآداب، العدد الأول، سنة 1960، ص 44.

19- رؤوف الوعظ، الإتجاهات الوطنية في الشعر العربي الحديث، لاطا، بغداد، دار الحريّة للطباعة، 1974، ص 396.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى