الجمعة ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم فيصل سليم التلاوي

أبا الفراتين، كم في الموت من عجبِ!

إلى متنبي العصر، شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري، و قد قيلت هذه القصيدة في رثائه بعد أيام من وفاته، و أعيد نشرها اليوم في الذكرى الرابعة عشرة لرحيله.

أبا الفراتين كم في الموت مــن عجــبِ
الصمت أبلغ من قولٍ ومــن عتــــــبِ
يا حكمة الله كــــم ساوت بمنطقهـــــــا
بين العَيِيِّ وبين الحــــــــاذقِ الأربِ
يُوَحِّدُ الموتُ أحوال العبـــــادِ علــــى
دمعٍ صبيبٍ غزير المَدِّ مُنسكــــــــبِ
ما كان حقك أن تُرثى بقـــــافيــــــــة ٍ
من القريضِ ولا فيضٍ من الخُطــبِ
فأنت للشعر والإبـــــداع مُلهِمَــــــــه ُ
وأنت كوكبه الدُرّيُّ لم يغـــــــــــبِ
الدهر يُنشد إذ جــــــددت ثانيــــــــة ً
مــــن ادّعى ذات يومٍ إنه لنبـــــــي [1]
قرناً من الدهر قد جـــابهتَ منفــرداً
هول العواصفِ والأنــواء والنُــوَبِ [2]
فكنت فارسها المغوار ، مُسعِرَهــــا
وكنت خير فتىً يا صفوة النَسَـــــبِ
ما وثبةُ الجسر عن بالـــي بغائبــــة ٍ
ولا صمــودك تغشى كل مغتصِـب [3]
ما حلفُ بغداد والأيــــامُ شاهــــــدة ٌ
لقوسك الصلب نبعاً ليس بالغَـــرَبِ
ترمي الأعادي وأذنابًا لهـم تبعـًــــا
مُسيرين وإن عُدّوا من العـــــربِ
تَرجّلَ الفارس المرهـــــوبُ جانبـُــــــهُ
ليستريح من الإعياء والنَصـَــــــــبِ
أنخْ ركابكَ فالفيحـــــــــــاءُ وارفــــــةٌ
ظلالُها وبنــــــوها أقربُ القـُـــــرُبِ [4]
"أرح ركابـــــك من أينٍ ومن عثَـــــرٍ
كفاك جيلان محمـــولاً على التعــب"
يا شامُ ضيفك أغلــــــى أن يواريـَــــهُ
تبرٌ مــن الأرض أو يُختَط َفي التُرَبِ
فوسديه عيون الغِيــــــدِ هاميـــــــــــةً
وأطبقي حــوله بالجفن والهُــــــــدُبِ
أبا فرات ، رمــــــاد ٌكل ما نفخـــــت
شِدقاك فيه ،فما أسعـــرت من لهـــبِ
إلا وهبت رياحٌ هـــــوجُ عاتيـــــــــةٌ
وأخمدت جــذوة الآمــــــال والأرَبِ
يُوحدُ الرُزءُ أبناء الشعــــــــوب ولا
يفُرق الرُزءُ إلا شعبنا العـــــــربي
ذكرتُ يافا التي يومًا حللتَ بهـــــــا
توَّجـــــتَ هامتها بالغار والشُهُـــبِ [5]
يافا التي أفلت من ساح أمتنـــــــــــا
تبكي فتاها الذي نادت ولـــم يُجــبِ
تبكيك بغداد يا ابن الرافدين فمــــــا
جفت دمـــوعٌ ولا عاف البكاء أبي [6]
ضاق العراقُ على المهدي وهمّتـــــــه
فأنفد العمر في مَنفًى ومُغتَــــــــــرَبِ
"يا ويح بغداد قد دار الزمــــــــان بها
وبدلت بأ بـــــي ذرٍ أبـــــا لهـــــبِ "
فلا الرشيد يقود اليوم صائفـــــــــــــة ً
ولا بنــوه ذوو التيجان والـــرُتَـــــبِ [7]
وليس معتصمٌ في غزو رومِيَــــــــــة ٍ
"وقد تقدمه جيشٌ من الرُعُــــــــــبِ"
قد عافها من بنيها كــــل نابغـــــــــة ٍ
"جواهريُّ" يصوغ القول من ذهـبِ
هاموا على طرقات الأرض قاطبــة ً
تقطعت بهم الأسباب واعجبـــــــي!
على بلادٍ ينوش المــــوت فتيتهــــا
على الدروب بلا ذنبٍ ولا سبــــبِ
سوى طلابِهمُ حريـــــــــةً سُلبــــت
أنعم بطالبها المقــــدام والطلـــــبِ
أبي فرات الذي لم يحن هامتـــــــه
إلا لخالقه أو شـــــــــــــارة الأدبِ
إذا الجموع انتشت شوقاً لشاعرهـا
وصفّقت ،هتفت من شدة الطــربِ
أحني لها هامةً شمـــاءَ شامخـــــة ً
ما عُفّرت مرة بالمَين والكـــــذبِ
أبا فرات وداعاً لا لقـــــــاء لــــــهُ
روّى ضريحك فيض الغيثِ والسُحبِ
وجيرةٍ لصــــلاح الدين هانئــــــــة
أضفت مجداً إلى ما خُــط بالقُضُبِ [8]
فالسيف والقول في بُرديكما اجتمعا
والرافدان ،فذا أمـــي وذاك أبــــي

[1إشارة إلى المتنبي.

[2إشارة إلى عمر الشاعر المديد الذي استمر قرابة قرن (1900- 1997)

[3وثبة الجسر هي انتفاضة مجيدة للشعب العراقي في يناير 1948 وكان الشاعر من أبرز فرسانها.

[4الفيحاء هي دمشق حيث توفي الشاعر وفيها دفن

[5إشارة إلى قصيدة الجواهري "يافا " التي ألقاها سنة 1946 في مدينة يافا

[6أبي تخفيف لكلمة أبيّ

[7صائفة: غزوة في فصل الصيف حيث كانت غزواتهم تسمى "الصوائف و الشواتي".

[8إشارة لضريح القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي الذي يرقد في دمشق أيضاً وهو من أبناء الرافدين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى