الأربعاء ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم ملكة أحمد الشريف

الفانوس

كانت أكفهما تفترشان الأرض... لا يأبهان لمن حولهما من المارة، كانا يفتشان في مكب النفايات ويفرزان مخلفات البلاستيك عن باقي المهملات، ليبيعاها إلى ذلك المصنع الوحيد على أحد أطراف المدينة.

رغم أن ملابسهما كانت رثة ومتسخة، وكانت تلك المسحات السوداء تتناثر على وجهيهما، إلا أنها لم تخف ملامحهما الجميلة بشعرهما الأشقر المنكوش، كان لكل منها عينان خضراوان، تعلوان أنفا دقيقا، وثغر وردي صغير، مع اختلاف في العمر، وبعض الملامح ... كانا يتعاتبان بلهجتهما القروية المميزة.

يضعان ما يجدانه من تلك المخلفات على حمار هزيل، ظل يحرك ذيله بهدوء تام غير آبه بطوابير الذباب الموجود على أكوام القمامة الملقاة على جنبات الطريق بالقرب من مكب النفايات، ولا بحر شمس يوليو، وكأنه يشاطرهما الذل من أجل لقمة العيش.

كان حديثهما الذي يشبه الصياح -وهما يتعاتبان على عمل اليوم السابق- مثيرا للدهشة والضحك معا، فقد كررا اسم شخص ثالث؛ وكأنه السبب في عدم جمعهما مبلغا معينا من المال.

صاح أحدهما متهللا، كأنما وجد كنزا دفينا يريد أن يتقاسماه، فقد وجد بالجانب الآخر من الحاوية كيسا به بعض الملابس التي هي أفضل حالا مما يرتديه.

يمسكها بكلتا يديه يقلبها، يخرجها قطعة قطعة عله يجد شيئا يلائم جسده النحيل، ينظر إلى الجانب الآخر من الحاوية ليجد شيئا ما... كان فانوسا على شكل فتاة تحمل جرة على رأسها، صنع بدقة وجودة عالية، التقطه بسرعة فرحا به لشكله.

ما أثار دهشتهما أن أصحاب "الفانوس" تخلوا عنه بتلك السهولة، وتساءلا عمّا إذا وصل إلى هنا بطريق الخطأ؟؟

تبادلا نظرات الدهشة... والفرح... والأمل... والحيرة ... وكلاهما يمسك به بكلتا يديه...

 أنا لقيته في الأول...

 لا... أنا...

 طيب خلص مش مشكلة... أنا ولا انت...

 المهم إيش بدنا نعمل فيه...

 بدنا نبيعه ونشتري كباب...

 لا... لا... بس انت بتفكر في بطنك...

 ايش رأيك لا نبيعه ولا اشي... بناخذه لأمي تزين فيه البيت...

 بس أنا كان نفسي نبيعه ونشتري بحقه بسكليت...

 ولك هذا ما بيجيب حق بسكليت...

 طيب... أمانة خلينا نجيب سيارة بريموت زي اللي عند ابن الأستاذ.

 طيب لما نصل الدار بيحلها الله...

أخذا يجمعان غنائمهما في ذلك اليوم الحافل، وكلاهما يحلق بأحلام أعلى من قامتيهما، وهما يمسكان بالفانوس.

وقع الفانوس بفعل مشادتهما الكلامية وتجاذبهما له، لينشطر إلى نصفين، لاذا بعدها لفترة بسيطة بالصمت، حاولا جمع أجزائه، وعندما تمعنا في تلك القطع علما أن أصحاب الفانوس تخلصوا منه لأنه مكسور من قبل... تبخرت أحلامهما الوردية باقتناء الطعام والألعاب...

دمعتان حارقتان كفلتا للصغير صمت أخيه وكفّتاه عن إلقاء اللوم عليه.

فما كان منه إلا أن لعن...

الفانوس...

والمكب...

والحمار...

والكباب...

والفقر...

ومسح دمعتي أخيه ليواصلا البحث عن مكب آخر للنفايات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى