الأربعاء ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم هيثم نافل والي

مسكين في الزمن الحاضر

القصة الأولى:

لم ينم الطبيب النفساني إحسان العربي منذُ أيامٍ عدة أبداً، ومعَ ذلك، كانَ سعيداً ومغتبطاً جداً حد السكر، وكأنهُ ولدَ من جديد .. لكنهُ لم يكن يعلم بأنَ الجنون قد أصبحَ إليه، أقرب من عصى الأعمى!

القصة الثانية:

لقد أعتادَ البروفسور العربي الشهير جليل في الأيام الأخيرة من الاعتقاد بأنه يستطيع الإمساك بالنجوم بيده والتقاطها من كبد السماء بسهولة ودونَ عسر، وكأنها الملعقة التي يأكلُ بها! حتى مرضَ دونَ أن يعلم بأنهُ قد أصيبَ بغرور داء العظمة! الذي هو أقتل من السم.

القصة الثالثة:

باتَ شيخ المؤمنين الدكتور عزيز العربي لا يتكلم أبداً، فأصبحَ يصدق نفسه، على أن الناس لم يعدوا يرونه حتى في وضح النهار وكأنه الشبح! فأستسلم لقدره بقوه على أنه الله فعلاً! فكلفه ذلك بيض السّمام(1).

(1) السّمام: هي النملة الحمراء، ويقال أيضاً أنها طير فريد النوع كالخطاف، الذي لا يقدر على جمع بيضه.

القصة الرابعة:

مرت ثلاثة عقود، وأنا غائب عن الوطن والأهل والأصحاب، رنَ جرس الهاتف مصرحاً عن مكالمة آتية، عرفت من خلالها أنَ أبنَ بنت خالتي القادم من العراق حلَ ضيفاً جديداً على وطن الغربة، فقررتُ زيارته، وأن لم أراه من قبل إلا صبياً. لم يعجبني كثيراً، فقد كانَ فقير الثقافةِ والحياء، وأولاده الثلاثة في بداية طريق الضياع في عالمهم الجديد الذي يلمع، كالفضة! سجلتُ في محفظتي رقم هاتفهُ خجلاً من العيب! وقفلتُ راجعاً إلى داري أنشد الراحة والنظام وأنا أكثر حزناً وتمنيت من كل قلبي وفي سري بأني لو لم ألتقي به ... فقد أوحى لي بأنه سيكون وأولاده وقوداً سهلاً لنار مستعرة في حياة لا ترحم الأغبياء!

وما أن زحفَ الليل علينا كالسارق، كما هي العادة هنا، وسكنت الأشياء ليبدو كل شيء قد ماتَ بسبب الهدوء! رنَ جرس الهاتف مجدداً وكانت له في الحقيقة نفس رنة الصباح، فقلت بخوف: الله همة أجعلهُ خيراً وسلام... فظهرَ لي صوتٌ قبيح، كريهة يشبه صوت الدب الوحشي وهو يزمجر ضاحكاً ويشرق ريقه برعشة وغصة السكران، فقالَ مستهتراً كالقواد: من معي على الخط؟ ثمَ أردف باستخفاف، هل أنت مجدداً؟

 أجبته بذهول: يوحى لي بأنك الذي كنت عنده قبلَ ساعة...

 فقالَ متردداً، بعدَ أن سمعت صوت أقداح تكسر... نعم، ومن يكون غيري يسأل عنك؟ ها ... ثمَ قهقهة بجلف كعاهرة وهي تمارسة عملها هه...هه...هه... وأستطرد، لماذا لا ترد عليّ؟ أنكَ تتجاهلني وأنا أعلم ذلك! بل داخلك يحتقرني... فبصق بقوه ... تفو... وهو يضيف يا لك من خبيث وحقود ... ثمَ أغلق الخط.

ضربت يداً بيد وكأني أصفق مستغفراً ربي وقلت بصوتٍ مرتجف مبحوح ... أي نوع من الرجال هذا الذي يدّعي أنه أبن بنت خالتي، ليقصفهُ الشيطان، ما هذا ... أعوذُ بالله! أردفت بهذه الكلمات والدموع كانت قد طفرت من عيوني لتسبح على خدي المتوقد كالجمر غيظاً... بعدَ أن غرقت كالحجر في بحر خجلي ومن كل شيء! وتمنيت في تلك اللحظة ومن أعماقي، بأنَ أكون وحيداً وإلى الأبد وكأني أحسد الذي يقف مذلولاً، مقهوراً خلفَ أسوار السجون لعزلته!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى