الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم عبد الجبار الحمدي

حسد العيون ........

كان يؤمن بأن الحسد قاتل صاحبه لا محالة، إلا أن له جارا قد فاق الوصف بالحسد، فحاول طمس النعمة التي عنده، خوفا من عين حاسد إذا حسد، كان ذلك مذ أن اشترى البيت الملاصق لذلك الحاسد، وهربا من حسده عمد على بيعه وشراء بيت آخر في مكان بعيد، ذات يوم سمع الحسود، أن جاره هذا قد اشترى بيتا وسيارة جديدة، وأراد الانتقال إليه دون أن يراه واقفا يتلصص ساعة مغادرة، أو يختلس النظر إلى المركبة القادم بها ليلا، لأخذ عائلته والرحيل دون العلم برحيله، طلع عليه فجأة!! بعدما ركبت عائلته المركبة، فقال له: يا جاري العزيز .. هل هذه هي الأصول؟ ترحل دون أن تودعنا، أعلم جيدا انك تخاف الحسد، لكن ثق أني لا أحسد من أحب، وأنا احبك، صحيح انك لم تزرني أو تتجامل معي، لكني من متابعي أخبارك وأحوالك، عموما لك كل الخير، عذرا لتطفلي.. لكن أخبرني هل هذه المركبة هي من الموديل الحديث؟ فقد سمعت إنها متينة وقوية، فهنيئا لك ركوبها، كما أهنئك على بيتك، الذي سمعت أيضا انك انتهيت من تجهيزه بعد شراءه، عذرا مرة أخرى ...في الواقع لدي سؤال؟ محرجا أن أساله، أراد جاره التخلص منه فقال له: لا عليك سل، ما هو سؤالك؟ فقال: هل صحيح أن شراءه كلفك مئة مليون دينار كما سمعت؟ فغر الجار فاه، انطلق مسرعا بعيدا عنه، سمعه يقول: على مهلك يا رجل، ثم حدث نفسه يا له من حظ!؟ سيارة وبيت في وقت واحد.
في اليوم التالي: كان صاحب المركبة والبيت قد توسد الفراش في المشفى، بعد أن اصطدم أثناء سيره بإحدى الناقلات الكبيرة، فمات كل أفراد عائلته إلا هو، فقد الأمل في الحياة، بات حانقا على جاره الحسود، بعدما سمع أن بيته الجديد قد نهب، وأحرق بأكمله لإضاعة معالم السرقة، كما سرقت كل نقوده التي كانت في الخزنة، أمسى حافيا إلا من البيت المحترق، باعه حين خرج، لتسديد ديون وعلاج، سَخّر نفسه للبحث عن وسيلة للانتقام من غريمه الحسود، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، حتى رآه صديق له يوما، لم يتعرف عليه من أول وهلة، وما أن عرفه، صرخ غير معقول!! هل أنت من أظنه!؟ كيف آل بك الحال إلى ما أنت عليه؟ أين كنت؟ وأين تسكن؟

لم يجبه عن أسئلته، بل قال له: أن مصيبتي لكبيرة، فقد دمرني جاري الحسود، بين ليلة وضحاها، فما جرى لي لا يصدق، كل ما حدث نتيجة حسد ذلك الملعون، قالوا لي أن عليه عين تفلق الصخر، لم أصدق ذلك، إلا حين خبرته، لقد دمر حياتي، قتل كل عائلتي بحسده، والآن لا أدري كيف الخلاص؟ أرغب بالانتقام منه.

سأله صديقه عمن تتحدث؟ أخبره باسمه، فصاح يا الله إن شهرته تسبقه، ليس هو فقط، بل كل أفراد عشيرته، رجال ونساء، يا الله انك محظوظ بنجاتك، فهذه أول مرة، اعلم أن هناك أحد نجا من حسد عينيه، جحظت عيناه نحو صديقه وقال: يا لك من صفيق، أقول لك قد فقدت كل أفراد عائلتي، وأموالي وما املك، فتقول لي أنني محظوظ، أين الحظ من ذلك؟ تبسم صاحبه له، هَدأ من غضبه، وقال: ليس هذا ما عنيت، إنما صدقني لم ينج أحد من حسده، فهو يشتهر بالدمار إذا حسد أحد ما.

فرد المنكوب: قل لي؟ هل هناك وسيلة للانتقام منه؟؟ فكر قليلا ثم أجابه قائلا.. ربما هناك، لكنها تكلفك القليل من المال، صرخ المنكوب المال، سأتدبر الأمر، حتى لو بعت نفسي، فقط دلني كيف هي الوسيلة إلى ذلك!؟

فقال: أني اعرف ابن عم له من عشيرته، يبغضه دون أن يراه أو يلتقي به، لم لا تذهب معي اليوم؟ لأعرفك عليه، وتسأله ما تريد، يحسده بنية القضاء عليه مقابل مبلغ من المال، فتكون بذلك قد انتقمت لنفسك منه، ونلت مرادك، فرح بما سمعه، وفي غضون أيام، جمع المال المطلوب لنيل فرحة عمره، فها هي الساعة قد حانت للانتقام من غريمه، كان ذلك الحاسد قد علم بالقصة كلها، طلب من المنكوب فقط أن يريه الشخص الذي سيحسده عن كثب.

فقال له: غير ممكن ذلك، فليس من المعقول أن أذهب معك إلى بيته لأريك إياه، فأقترح الحاسد أن يريه الشخص من مكان يمكنه التعرف عليه، ثم يترك الأمر بعد ذلك له، ذهب معه إلى ركن في نهاية تقاطع الشارع، منتظرا خروج غريمه لوهلة، وما أن خرج بعد انتظار، صرخ هناك... ذاك هو.. أنظر انه صاحب اللباس الرصاصي، هناك، قال الحاسد أين؟؟ أين هو؟ فأشار بأصبعه نحوه، فقال الحاسد: يا رجل!! أن لك عيون كالصقر، فحتى أنا لا استطيع التمييز من هذا البعد، سقط المنكوب على الأرض صارخا، عيناي.. آه عيناي.. لا أستطيع أن أرى!! لقد عميت، حين سمع الحاسد بذلك، هرب مسرعا، تاركا الرجل يلعن الساعة السوداء التي فكر فيها بالانتقام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى